موهبة ريادة الأعمال

موهبة ريادة الأعمال Entrepreneurial Gifted

شهد مفهوم الموهبة تحوُّلات خلال القرن الماضي تماشيًا مع التطورات المتسارعة في المجالات الإنسانية والعلمية والتي من بينها مجال ريادة الأعمال، والذي بدوره شهد تطورا لافتًا خلال الأعوام الماضية وبات في مُقدمة اهتمام الدول نتيجة لازدهار الاقتصاد، حيث ساهمت ريادة الأعمال في إيجاد فرص للعمل وحل المشكلات المجتمعية. ونظرًا لتلك الأهمية، خُصص لريادة الأعمال أسبوع عالمي (#الأسبوع_العالمي_لريادة_الأعمال) بهدف خلق الوعي بفوائد ريادة الأعمال في جميع أنحاء العالم وذلك من خلال الأنشطة المختلفة، وتحفيز الأشخاص لاستكشاف أفكار لمشاريع خاصة بهم. إضافة إلى الاحتفاء بالأشخاص المؤسسين للمشاريع الريادية. علاوة على ذلك، برزت مجموعة من المؤشرات العالمية التي تُعنى بجمع وتقديم إحصاءات حول اتجاهات الأشخاص حيال ريادة الأعمال، وحول النظام البيئي الداعم لريادة الأعمال (بما في ذلك الموارد والبنية التحتية والتكنولوجيا والاتصالات) في مختلف البلدان.

وبالتزامن مع ذلك، شهد العالم اتجاهًا متزايدا نحو تعليم ريادة الأعمال والذي جاء كنتيجة للتحديات العالمية للقرن الحالي والحاجة إلى أشخاص يحملون على عاتقهم إيجاد الحلول للمشاكل المعقدة. وكان إدراج تعليم ريادة الأعمال في ميدان التعليم والتدريب وسيلة مهمة لضمان استعداد المتعلمين للتوافق مع الحياة خارج المؤسسات التعليمية.

ورغم هذا الاهتمام بريادة الأعمال، مازال هناك افتقار للأدبيات حول ماهية موهبة ريادة الأعمال، وهذا الأمر قد يكون له أثر في تصميم برامج متوافقة مع الخصائص الشخصية والقدرات العقلية لذوي موهبة ريادة الأعمال، وتوفير الإرشاد والتوجيه المناسب لهم.

لماذا الاهتمام بموهبة ريادة الأعمال؟

تلعب موهبة ريادة الأعمال دورًا رئيسيًا في تنمية الاقتصاد والمجتمع، وذلك لقدرة ذوي موهبة ريادة الأعمال على ترجمة الابتكارات وتسويق الأفكار، وقدرتهم على استغلال الموارد والمهارات لسد الاحتياجات وحل مشكلات المجتمع وذلك من خلال تقديم خدمات أو منتجات ومشاريع جديدة مما نتج عنه إنشاء أعمال جديدة وخلق فرص للعمل، الأمر الذي ساهم في التنمية المجتمعية وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد ورفع مستوى معيشة المجتمع.  ولعل ما أحدثته المشاريع الريادية أثناء جائحة كوفيد19  (على سبيل المثال: التطبيقات التعليمية، وخدمات التوصيل) برهان على قدرة الشركات الريادية على التجاوب مع مشكلات و احتياجات المجتمع والاقتصاد المحلي والعالمي.

ما هي موهبة ريادة الأعمال؟

هي القدرة والاستعداد لإنشاء وإدارة مشروع جديد، وذلك بابتكار أفكار ومنتجات وخدمات جديدة، والمثابرة وتحمل المخاطر لتحقيق الأرباح أو إحداث تغيير اجتماعي. وهناك مجالان تنصب فيهما أنشطة ريادة الأعمال (ريادة الأعمال التجارية وريادية الأعمال المجتمعية).

ما هي سمات موهبة ريادة الأعمال؟

مازالت الأبحاث نادرة حول المؤشرات المبكرة لموهبة ريادة الأعمال، ولعل من أبرز السمات التي يتميز بها ذوي موهبة ريادة الأعمال:

  1. المرونة الذهنية والاستعداد للتغيير في طريقة التفكير.
  2. المثابرة وعدم الإحباط والخوف من الفشل.
  3. المخاطرة والقدرة على تحمل الغموض.
  4. القدرة على معرفة احتياجات الناس، وتكوين العلاقات الاجتماعية.
  5. القدرة على ابتكار الأفكار والحلول الجديدة للمشكلات.
  6. القدرة على اقتناص الفرص وتسويق الأفكار.

هل موهبة ريادة الأعمال فطرية أم مكتسبة؟

موهبة ريادة الأعمال ليست استعدادا فطريا ثابتا، ولكنها مزيج من الاستعدادات الفطرية والمهارات التي يمكن صقلها ورعايتها وتطويرها في البيئة الملاءمة، فكما هو الحال مع المواهب الأخرى توجد سمات فطرية والبيئة الملاءمة تحفز الميول وتصقل السمات وتزودها بالمهارات اللازمة.

متى يبدأ الكشف عن موهبة ريادة الأعمال؟

في الوقت الحالي، تستخدم المقاييس الذاتية للكشف عن الميول الريادية للكبار، وهناك ندرة في المقاييس المتاحة للكشف عن موهبة ريادة الأعمال لدى الأطفال أو الطلبة. وقد يرجع ذلك إلى أن مجال موهبة ريادة الأعمال حديث ومازال هناك ندرة في الأبحاث ذات الصلة بالخصائص الشخصية والمعرفية لذوي موهبة ريادة الأعمال. ورغم ذلك، يمكن للوالدين والمعلمين تهيئة البيئة المناسبة لاكتشاف موهبة ريادة الأعمال ورعايتها وذلك من خلال تعزيز جو الإبداع والألعاب الخيالية، والسماح للأطفال بارتكاب الأخطاء، وتركهم يوجدون الحلول لمشاكلهم بأنفسهم، وتحسين مهارات التواصل، وتعليم الأطفال مهارات الاكتشاف وحل المشكلات، ومنحهم الاستقلالية لاستكشاف أفكارهم في طرق لكسب الأموال، وابتكار أفكار لأعمال خاصة بهم. وفي ميدان التعليم الرسمي، يمكن الاستعانة بالقوائم السلوكية باعتبارها من أفضل الأدوات للكشف عن موهبة ريادة الأعمال. وذلك من خلال بناء بيئة افتراضية تعليمية مشابهه لبيئة الأعمال ويتم ملاحظتهم أثناء العمل على مشاريعهم للكشف عن قدراتهم واستعداداتهم. ويمكن الاستفادة من القوائم السلوكية المستخدمة في مجال الكشف عن ذوي المواهب للكشف عن بعض المظاهر ذات العلاقة بموهبة ريادة الأعمال، وكذلك يمكن التعديل عليها بما يتوافق مع مظاهر وسلوكيات موهبة ريادة الأعمال.

أين يتم رعاية ذوي موهبة ريادة الأعمال

تقليديًا، يتم تدريس ريادة الأعمال ضمن المقررات الدراسية في أقسام الإدارة بالجامعات، وكذلك من خلال الدورات التدريبية حول (كيفية تأسيس المشايع الريادية) في مراكز التدريب. لكن هناك جهودًا حديثة لتعليم ريادة الأعمال في المدارس ورياض الأطفال، ولعل من أبرز تلك الجهود (الاستراتيجية العربية الإقليمية لإدراج ريادة الأعمال ومهارات القرن الحادي والعشرين) بدءًا من الروضة وحتى المرحلة الثانوية. وقيام بعض الجامعات بإنشاء أودية تقنية ومراكز لريادة الأعمال والابتكار بهدف مساعدة الطلبة على استكشاف الأفكار ذات الصلة باهتماماتهم وتخصصاتهم، ومساعدتهم لتحويلها إلى مشاريع ريادية.

كيف يمكننا رعاية ذوي موهبة ريادة الأعمال ؟

تتطلب رعاية ذوي موهبة ريادة الأعمال توفر نظام بيئي يُعزز فيه السلوك والفكر الريادي، بدءًا من طريقة التنشئة الأسرية والبرامج التعليمية في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية مثل الحاضنات ومسرعات الأعمال وجمعيات ريادة الأعمال والمؤسسات المجتمعية. وتقديم الإرشاد والتوجيه المناسب لهم، وسنّ الأنظمة والقوانين واللوائح التي تُيسر تأسيس المشاريع الريادية، وتوفير الموارد والتكنولوجيا والبنية التحتية اللازمة لتهيئة بيئة داعمة لتأسيس المشاريع الريادية.

ومن الأهمية بمكان أن يتم تحفيز ورعاية ذوي موهبة ريادة الأعمال في البرامج التعليمية بأسلوب ريادي لصقل قدراتهم واستعدادهم، وذلك بتزويدهم بالمعرفة والمهارات المطلوبة في سياق تعليمي قائم على المشاريع؛ لما تتميز به طريقة التعليم القائم على المشاريع في القدرة على بناء بيئة افتراضية تحاكي بيئة الأعمال. إضافة إلى ما يتميز به التعليم القائم على المشاريع من التركيز في التقييم على المنتج والأداء، والعمل على منتجات أو خدمات تلبي احتياجات حقيقية للمجتمع. وينبغي أن يتم التركيز في العملية التعليمية لرعاية ذوي موهبة ريادة الأعمال على مهارات القرن الحادي والعشرين مثل مهارات التواصل والتعاون والإبداع وحل المشكلات، وذلك لأهمية تلك المهارات في بيئات ريادة الأعمال. وينبغي العمل على تهيئة القائمين على البرامج التعلمية للتدريس وفقًا لتلك المنهجيات. ولتحقيق التوازن والاستفادة ما بين الممارسات التربوية والخبرات العملية للمشاريع الريادية، ينبغي أن تضم تشكيلات القائمين على البرامج التعلمية كلًا من (معلمي ذوي الموهبة ومؤسسي المشاريع الريادية).

ماذا نريد أن نعرف مستقبلًا حول موهبة ريادة الأعمال ؟

كما سبق ذكره، هنالك ندرة في الأبحاث ذات الصلة بالخصائص الشخصية والسمات المعرفية لموهبة ريادة الأعمال، وبالتالي هناك حاجة إلى البحث بهذه المجالات. إضافةً إلى ذلك، هناك حاجة إلى البحث في العوامل البيئية المحفزة لموهبة ريادة الأعمال، والاستراتيجيات التعليمية المناسبة لتنميتها. حيث يمكن أن تساهم الأبحاث في هذا المجال في تكوين صورة واضحة لموهبة ريادة الأعمال، وبالتالي تضمين هذه الموهبة ضمن مجالات المواهب الخاصة كما هو الحال مع الموهبة القيادية في تعاريف الموهبة. إضافة إلى ذلك، قد تساهم الأبحاث في هذا المجال في حل الغموض بين مفهومي ذوي موهبة ريادة الأعمال (رواد الأعمال المحتملين) ورواد الأعمال (مرحلة الوصول للنبوغ أو التفوق) نظرًا لاختلاف المظاهر السلوكية بين المؤشرات المبكرة التي تدل على الموهبة الكامنة وبين الكفاءات أو الأداءات في مرحلة النبوغ.

البحث في Google:





عن هنوف محمد العناز

تخصص تربية الموهوبين، المملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *