الجودة في التعليم

إدارة الجودة الشاملة في التعليم: نحو تطوير استراتيجي مستدام لمؤسسات التعليم

مقدمة

يشهد قطاع التعليم في العصر الحديث تطورًا متسارعًا يتطلب من المؤسسات التعليمية أن تتبنى مناهج إدارية حديثة لضمان جودة مخرجاتها واستمرارية تأثيرها. ومع تزايد التحديات العالمية مثل الأزمات الصحية، والنزاعات، والثورة الرقمية، أضحى من الضروري التفكير في كيفية بناء نظم تعليمية resilient (مرنة وقادرة على التكيف)، تعتمد على الجودة كعنصر أساسي في كل مكوناتها. من هذا المنطلق، يطرح هذا المقال أهمية إدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management – TQM) في تطوير التعليم، مع عرض المشكلة التي تعاني منها العديد من المؤسسات التعليمية، وتقديم توصيات عملية مبنية على مراجع أكاديمية رصينة.

مشكلة الدراسة

تعاني العديد من المؤسسات التعليمية، خاصة في الدول النامية أو المناطق المتأثرة بالنزاعات، من ضعف في الأداء المؤسسي، وتراجع في مستوى التحصيل لدى الطلبة، وغياب ثقافة الجودة والتحسين المستمر. وغالبًا ما يتم التعامل مع التعليم كخدمة تقليدية، دون اعتماد أسس إدارية واضحة تضمن الفاعلية والكفاءة. والمشكلة الرئيسة التي يعالجها هذا المقال هي: “غياب تطبيق منهجية إدارة الجودة الشاملة بشكل استراتيجي في المؤسسات التعليمية، مما يؤدي إلى تدني مستوى الخدمات التعليمية وضعف قدرة المؤسسات على الاستجابة للتحديات المستجدة.”

أهمية الموضوع

تبرز أهمية هذا الموضوع من كونه يمس جوهر العملية التعليمية وجودتها واستمراريتها. فإدارة الجودة الشاملة ليست مجرد تقنية إدارية، بل هي فلسفة متكاملة تُسهم في تطوير القيادة المدرسية، وتحقيق رضا الطلبة وأولياء الأمور، ورفع كفاءة المعلمين، وتعزيز مكانة المؤسسة التعليمية. كما أن أهمية الدراسة تتضاعف في السياقات التي تواجه أزمات تعليمية حادة، حيث يمكن لمنهجية TQM أن تساهم في بناء نظم تعليم resilient وفعّالة وقادرة على مواصلة التعلم رغم الظروف.

أولًا: مفهوم إدارة الجودة الشاملة في التعليم

إدارة الجودة الشاملة (TQM) في التعليم هي فلسفة إدارية تهدف إلى تحسين جودة العملية التعليمية بشكل مستمر من خلال مشاركة جميع عناصر المؤسسة التعليمية، بدءًا من القيادة وصولاً إلى المعلمين والطلاب وأصحاب المصلحة. تهدف هذه الإدارة إلى تحقيق رضا المتعلمين وأولياء الأمور والمجتمع عبر تحسين المناهج الدراسية، وطرق التدريس، والبيئة التعليمية، والعمليات الإدارية. وفقًا لثابا (2011)، تعتمد إدارة الجودة الشاملة على خمسة مبادئ أساسية تشمل التركيز على العملاء (الطلاب وأولياء الأمور)، المشاركة الجماعية، التحسين المستمر، القيادة الفعالة، وإدارة المعلومات والبيانات. كما يؤكد إير (2018) أن تطبيق TQM في التعليم يتطلب تبني نظام متكامل يدمج استراتيجيات التحسين المستمر مع عمليات التقييم والتطوير، مما يسهم في تحقيق استدامة جودة التعليم وتلبية المتطلبات المتغيرة للبيئة التعليمية المعاصرة. بهذا الشكل، فإن إدارة الجودة الشاملة تمثل إطارًا شاملاً يوجه المؤسسات التعليمية نحو التميز والنجاح المستدام.

إدارة الجودة الشاملة (TQM) هي نهج إداري شامل يهدف إلى تحسين الأداء المؤسسي من خلال المشاركة الكاملة لجميع الأفراد في المؤسسة، والتركيز على التحسين المستمر، وتلبية حاجات المستفيدين (Menteşoğulları, 2023). في السياق التعليمي، تشمل الجودة الجوانب الإدارية، والأكاديمية، والسلوكية، والبيئية، وتشكل إطارًا لتجويد التعليم في جميع مراحله. ويرى Cotta-Schonberg أن قياس الأداء يجب أن يرتبط مباشرة بأهداف الجودة، باستخدام أدوات دقيقة ومستندة إلى بيانات حقيقية .

ثانيًا: العلاقة بين الإدارة الاستراتيجية وإدارة الجودة

تلعب الإدارة الاستراتيجية دورًا حيويًا في تعزيز تطبيق مفاهيم الجودة في المؤسسات التعليمية. يشير خورنياوان وزملاؤه (2021) إلى أن تحسين فعالية المؤسسات التعليمية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدمج مبادئ إدارة الجودة مع القيادة الاستراتيجية، حيث يُسهم ذلك في تحقيق تنمية مستدامة وتحسين النتائج التعليمية. وفي هذا السياق، تؤكد دراسة مفيدة وزملاؤها (2025) على وجود علاقة إيجابية بين تطبيق إدارة الجودة الشاملة وأداء المعلمين، مما يبرز الدور الاستراتيجي لـ TQM في الارتقاء بجودة التعليم. بالإضافة إلى ذلك، يوضح إير (2018) أن أنظمة التحسين المستمر ضمن أطر إدارة الجودة الشاملة تعزز من ثقافة الجودة وتدعم العمليات الاستراتيجية التي تساهم في التنمية المستدامة للمؤسسات التعليمية.

تُعد الإدارة الاستراتيجية ركيزة أساسية لتطبيق TQM، حيث تضع رؤية واضحة وتخطط لتحقيق أهداف بعيدة المدى. وتبيّن دراسة Syarifudin (2023) أن دمج الإدارة الاستراتيجية في رياض الأطفال الإسلامية ساهم في رفع كفاءة الأداء وتطوير بيئة العمل. والتنفيذ الاستراتيجي ساهم في تحسين الأداء العام، من خلال تطوير الموارد البشرية والبنية التحتية والتعليمية، مما أدى إلى تحسين جودة التعليم. وقد شمل ذلك بناء الخطط، وتدريب الكوادر، وتحليل الواقع، والتعامل مع نقاط الضعف بطرق علمية، وهو ما يعكس أهمية التكامل بين الفكر الاستراتيجي ومبادئ الجودة.

النجاح في تطبيق الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية يتطلب تبني نهج استراتيجي يركز على القيادة، والبيانات، والتحسين المستمر.”

وربطت بين القيادة الاستراتيجية وتفعيل مبادئ الجودة الشاملة داخل المؤسسات التعليمية. (Menteşoğullari, 2023)

رغم تركيزها على المنظور الإسلامي، إلا أنها أدرجت أهمية الرؤية الاستراتيجية في نجاح تطبيق إدارة الجودة، وخصوصًا عند دمجها بالقيادة والقيم (Rohmanto, Purwanto, & Ismail, 2023)

ثالثًا: النماذج العالمية لتطبيق الجودة

أثبتت التجارب العالمية أن تطبيق TQM يحتاج إلى نماذج متكاملة. ومن أشهرها نموذج EFQM الأوروبي، ونموذج Malcolm Baldrige الأميركي. وأظهر Dennis & Dennis (2003) أن استخدام منهجية التحسين المستمر في برنامج الدراسات العليا ساعد على تطوير المناهج والاستجابة الفورية لملاحظات الطلبة. كما عرضت دراسة Abasi & Esmaeeli (2012) آليات التقييم الذاتي، وربط النتائج بمؤشرات أداء واضحة، لتعزيز المساءلة وجودة التعليم.

رابعًا: التكامل بين الجودة والإدارة الإسلامية

أشار Rohmanto et al. (2023) إلى أن دمج إدارة الجودة الشاملة مع القيم الإسلامية يعزز من فعالية الإدارة التعليمية، ويمنحها بُعدًا أخلاقيًا وروحيًا. القيم مثل الإخلاص، والشورى، والإتقان، تعد محفزًا داخليًا لتجويد العمل، وتُسهم في بناء ثقافة مؤسسية قائمة على الاحترام والمسؤولية، وهو ما يتماشى مع فلسفة TQM في المشاركة الشاملة والتحسين المستمر.

خامسًا: التحديات التي تواجه تطبيق الجودة

على الرغم من أهمية تطبيق إدارة الجودة الشاملة في التعليم، تواجه المؤسسات العديد من التحديات التي تعيق تحقيق ذلك. يوضح تشوبان أوغلو وديمير (2022) أن إدارة الأزمات والقيادة الرشيقة تعدان من العوامل الحاسمة في التعامل مع الاضطرابات، إلا أن مقاومة الثقافة التنظيمية وعدم جاهزية المؤسسات للتكيف السريع مع المتغيرات تمثل عائقًا كبيرًا أمام تطبيق الجودة. كما يشير رومانتو وزملاؤه (2023) إلى أن الصراعات الداخلية وعدم توافق استراتيجيات الإدارة تشكل تحديات رئيسية أمام تنفيذ إدارة الجودة الشاملة بفعالية، خاصة عندما لا تكون الثقافة التنظيمية داعمة. كذلك يلفت دويرتي (بدون تاريخ) الانتباه إلى أن غياب المشاركة الكاملة لأصحاب المصلحة وضعف استخدام البيانات في اتخاذ القرارات يمثلان من أبرز الصعوبات التي تواجه ضمان الجودة في المؤسسات التعليمية.

رغم أهمية TQM، إلا أن هناك معوقات كبيرة تواجه تطبيقها، من أبرزها: ضعف الكفاءات الإدارية، قلة التدريب، محدودية التمويل، غياب التحفيز، وثقافة المقاومة للتغيير (Abasi & Esmaeeli, 2012). كما أن غياب قواعد بيانات دقيقة، أو الاعتماد على أساليب تقليدية في التقييم، يضعف فاعلية نظام الجودة، ويقلل من قدرته على التوجيه والتطوير.

أن تطبيق نماذج التميز المؤسسي مثل EFQM يواجه تحديات تتعلق بـ ضعف الالتزام القيادي طويل الأمد، إذ غالبًا ما تكون الجهود مرحلية أو مرتبطة بتوجهات إدارية مؤقتة، مما ينعكس سلبًا على استمرارية التحسين. كذلك يعاني التطبيق من قلة الموارد المالية والبشرية الكافية لتنفيذ عمليات التقييم الذاتي ومتابعة مؤشرات الأداء

تشير دراسة Syarifudin (2023) إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه تطبيق الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم المبكر هي ضعف التكامل بين الخطة الاستراتيجية وجودة التنفيذ، إذ غالبًا ما تُعد خطط استراتيجية دون متابعة فعالة لتطبيقها، ما يقلل من فاعلية الجهود المبذولة. كما تعاني المؤسسات من نقص الكوادر المؤهلة القادرة على تفعيل الخطط ضمن إطار الجودة، خاصة في المناطق الريفية أو الأقل تمويلًا.

أوضحت دراسة Menteşoğullari (2023) أن من التحديات الأساسية أيضًا وجود ثقافة تنظيمية تقليدية لا تشجع على المشاركة والتحسين المستمر، مما يصعّب تطبيق فلسفة TQM التي تعتمد على التعاون والانفتاح. كما أشار الباحث إلى أن ضعف نظم المعلومات وعدم توظيف البيانات في اتخاذ القرار الاستراتيجي يعيق قياس الأداء وتحسينه بشكل فعال.

ومن منظور شامل، أكد Rohmanto et al. (2023) أن غياب الرؤية المشتركة بين القادة والعاملين يمثل تحديًا جوهريًا، حيث يؤدي إلى ضعف الحافز للمشاركة في برامج الجودة. وأضافت الدراسة أن التوفيق بين الأهداف الأكاديمية والإدارية يُعد من العقبات التي يجب إدارتها بمرونة، خاصة عند تبني نماذج إدارة حديثة تعتمد على الكفاءة.

إن هذه التحديات تتطلب قيادة استراتيجية واعية، وتدريبًا مستمرًا، وتحسينًا في البنية التحتية التقنية والبشرية، إضافة إلى بناء ثقافة مؤسسية داعمة للجودة، كي تتحقق الأهداف المرجوة من تطبيق إدارة الجودة الشاملة

سادسًا: الرقابة والجودة في التعليم العالي

تُعد الرقابة من الركائز الأساسية لضمان جودة الأداء في مؤسسات التعليم العالي، إذ تمكّن القيادات من تتبّع تنفيذ السياسات الأكاديمية والإدارية، وتحديد الفجوات واتخاذ قرارات تصحيحية مبنية على أدلة. وقد أوضحت الدراسات أن التكامل بين أدوات الرقابة الإدارية ومبادئ إدارة الجودة الشاملة يساهم في تحقيق التحسين المستمر (Cotta-Schonberg, 1992).

وفقًا لما ذكره فإن الأداء المؤسسي لا يمكن تحسينه ما لم تكن هناك آليات واضحة للرقابة تقيس النتائج مقابل الأهداف والمعايير المعتمدة. وأشار إلى أن الرقابة القائمة على النتائج تمثل جوهر عملية تحسين الجودة، حيث تسمح بتحديد مدى تلبية المخرجات لتوقعات الطلبة وأصحاب المصلحة.

كما تؤكد دراسة Dennis & Dennis (2003) أن الرقابة الفعالة في برامج الدراسات العليا تُمكن المؤسسات من الاستجابة بشكل أسرع للتغيرات في بيئة التعليم العالي، من خلال استخدام آليات التغذية الراجعة Feedback Loops، ومراجعة الخطط الدراسية استنادًا إلى نتائج تقييم الأداء والتحصيل. وهذا ما طبّقته جامعة داكوتا ستيت في تطوير برنامج الماجستير في نظم المعلومات MSIS.

أما في السياق العربي، فقد أشار Syarifudin (2023) إلى أهمية الربط بين الرقابة الاستراتيجية والجودة في مؤسسات التعليم المبكر، مما يسري على التعليم العالي كذلك، إذ تعتمد الجودة الشاملة على وجود نظام رقابي يراقب التطبيق العملي للخطة الإستراتيجية، لا مجرد رسمها.

تتطلب جودة التعليم العالي نظام رقابي متكامل قائم على التقييم المستمر والرصد الفعال لعمليات التعليم والتعلم. يؤكد دويرتي (بدون تاريخ) أن ضمان الجودة في التعليم العالي لا يقتصر على التقييم الدوري فقط، بل يستوجب وجود آليات فعالة لجمع التغذية الراجعة من جميع أصحاب المصلحة لضمان المحافظة على مستويات التعليم. كما يضيف إير (2018) أن أنظمة التحسين المستمر ترتكز بشكل أساسي على جمع وتحليل البيانات، وهو ما يمثل قاعدة متينة لعملية الرقابة الفعالة وتحسين الأداء المؤسسي في الجامعات.

في ضوء ذلك، تصبح الرقابة عنصرًا استراتيجيًا في تحسين الجودة، وليست مجرد أداة متابعة. فالرقابة الفاعلة تضمن التحقق من الالتزام بالمعايير، وتحفّز التحسين المستمر، وتوفر قاعدة بيانات لاتخاذ قرارات استراتيجية، مما ينعكس على الأداء الأكاديمي والمؤسسي.

سابعًا: خطوات استراتيجية لتطبيق الجودة في التعليم

يتطلب تطبيق الجودة في المدارس والجامعات خطة واضحة تشمل:

يستوجب تطبيق الجودة في مؤسسات التعليم اتباع خطوات استراتيجية منهجية تضمن التفعيل العملي لمفاهيم الجودة الشاملة. ووفقًا لمجموعة من الدراسات التي تناولت العلاقة بين الإدارة الاستراتيجية والجودة، يمكن تحديد مجموعة من الخطوات الأساسية التي تسهم في تحقيق هذا الهدف.

  1. تحديد الرؤية والرسالة والقيم المؤسسية:

تشير دراسة Menteşoğulları (2023) إلى أن الخطوة الأولى في تطبيق الجودة هي صياغة رؤية واضحة ورسالة دقيقة تعكس أهداف المؤسسة التعليمية وطموحاتها، إلى جانب تحديد القيم التي ستحكم ممارساتها. هذه الخطوة توجّه الجهود وترسم الإطار العام لتخطيط الجودة.

  1. تحليل البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة:

كما أوضحت دراسة Abasi & Esmaeeli (2012)، فإن المؤسسات التي تعتمد الجودة تسعى لتحليل نقاط القوة والضعف داخليًا، والفرص والتهديدات خارجيًا، باستخدام أدوات مثل تحليل SWOT، ما يساعد في تحديد الفجوات ووضع خطة إستراتيجية واقعية وقابلة للتنفيذ.

  1. تحديد الأهداف الإستراتيجية ومؤشرات الأداء (KPIs):

من خلال دراسات Dennis & Dennis (2003) وSyarifudin (2023)، يتبيّن أن تحديد الأهداف المرحلية والمؤشرات الكمية لقياس الأداء الأكاديمي والإداري يُعد ضرورة لضمان التقدم في تطبيق الجودة، ولإجراء تقييم مستمر لمدى تحقق هذه الأهداف.

  1. تمكين الموارد البشرية وتدريبها:

تؤكد دراسة Al-Fatah PAUD (Syarifudin, 2023) على أهمية الاستثمار في المعلمين والإداريين من خلال برامج تدريبية تنمي ثقافة الجودة، وتُشركهم في اتخاذ القرار، مما يُعدّ شرطًا لإنجاح تطبيق إدارة الجودة الشاملة (TQM).

  1. تفعيل الرقابة المستمرة والتغذية الراجعة:

تعد الرقابة خطوة مركزية في ضمان الجودة كما أوضح Cotta-Schonberg (1992)، من خلال إنشاء آليات لتقييم الأداء وتحليل النتائج وتغذيتها مرة أخرى إلى صانعي القرار، بما يضمن التحسين المستمر.

  1. بناء ثقافة مؤسسية داعمة للجودة:

يبرز هذا العنصر في أكثر من مرجع، خاصة في دراسة Abasi & Esmaeeli (2012)، التي توضح أن تطبيق الجودة لا ينجح دون تبني ثقافة مؤسسية تؤمن بأهمية الجودة، وتعزز قيم العمل الجماعي، والشفافية، والمسؤولية الجماعية.

  1. التركيز على رضا المتعلمين وأصحاب العلاقة:

تشير معظم الدراسات إلى أن أحد أهم مؤشرات نجاح تطبيق الجودة هو تحقيق رضا الطلبة وأولياء الأمور وسوق العمل، وهو ما يتطلب استقصاء آرائهم بشكل دوري (Dennis & Dennis, 2003؛ Menteşoğulları, 2023).

ثامنًا: الجودة الشاملة في ظل الأزمات التعليمية:

تتزايد الحاجة لتطبيق إدارة الجودة الشاملة (TQM) في المؤسسات التعليمية خصوصًا في ظل الأزمات التي تمر بها بعض الدول، سواء كانت أزمات ناتجة عن النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية. فقد أكدت دراسة Menteşoğulları (2023) أن البيئات التعليمية باتت تواجه تغيرات متسارعة وضغوطًا متزايدة، ما يفرض على المؤسسات التعليمية تبني استراتيجيات مرنة ومبنية على الجودة لمواجهة هذه التحديات وتحقيق استمرارية التعليم.

كما أوضحت دراسة Syarifudin (2023) أن تطبيق الجودة في المؤسسات التعليمية خلال الأزمات يجب أن يرتكز على خطط استراتيجية تراعي واقع التحديات، وتُوظف الموارد المتاحة بكفاءة، مع تعزيز الابتكار في طرق التعليم والتقييم. وقد بيّن أن إدارة الجودة تساعد المؤسسات على التكيف بسرعة مع التغيرات، وتحسين أدائها رغم محدودية الإمكانات.

وفي السياق ذاته، تشير دراسة Abasi & Esmaeeli (2012) إلى أن أحد أعمدة التميز المؤسسي في الأوضاع الصعبة هو تفعيل نماذج الجودة مثل نموذج EFQM الذي يساعد في تقييم مستوى الاستجابة المؤسسية للأزمات وتعزيز ثقافة التحسين المستمر.

وتُظهر دراسة Dennis & Dennis (2003) أن من أهم أدوار الجودة أثناء الأزمات هو الحفاظ على فاعلية النظام التعليمي من خلال تحسين التواصل الداخلي، وضمان رضا الطلبة، والاستفادة من التغذية الراجعة لتطوير الأداء، وتوجيه الموارد نحو الأولويات.

ويبرز هنا دور القيادة التحويلية والإدارة الاستراتيجية كمداخل داعمة لتطبيق الجودة في حالات الطوارئ، وذلك من خلال بناء خطط استباقية، وتحفيز العاملين، وتقديم الدعم النفسي والتقني للطلبة والمعلمين، كما تم توضيحه في دراسة Syarifudin (2023).

تبرز قيمة TQM بوضوح في أوقات الأزمات، حيث تحتاج المؤسسات إلى مرونة، وسرعة استجابة، ونظم رقابة دقيقة. وقد أظهرت دراسة حديثة (2024) حول مهارات مديري المدارس في إدارة الأزمات أثناء زلزال تركيا، أن القادة الذين يمتلكون خلفية في مبادئ الجودة الشاملة استطاعوا توجيه فرقهم بسرعة وفعالية، مما حافظ على استمرارية التعليم وتقليل الفاقد التعليمي.

توصيات الدراسة

  1. تعزيز التدريب الإداري: يجب تنظيم برامج تدريبية مكثفة لقادة المدارس والعاملين في التعليم حول مفاهيم الجودة وأدواتها.
  2. دمج TQM في الخطط الاستراتيجية: على المؤسسات التعليمية تضمين مفاهيم الجودة ضمن رؤيتها وخططها الاستراتيجية، وليس كمشروع مؤقت.
  3. بناء ثقافة مؤسسية داعمة: يجب تبني ثقافة تقوم على التحفيز والمشاركة والشفافية لضمان نجاح تطبيق الجودة.
  4. تشجيع البحث العلمي: دعم الدراسات الميدانية التي تقيس أثر الجودة في تحسين مخرجات التعليم، خاصة في السياقات الهشّة.
  5. الاستفادة من النماذج الدولية: ضرورة الاطلاع على التجارب العالمية الناجحة وتكييفها مع السياق المحلي.
  6. تعزيز التكامل بين TQM والإدارة بالأزمات: خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاعات والكوارث، لضمان استمرار العملية التعليمية بجودة مناسبة.

خاتمة

يُعد تبني إدارة الجودة الشاملة في التعليم خطوة ضرورية وليست خيارًا ترفيًا. فمع التحديات المتصاعدة، يحتاج التعليم إلى أطر عمل تنظيمية مرنة وقابلة للتكيف، ترتكز على مبادئ استراتيجية واضحة، وتشارك فيها جميع مكونات المؤسسة. إن تطبيق TQM بشكل حقيقي لا يسهم فقط في تحسين الأداء الداخلي، بل يعزز من موقع المؤسسة في محيطها التربوي والمجتمعي، ويحقق رضا المستفيدين، ويضمن استدامة التعلّم وجودته.

قائمة المراجع:

 

  1. Abasi, M. R., & Esmaeeli, M. (2012). Organization Excellent and Self Assessment through Organization Excellence Model. Global Journal of Management and Business Research, 12(5). Retrieved.May,4,2025.From : http://creativecommons.org/licenses/by-nc/3.0/

 

  1. Cotta-Schonberg, M. (1995). Performance Measurement in the Context of Quality Management. U.S. Department of Education, Office of Educational Research and Improvement (ERIC). (ERIC Document Reproduction Service No.Retried.May,5,2025. https://files.eric.ed.gov/fulltext/ED405866.pdf.From:
  2. Dennis, T., & Dennis, L. (2003). Continuous Improvement in an MSIS Graduate Program. Information Systems Education Journal, 1(44). Retrieved.May,8,2025.From: http://isedj.org/1/44/
  3. Menteşoğulları, E. (2023). Total Quality Management in Education: A Strategic Approach for Continuous Improvement and Success. International Journal of Social Sciences (Uluslararası Sosyal Bilimler Dergisi), 7(29), 184–192.Retried.May,7,2025.From:. https://doi.org/10.52096/usbd.7.29.10
  4. Syarifudin, A. (2023). Realizing Total Quality Management through Strategic Management Implementation in School. Al-Tanzim: Jurnal Manajemen Pendidikan Islam, 7(4), 1177–1190.Retried.May,6,2025. From: https://doi.org/10.33650/al-tanzim.v7i4.6787

Khurniawan, A. W., Sailah, I., Muljono, P., Indriyanto, B., & Maarif, M. S. (2021). The improving of effectiveness school-based enterprise: A structural equation modeling in vocational school management. International Journal of Evaluation and Research in Education (IJERE), 10(1), 161–173.Retried ,May,1,2025.From:  https://doi.org/10.11591/ijere.v10i1.20953

Çobanoğlu, N., & Demir, S. (2022). Crisis management, agile leadership, and organizational culture in primary schools. International Journal of Education & Literacy Studies, 10(2), 92–104.Retried,May,4,2025.From: https://doi.org/10.7575/aiac.ijels.v.10n.2p.92

Mufidah, A. M., Yusuf, M., & Widyastono, H. (2025). The correlation between total quality management with teacher performance in special education. Journal of Education and Learning (EduLearn), 19(1), 416–421.Retried,May,3,2025.From: https://doi.org/10.11591/edulearn.v19i1.21198

Thapa, T. B. (2011). Total Quality Management in Education. Academic Voices: A Multidisciplinary Journal, 1(1), 80–87.Retried,May,3,2025.From: https://nepjol.info/index.php/AV/article/view/5314.

Iyer, V. G. (2018). Total Quality Management (TQM) or Continuous Improvement System (CIS) in education sector and its implementation framework towards sustainable international development. Advances in Computer Science Research, 80, 54–70. Atlantis Press.Retried,May,4,2025.From:  https://doi.org/10.2991/csece-18.2018.12
Rohmanto, A., Purwanto, H., & Ismail, N. M. (2023). Education quality development through education-based Total Quality Management (TQM) approach model: Conflict analysis and Islamic management development. Edumaspul – Journal of Education, 7(2), 5937–5944.Retried,May,9,2025.From:  https://ummaspul.e-journal.id/masp .

Doherty, G. (2012). Quality assurance in education. In M. Savsar (Ed.), Quality assurance and management . InTechRetried,May,3,2025.From: . https://www.intechopen.com/books/quality-assurance-and-management/quality-assurance-in-education

البحث في Google:





عن أ. وفاء المدهون

الجامعة الإسلامية – غزة كلية الدراسات العليا أصول التربية / إدارة تربوية

اترك تعليقاً

اكتشاف المزيد من تعليم جديد

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading