قيادة التغيير التربوي

قيادة التغيير التربوي

هناك نمطان للتغيير هما “التغيير التدريجي المخطط” وهو انتقال تدريجي (تغيير بطيء) من حالة إلى أخرى، والثاني “التغيير المخطط” الذي يتضمن التغيير المفاجئ في نمط التعليم والتطور الطبيعي للأحداث. كما أن هناك مصدرين للتغيير: داخلي وخارجي. ويعتبر التغيير الداخلي، سواء على المستوى الفردي أو المؤسستي، تغييرا طبيعيا كنمو الطفل حيث أنه يصبح واقعيا بطريقة غير ملحوظة. أما التغيير الخارجي فهو أصعب لكونه مفروضا من الوسط الخارجي على المؤسسة. كما ويحتاج تطبيق التغيير التربوي إلى التخطيط الاستراتيجي والتعليم الفردي والانتماء.

نظرية التغيير المتقدمة ACT

قدم النظرية العالم روبرت كوين عام 2000، واعتبرت تحولاً من النظرة التقليدية السطحية التي تضع اللوم دائماً على الإدارة التنفيذية، إلى النظر في الأعماق، حيث ترى النظرية أن التغيير يأتي من الداخل، فالتغيير الحقيقي يحتاج إلى تضحيات من دعاة التغيير أنفسهم، بالنفس والوقت والنفوذ، وأن على القيادات النظر إلى ذواتهم بحثاً عن أسباب الفشل.

فنظرية التغيير المتقدمة تعد متقدمة ومتداخلة إلى حد بعيد، ولا تعتبر تقليدية في المفهوم الذي انبثقت عنه. فالنظريات التقليدية بشكل عام مختلفة في طريقة التفكير والمفهوم عموماً ومثال ذلك “التغيير باستخدام الأفكار العقلانية، التغيير بالإكراه، التغيير من خلال المشاركة”.

والنظرية المتقدمة أكثر تعقيداً، وأقل وضوحا وممارسة تطبيقية من النظريات التقليدية، ولكنها تتجاوز المصالح الذاتية، ويتطلب تطبيقها تغييرات في طريقة التفكير والسلوك المعتاد. ومواجهة مخاوف النفس البشرية، والاعتراف بالأخطاء والفشل والتقصير ومحاسبة النفس كبداية للتغيير الداخلي، ولوم الذات والتضحية إذا تطلب الأمر، والاستعداد للمواجهة والشعور بالقدرة والشجاعة والإقدام نحو التغيير والتحسين.

ولا بد هنا من بناء رؤية نحو التغيير التربوي بناء على المصلحة العامة، والاهتمام بمصلحة الفريق وإنكار الذات، باعتبارها أهم دعامات نظرية التغيير المتقدمة، فالأفراد يميلون للتفاني لأجل هدف ما عندما يكون القائد شخصاً متسامحاً يؤثر مصلحة الجميع على مصالحه الذاتية. فصفات القائد المميزة غالباً تدفع  الآخرين نحو الموافقة على التغيير. وأصحاب نظرية التغيير المتقدمة غالباً ما يكنون احتراما للآخرين ولا يجبرونهم على التغيير، وهو أمر يتطلب تغييراً في عقلية قادة التغيير، والعمل جاهدين على تغيير طريقة تعاملهم مع التابعين، فالثقة هي الحكم لهذه العلاقة وليس الاتهام أو ما يسمى بنظرية X والسيطرة والرغبة في التحكم.

دراسة التغيير التربوي المخطط

يعتبر التغيير التربوي هاما لأنه يقود إلى بعض أشكال الإبداع على طبيعة القرارات المبادرة لها، والعوامل المؤثرة على التنفيذ والدرجة التي تتحقق عندها المدرسة، وهذه كلها تعتمد على ثقافة المدرسة.

مراحل رئيسية في دراسة التغيير التربوي المخطط:

  1. المرحلة الأولى: يعود تاريخها الى أواسط الستينات واهتمت بإصلاح المناهج وبإنجازات الطلبة، ولكنها فشلت في التأثير على التدريس بسبب عدم مشاركة المعلمين في عملية الإنتاج.
  2. المرحلة الثانية: كانت في السبعينات وهذه المرحلة فسرت فشل حركة إصلاح المناهج حيث أن المدرسين يحتاجون إلى التدريب أثناء الخدمة لكسب المعرفة والمهارات، ولكن التنفيذ لم يحدث تلقائيا بسبب الأمر التشريعي لأن التنفيذ يحتاج إلى التعلم الفردي والالتزام.
  3. المرحلة الثالثة: وتمتد من السبعينات وحتى الثمانينات وكانت فترة نجاح لأنها فسرت كيف كانت الدراسات الأولى تعبر عن فعالية المدرسة، وكانت تلك الفترة إبداعية في تحسين المدرسة لكنها ليست كافية لتحسين نوعية التعليم.
  4. المرحلة الرابعة: (التعامل مع التغيير) وهذه المرحلة تعتبر الأصعب حيث يتم الانتقال من حيز التفكير والدراسة إلى مرحلة التنفيذ والمشاركة في تطوير المدارس.

مقاومة التغيير:

عند إدخال فكرة جديدة فإن رد الفعل الشائع نحوها هو مقاومتها، وذلك لأن الفرد الذي يعتاد على طبيعة معينة في العمل، وإجراءات وتوقعات روتينية يكون فرداً مرتاحاً لما يقوم به، ولكيفية تقييمه على عمله،  بيد أن كل تغيير يدخل إلى العمل نشاطات وأساليب واستراتيجيات جديدة، وكل جديد ومجهول وغير مألوف يمكن أن يكون مرعباً، بالرغم من أن البعض ينظرون للتغيير على أنه مغامرة مثيرة تدعو للتحدي إلا أنه فعلياً أبعد من ذلك على القيادة.

إن القيادة التي تسعى للتغيير بمعزل عن العاملين والمستهدفين من التغيير، والقوى المشاركة به، سيواجهون بالمقاومة، ومن هنا لا بد من التأكد من ضمان تأييدهم ومساندتهم. فالمعظم يميل إلى مقاومة التغيير، سواء بالامتناع عن المشاركة به، أو مقاومته، وربما محاربته، مقاومة بعض العاملين للتغيير ومعارضتهم له بسبب ارتياحهم للمألوف، والخوف من المجهول أو الخوف من فقدان المصالح المكتسبة والمرتبطة بالوضع القائم، وربما سوء فهمهم للآثار المرتقبة والمترتبة على عملية للتغيير، وربما الاهتمامات الخاصة والنظرة الفردية، أو الافتقار إلى الثقة.

فالعاملين الذين يشعرون أن في التغيير خسارة لهم من أي نوع، أو يخافون من زيادة أعباء العمل، أو انخفاض أجورهم نتيجة التغيير، عادة ما يلجأون للمقاومة، وعلى قيادة التغيير العمل على تحديد المقاومين المحتملين والعمل على استقطابهم وتوجيههم، وإظهار أسباب التغيير لهم وفوائده المتوقعة والمرجوة، بل ومساعدتهم على تبني أدوار جديدة وتدريبهم عليها.

إن مقاومة التغيير هي أمر طبيعي لذلك هناك ضرورة العمل على إبلاغ الأفراد بالتغيير قبل حدوثه، ومشاركتهم في التخطيط والتنفيذ، إضافة لدعمهم وتشجيعهم لإزالة مخاوفهم وقلقهم إزاء التغيير، وقد أوصى هيرمان (Herman, 1994) باتباع إجراءات للتخفيف منها، كأن يكون القادة على دراية بمراحل المقاومة الفردية للتغيير وآلية التعامل معها، مع تقديم معلومات واضحة تفصيلية حول ما التغيير لتعزيز الشعور بالثقة لدى المقاومين، والاتصال والتواصل بهدف الترويج لفوائد التغيير، وعمل دعاية للنتائج الإيجابية له، مع إشعار المشاركين بالتغيير بالأمان وخاصة المترددين منهم، بالإضافة لتقديم الدعم الإداري كلما تطلب الأمر وبشكل مستمر، والاستمرار في تطوير خطط  طوارئ للتعامل مع مقاومي التغيير، والمشاركة الجماعية في صناعة واتخاذ القرار، كذلك التعزيز من خلال المكافآت والحوافز.

ولعل الأسباب الرئيسة في فشل العديد من محاولات التغيير لا تعود لمقاومة العاملين وحسب، وإن كان الفرد هو العنصر الأساسي في عملية التغيير، إلا أن هناك أسباب كثيرة مثل الإفراط في ممارسة الدور الإداري وغياب الدور القيادي والتحالفات بين القوى والأفراد، أو الرضا المبالغ فيه عن الوضع الحالي للمنظمة، مع الافتقار لرؤية واضحة أو ضعف القدرة على توصيلها، وربما عدم وصول التغيير إلى جذور ثقافة المؤسسة.
ويمكن إجمال المعوقات التي تقف وراء مقاومة التغيير إلى معوقات (تنظيمية، سلوكية، بيروقراطية، نفسية، اجتماعية، اقتصادية، تقنية).

ويمكن القول أن أبرز ملامح قيادة التغيير: القيادة بالغايات والأهداف وبالتمكين وبتفويض السلطة، وبالوضوح والبساطة، وبقوة الإلهام والتحفيز، والالتزام والرقابة والتوجيه، بالإضافة إلى التفكير المعمق الإبداعي.

 

 


المراجع:

العيسى، إيناس (2020) إدارة الإدارة: إدارة التغيير وإدارة الجودة الشاملة والإدارة الإلكترونية، عمان، الأردن، دار الشروق.

Herman, J.J. &Herman, J.L.(1994). Making change happen: practical planning for school leaders. London: Cowin

McGreoger, D. (1960), The Human Side of The Enterprise, New York: McGraw-Hill Co.

Quinn, R., Spreitzer, G. and Brown, M (2000), Changing Others Through Changing Ourselves: the Transformation of Human Systems, Journal of Management Inquiry, Vol.9 (2), 147-164.

 

 

 

البحث في Google:





عن د. إيناس عبّاد العيسى

بكالوريوس في الكيمياء والرياضيات والفيزياء، دبلوم عال في أساليب تدريس الرياضيات والعلوم. ماجستير في الإدارة من جامعة ليڤريول- بريطانيا، دبلوم عال في الإرشاد التربوي من الجامعة العبرية. ماجستير ثان في التربية من جامعة بيرزيت. دكتوراه في فلسفة التربية وقيادة المؤسسات التربوية. تعمل محاضرة في عدد من الجامعات والكليات والمؤسسات التربوية منها جامعة القدس المفتوحة، كلية المقاصد الجامعية، جامعة النجاح الوطنية، جامعة القدس، مركز إرشاد المعلمين، مركز إبداع المعلم وغيرها .. ناشطة مجتمعية، عضو مجلس أمناء وعضو هيئة إدارية في عدد من المؤسسات المحلية والدولية، سفيرة للعمل التطوعي في المنظمة الدولية للعمل التطوعي. لها عدد من المؤلفات في التربية وعلم الاجتماع والإدارة والقيادة. بالاضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات المنشورة بالعربية والإنجليزية ومنها مترجمة للفرنسية والعبرية في عدد من المجلات المحلية والعالمية. القدس. فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *