التعثر الدراسي

ما هو التعثر الدراسي ؟ أسبابه و علاجه ؟

 إن ظاهرة التعثر الدراسي ظاهرة قديمة قدم التعليم نفسه و قد ظلت محط اهتمام العديد من الباحثين، فمنهم من اعتبر التعثر الدراسي و الضعف العقلي أمرا واحدا، و منهم من ربط تعريف التعثر الدراسي بعامل الذكاء، كما أن التعثر الدراسي يختلط في أذهان الكثيرين بمفاهيم أخرى كالتسرب الدراسي و الهدر المدرسي. و من المعروف سلفا مدى أثر هـذه الظاهرة على مردودية التعليم و على مسيرة التنمية البشرية عموما حيث أن التعليم الناجح هو أساس كل تنمية بشرية مستدامة. كما لا يخفى على أحد الأثر الاقتصادي للظاهرة حيث أن الدولة تنفق على التلميذ المتخلف دراسيا أموالا طائلة؛ ففي المغرب مثلا، مازال كثير من الأطفال يغادرون المدرسة دون مؤهلات حيث غادر الدراسة الابتدائية حسب آخر الاحصائيات الرسمية ما مجموعه 216176 بينها ما يناهز 114674 من الإناث ، في حين وصل معدل الهدر المدرسي  5.6 % و بنسبة 6.8% من الإناث.  و تبقى ظاهرة التكرار التي تغذي صفوف المقطعين عن الدراسة، مصير قرابة كل تلميذ من أصل خمسة في المغرب.  ومن هذا المنطلق   يتبين أن علاج هذه الظاهرة يعتبر خطوة أساسية لكي يتمكن المجتمع من شق طريقه نحو التقدم المنشود. و يعتبر هذا البحث مساهمة بسيطة لفهم هذه الظاهرة و معرفة أسبابها كخطوة أساسية لتقديم حلول موضوعية لها، مستعينا في ذلك بالدراسات السابقة في الموضوع على المستوى الوطني و الدولي و بتجربتي في التدريس خصوصا و أن هذه الظاهرة أكثر استفحالا في الوسط القروي.

لدراسة ظاهرة التعثر الدراسي، سنتبع الخطة التالية:

1 –  نحو تعريف ظاهرة التعثر الدراسي.

  • 1-1  تعريف الضعف العقلي.
  • 2-1  تعريف التسرب الدراسي.
  • 3-1  تعريف ظاهرة التعثر الدراسي.

2 – دراسة ظــاهــرة التعثر الدراســي.

  • 1-2  أسباب الظاهرة.
  • 2-2  عـــــــلاجــــها.

 

1 –  نحو تعريف ظاهرة التعثر الدراسي.

   لتعريف ظاهرة التعثر الدراسي لابد من تعريف بعض الظواهر المرتبطة بها:

أ- مفهوم الضعف العقلي

يعتبر الضعف العقلي من بين أهم أسباب التعثر الدراسي و قد اختلف مفهوم الضعف العقلي باختلاف اتجاه الباحثين و باختلاف الزوايا التي نظروا منها لهذه الظاهرة؛ و فيما يلي نتطرق لأهم الاتجاهات المعروفة:

  • اتجاه نسبة الذكاء (1)

يحدد هذا الاتجاه الضعف العقلي في نسبة الذكاء التي تتراوح بين 0 و 90 درجة و تعتبر الاختبارات العـقـلية أهم وسيلة – حسب الاتجاه –  في تحديد و تشخيص الضعف العقلي.

  • اتجــاه الــنــمــو (2)

ضعيف العقل حسب هذا الاتجاه هو من توقف نموه العقلي في ســن الرشد ما بين ثمان سنوات و عشر سنوات كحد أقصى.

  • اتــجــاه الــتــكـيف (3)

يذهب هذا الاتجاه إلى أن ضعيف العقل هو الفرد غير القادر على التكيف مع البيئة التي يتفاعل معها باستمرار.

  • اتجــاه الـتـربـيـة (4)

حسب هذا الاتجاه فإن ضعاف العقول هم أولئك التلاميذ الذين لا يستجيبون بشكل أو بآخر استجابات صحيحة و إيجابية  للمنهج الدراسي القائم.

ب- مفهوم التسرب الدراسي

التسرب هو الانقطاع النهائي عن المدرسة لسبب من الأسباب قبل نهاية السنة الأخيرة من المرحلة التعليمية التي سجل فيها التلميذ، و إذا أخدنا بعين الاعتبار بنية التعليم في أغلب الدول العربية، فإن التسرب في المرحلة الابتدائية مثلا هو انقطاع التلميذ عن الدراسة قبل إتمام السنوات الست للتعليم الابتدائي.

و يختلف التسرب عن التعثر الدراسي في كون التلميذ المتسرب قد انقطع نهائيا عن الدراسة في حين أن المتعثر دراسيا مازال يتابع دراسته. و تكمن العلاقة بين التسرب و التعثر الدراسيين في كون الأول يأتي نتيجة للثاني.

المبيان التالي يوضح معدل إتمام مرحلة التعليم الإبتدائي في بعض البلدان العربية، حسب تقارير البنك الدولي:

 

ج- تعريف ظاهرة التعثر الدراسي

  • التعريف الأول

    يمكن تعريف التعثر الدراسي بأولئك التلاميذ الذين يكون تحصيلهم الدراسي أقل من مستوى أقرانهم أو يكون مستواهم الدراسي أقل من نسبة ذكائهم.

  • التعريف الثاني

    ينطلق هذا التعريف من كون التعثر الدراسي متعدد الأسباب، و أن المؤشر الذي يمكن أن يحدد لنا التعثر الدراسي هو التكرار و الرسوب (5) و يعتبر هذا التعريف من أبسط التعاريف للتعثر الدراسي.

  • التعريف الثالث

ينطلق هذا التعريف من كون المنهاج مكون من مجموعة من الأهداف و الكفايات و أن وظيفة المدرسة تكمن في مساعدة المتعلمين على بلوغ تلك الأهداف مع مراعاة استعداداتهم و قدراتهم. أما التلاميذ الذين يعجزون عن تحقيق تلك الأهداف المسطرة فإنهم يعتبرون متخلفين دراسيا.

 

2-   دراسة ظاهرة التعثر الدراسي

1-2 أسباب الظاهرة

  • أسـبـاب ذاتــيــة

و هي التي لها علاقة بالتلميذ نفسه، كضعف الذكاء أو ضعف الصحة الجسمية،  بما في ذلك قصر في الحواس أو التعرض لبعض الأمراض المؤقتة أو المزمنة إضافة إلى علاقة التعثر الدراسي بالصحة النفسية للتلميذ، و قد سبق أن تحدثنا عن الأسباب الذاتية في معرض حديثنا عن صعوبات التعلم.

  • عدم ملاءمة المناهج الدراسية

يتفق جل الفاعلين في الحقل التربوي من أساتذة و مؤطرين تربويين و مربين على أن المناهج الدراسية بشكلها الحالي لا تمت للواقع بصلة و لا تحترم الفروق الفردية بين المتعلمين و كذلك الفروق الاجتماعية و السوسيوثقافية كالاختلاف بين تلاميذ الوسط القروي و تلاميذ الوسط الحضري ، مما يكرس ظاهرة التعثر الدراسي و يزيد من حدتها. كما أن كثرة المواد الدراسية و عدم ملاءمة المدة الزمنية المخصصة لها مع حيز الإنجاز الواقعي يرغم المدرس على المرور على هذه المواد مرور الكرام حرصا على التنظيم الزمني، مما يضيع على المتعلمين فرصة التعلم، خصوصا منهم الذين يشكون من ضعف في التحصيل. وعند دراسة تقييم الأساتذة للمواد التي تعرف صعوبة في التعلم نجد إجماعا حول اللغات الأجنبية، حيث أن جل المستجوبين أجمعوا على النقاط التالية :

  • صعوبة النطق باللغة الأجنبية لاختلافها عن اللغة الأم.
  • ضعف الوقت المخصص للمادة و كثرة المواد الفرعية المكونة لها.
  • اتسام المادة بالتجريد مما يتناقض مع خصائص المرحلة العمرية لتلاميذ الابتدائي.
  • انعدام الوسائل الديداكتيكية الكفيلة بتدليل الصعوبات كالأشرطة السمعية البصرية و الصويرات المناسبة للمناهج الجديدة.

و يتضح جليا من هذه الدراسة و استطلاع الرأي أن المناهج الحالية قد كرست الظاهرة بدل معالجتها، حيث أصبح المدرسون تائهين بين مختلف البيداغوجيات، في غياب تكوين مستمر يواكب المستجدات، و يؤهل المدرس للاضطلاع بالدور المرسوم له.

  • عــلاقة التعثر الدراسي بالوسط

بينت الإحصائيات أن نسبة التعثر الدراسي في الوسط القروي أكبر منها في الوسط الحضري، كما تختلف هذه النسبة في الوسط الحضري نفسه، باعتبار المستوى السوسيوثقافي و السوسيواقتصادي حيث أن نسبة التكرار في الطبقات الميسورة و ذات المستوى الثقافي المرتفع نسبيا، أقل مما هي عليه في أوساط الطبقات الدنيا. وتبين هذه الدراسات العلاقة الوطيدة بين نسبة التكرار و المستوى الاقتصادي و الثقافي للأسرة.

و انطلاقا من نتائج استقصاء آراء المدرسين العاملين بالوسط القروي فقد لاحظنا أن ظاهرة التعثر الدراسي تكاد تكون لصيقة به، حيث نسب الأمية في صفوف الآباء و الأمهات مرتفعة، و يسجل غياب كبير للتتبع الأسري. ومن ناحية أخرى، سجلنا حين استجوابنا للتلاميذ حول أسباب عدم الاهتمام بالدراسة و بالواجبات المنزلية على الخصوص، ذكر بعضهم ممن يمتلكون الجرأة أسبابا عديدة أهمها ما يلي :

  • التساؤل حول جدوى الدراسة خصوصا لغياب أي مجال لاستحضار المكتسب، وتطبيق الكفايات المكتسبة في الفصل في الواقع المعيش للمتعلم .
  • استحضار تجربة أفراد العائلة و الأقارب الذين غادروا الدراسة مبكرا نظرا لفشلهم في مواصلة الدراسة لضعف المستوى، أو للالتحاق بسوق الشغل.
  • فقدان المدرسة لجاذبيتها و لدورها في نشر المعرفة أمام المنافسة القوية لوسائل الإعلام الوطنية و الدولية و التي يذهب بعضها إلى حد التهكم من المدرس في الأفلام أو الوصلات الاشهارية مما يزعزع مكانته لدى المتعلمين و يؤثر بالتالي في التحصيل الدراسي.
  • غياب أي مثال يقتدى به ممن أكملوا تعليمهم في الوسط ، علما أن الطفل يقتدي غالبا بأبيه في ما يخص المهنة التي يود مزاولتها.
  • غياب اهتمام الأسرة بالتحصيل الدراسي لأبنائهم، حيث أن عدد الآباء الذين يأتون إلى المدرسة للاستعلام حول مستوى أبنائهم يبقى جد محدود بل منعدما في بعض الأحيان، مما يطرح تساؤلات عريضة حول مدى اهتمام المتعلم بالدراسة في ظل غياب اهتمام و مسائلة الأسرة.
  • الأســبــاب الأســـريـــة ( دراسة ميدانية)

أغلب أولياء الأمور الذين شملتهم الدراسة أميون ولم يسبق لهم أن تلقوا تعليما من قبل، باستثناء دروس محو الأمية التي لم ترق بعد للمستوى الذي يؤهلهم لتتبع أبنائهم؛ وكما يقول المثل ففاقد الشيء لا يعطيه. كما أن 70%  من أفراد هذه الأسر الأكبر سنا من العينة المدروسة لا يلتحقون بالمستوى الثانوي الإعدادي حيث تنقطع الفتيات عن الدراسة لبعد الإعدادية (المرحلة المتوسطة) أو لانعدام الجدوى من متابعة الدراسة في نظر بعض الآباء، حيث أن تعلم القراءة و الكتابة كاف في نظرهم . أما بالنسبة للذكور فإن عدم القدرة على مواكبة المستوى الدراسي بالإعدادي و ضعف الحالة المادية للأسرة و الرغبة في ولوج سوق الشغل مبكرا تجاوبا مع المتغيرات السيكولوجية الأولى في شخصية المراهق، تبقى من أهم الأسباب التي تعرقل إتمامهم للدراسة الإعدادية. ينضاف إلى هذه الأسباب التي ذكرناها: انعدام التتبع الأسري حيث أن علاقته بالدراسة تنقطع بمجرد انتهاء الحصة الدراسية لتستأنف عند ولوجه للفصل الدراسي في الحصة الموالية؛ وترجع أسباب هذه الظاهرة المرضية إلى أمية الآباء و تساهل الأمهات مع الأبناء في ظل الغياب الطويل للآباء و الذي يدوم شهورا متعددة بحكم طبيعة عملهم .

  • علاقة التعثر الدراسي بنظام التقويم

إن النظام الحالي للتقويم يظلم التلميذ أكثر مما ينصفه و الحقيقة أن الامتحانات في أغلب أنظمة التعليم العربية تتخذ صيغة مباراة وليس  صيغة التقويم الحقيقي حيث يفرض عدد المقاعد المتوفرة بالمستوى المقبل تطبيق نظام الكوطا في تحديد عدد الناجحين وكذا في تحديد معدل النجاح الذي يكون في بعض الأحيان أقل من المتوسط. و أمام هذا الواقع الذي لا يخدم مصلحة المجتمع، يبقى التساؤل مشروعا حول مستقبل هذا المتعلم الذي التحق بالمستوى الأعلى في ظل هذه الشروط التي تغذي التعثر الدراسي.

  • علاقة الظاهرة بالمدرسين

أثبتت استطلاعات الرأي أن جل المدرسين لم يختاروا مهنة التدريس عن اقتناع و حب ممارسة، و إنما لكونها أقصر الطرق إلى التوظيف، و لعدم وجود خيارات أخرى. إن هذه الدراسة تجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول مستقبل مجتمع وضع أمانة تعليم و تربية أبنائه على عاتق أناس تقلدوا هذه المسؤولية هربا من شبح البطالة. و إذا أضفنا لهذا الخلل البنيوي في التوجيه حقيقة الظروف الصعبة للممارسة وانعدام الحوافز المادية و المعنوية و المكانة الاجتماعية للمدرسين التي ما فتئت تنحط يوما بعد يوم… تتضح لدينا الرؤية حول أسباب ظاهرة التعثر الدراسي و الهدر المدرسي التي وصلت لنسب مخيفة في الوطن العربي.

  • أسباب أخرى

إضافة إلى المعيقات السابقة التي تعاني منها مدارسنا، نذكر العوامل التالية :

  • ظاهرة الإكتضاض بالوسط الحضري، حيث يصل عدد التلاميذ ببعض الفصول إلى 50 تلميذا.
  • انتشار الأقسام المشتركة في الوسط القروي (المغرب مثلا) وما لهذه الظاهرة من أثر سلبي على تحصيل المتعلمين.
  • قلة الوسائل التعليمية وعدم ملاءمة المتوفر منها للمناهج الجديدة.
  • عدم مواكبة المدارس للتطور التكنولوجي المستمر للمحيط، وعدم استفادتها من التقنيات الحديثة في التدريس في غياب الربط بالكهرباء و الإنترنيت في الأوساط القروية، بل و حتى الحضرية أحيانا.
  • انعدام التكوين المستمر للمدرسين وتدبدب المدرسين بين مختلف الطرائق و البيداغوجيات.
  • عدم استقرار المدرسين بالعالم القروي  و بعد عملهم عن مقر سكناهم و قلة المواصلات مما يؤثر سلبا على مردوديتهم.
  • بعد المدرسة عن البيت بالنسبة للتلاميذ وعدم فعالية نظام الإطعام المدرسي.

 

2-2 عــــلاج الظـاهرة

إن التعثر الدراسي بالدول العربية ليس وليد الظروف الراهنة، بل هو في واقع الأمر نتاج لتراكمات تاريخية يكرسها الواقع الاجتماعي و التربوي الحاليان ، ذالك أن التطور التربوي في المجتمعات العربية رغم اعتماده على الجانب الكمي و شحن المتعلم بأكبر كم من المعارف فإنه كان يشق طريقه بخطى حثيثة و ثابتة حيث كان نظام المدرسة في القرن الثامن الهجري (6) من أولى هذه الخطوات الأصيلة.

إن تعميم التعليم حل كمي لا يحد من الظاهرة بل يساهم في استفحالها حيث أن تسريع وتيرة التعميم يؤدي إلى بناء مدارس لا تتوفر فيها أدنى شروط العمل و التحصيل. كما أن هذه المقاربة هي في الجوهر تهدف إلى محو الأمية وليس إلى بناء مجتمع المعرفة و التقدم.

و عندما نطرح قضية المجتمع العربي و بنيته، فإننا ننظر إليها من خلال النظريات الاجتماعية الغربية و الأجنبية، إذ أن التجربة بينت أن فلسفة التربية الصالحة هي التي تنبثق من المجتمع نفسه وليس من النظريات المستوردة. ففلسفة التربية نتاج فكري موضوعي يعبر عن واقع موضوعي معين و ليست سلعة تتداول في الأسواق الدولية .

 

  •  الـــعــلاج الــبــيــداغـــوجــي

1- التعليم الأولي

إن جل الدراسات المتقدمة حول ظاهرة التعثر الدراسي أثبتت أهمية التعليم الأولي (رياض الأطفال) الذي يتسم بالجودة في حل هذه المعضلة، و إذا كانت المدن تتمتع برياض الأطفال و المدارس الخصوصية التي تهتم بالطفل منذ سنواته الأولى، فإن البوادي تفتقر إلى هذا النوع من العناية.

يلتحق بالتعليم الأولي, الأطفال الذين يتراوح عمرهم بين أربع سنوات كاملة وست سنوات. وتهدف هذه الدراسة خلال عامين إلى تيسير التفتح البدني والعقلي والوجداني للطفل وتحقيق استقلاليته وتنشئته الاجتماعية وذلك من خلال (7) :

  • تيسير التفتح البدني و العقلي و الوجداني للطفل و تحقيق استقلاليته و تنشئته الاجتماعية و ذلك من خلال :
  • تنمية مهاراته الحسية و الحركية و المكانية و الزمانية و الرمزية و التخيلية و التعبيرية.
  • تعلم القيم الدينية و الخلقية و الوطنية الأساسية.
  • التمرن على الأنشطة العملية و الفنية(الرسم،التلوين،الإنشاد…).
  • الأنشطة التحضيرية للقراءة و الكتابة باللغة العربية.

2–   تعميم المدارس الجماعاتية بالوسط القروي.

إن الباحث في واقع التعليم الابتدائي بالقرى ، يصطدم بمشاكل مركبة تعرقل إلى حد كبير عملية التحصيل الدراسي، ذلك أن واقع الأقسام المشتركة و عدم استقرار المدرسين، إضافة إلى ظروف العمل الصعبة و انعدام التتبع الأسري للتلميذ، كلها عوامل تدفعنا للتفكير الجدي في إقامة مدارس جماعاتية لإيواء التلاميذ وكذا المدرسين في جو يوفر الشروط الضرورية لإنجاح العملية التعليمية-التعلمية. و لقد أثبتت التجربة التاريخية نجاعة هذا الحل، حيث لا يخفى على أحد عدد الأطر ذوي الوزن على المستوى الوطني و الدولي و التي كانت و ما تزال تتخرج من المدارس الداخلية.

3-    العناية بالعنصر البشري تكوينا و تحفيزا

لقد أثبتت التجربة الميدانية فشل نظام التدريس بمراكز تكوين المدرسين، حيث أن المناهج المعتمدة لا علاقة لها بالواقع، فنجد معظم المتخرجين يضطرون لترك ما تعلموه جانبا لفسح المجال أمام الارتجال الذي يفرضه واقع الحال في مدارسنا، خصوصا في الوسط القروي، حيث أن فلسفة التربية و طرائق التدريس و علم النفس التي تدرس بمراكز التكوين كلها نظريات مستوردة و غير مناسبة للواقع السوسيوثقافي العربي.

هذه الحقيقة تفرض علينا ضرورة إعادة النظر في نظام التكوين الأساسي، مناهجه، و مدته. كما ينبغي مأسسة التكوين المستمر ، لما له من دور فعال في تحسين الكفايات والرفع من مستواها, و كذا إعادة تأهيل المدرسين و تجديد معارفهم و طرق تدريسهم. و في هذا الصدد، ينبغي تنظيم دورات التكوين المستمر على أساس الأهداف الملائمة للمستجدات التعليمية والبيداغوجية، وفي ضوء الدراسة التحليلية لحاجات الفئات المستهدفة، وآراء الشركاء ومقترحاتهم بخصوص العملية التربوية من آباء وأولياء وذوي الخبرة في التربية والاقتصاد والاجتماع والثقافة.

4- مراجعة المناهج الدراسية.

لقد أثبتت الدراسات الميدانية نفور أغلب المتخلفين دراسيا من المناهج بشكلها الحالي، إضافة إلى الأخطاء التي تحتوي عليها بعضها وعدم احترامها للفروق الفردية بين  المتعلمين، كما أن مستواها لا يتناسب مع مستواهم خصوصا بالوسط القروي؛ زد على ذلك أن المدة الزمنية المخصصة لتدريس بعض المواد لا تتناسب مع الزمن الحقيقي الذي يفرضه الواقع، مما لا يتيح للمدرس التحقق من مدى اكتساب المعارف لدى جميع المتعلمين.

هذه العوامل و أخرى تفرض علينا مراجعة المناهج مع استحضار اختلاف خصوصيات الوسط القروي عن الوسط الحضري، كما يجب تقليص المحتوى و تجميع المواد المتقاربة في كتاب واحد لتخفيف العبء المادي على الآباء وتخفيف ثقل المحافظ المدرسية على التلميذ، علما أنه قد تبث علميا الآثار الصحية لهذه الظاهرة.

الحديث عن المناهج يحيلنا إلى الحديث عن طرق التدريس حيث نذكر بضرورة التكوين المستمر في المستجدات التربوية، هذا دون أن ننسى ضرورة توفير الوسائل التعليمية و الإيضاحية المتناسبة و المناهج الدراسية الجديدة و استغلال التكنولوجيا الحديثة في تسهيل التحصيل الدراسي.

 5- التركيز على أهمية الدعم التربوي      

لقد ركزت أغلب الأنظمة التعليمية في السنوات الأخيرة على أهمية الدعم التربوي باعتباره آلية مهمة في التصدي لظاهرة التأخر الدراسي و ظاهرة الهدر المدرسي عموما، وثم وضع إستراتيجية متكاملة للدعم، ففي المغرب مثلا، تم في السنوات الأخيرة تجريب آلية الدعم المدرسي خارج أوقات الدراسة بإيقاعات زمنية مستقلة و تم  إعطاء الأولوية لدعم الكفايات الأساسية كالقراءة و الكتابة باللغتين العربية و الفرنسية و الرياضيات. و لقد أتبث تقييم هذه التجربة مدى نجاعتها في تخطي العقبات و إبراز الفروق الفردية في التعلم.

 

خـــــاتــــمــــة

      إن المشاكل التي يتخبط فيها التعليم بالوطن العربي هي نتيجة حتمية للواقع السوسيو إقتصادي و للتوزيع الجغرافي للسكان، حيث أن انعدام التوازن بين النمو الاقتصادي و النمو الديموغرافي و انعدام مشروع مجتمعي متكامل تنخرط فيه جميع الأطراف المعنية من أسرة و مجتمع و سلطات وصية…. للخروج بمخطط واضح المعالم بغية إصلاح المنظومة التعليمية بالإضافة إلى ضعف الإرادة السياسية، كلها عوامل أدت بشكل أو بآخر إلى إفراز الواقع الحالي للتعليم بكل سلبياته.

  


 

  • (1) إبراهيم أسعد: علم الإضطرابات السلوكية.
  • (2) R Zazzo : Les débilités mentales P 286
  • (3)خليل ميخائيل معوض: القدرات العقلية   ص 274.
  • (4) فؤاد البهي السيد:  الذكاء    ص 419.
  • (5) خليل ميخائيل معوض  :  القدرات العقلية   ص 269
  • (6)  وداد القاضي     نبذة عن المدرسة المغربية حتى أواخر القرن التاسع عشر    ص 66
  • (7)   المملكة المغربية    الميثاق الوطني للتربية و التكوين.

 

المــــــراجــــــع

 

  التخلف الدراسي: دراسة نظرية و ميدانية في المدينة و البادية      عبد الكريم غريب .

   علم الاضطرابات السلوكية           ميخائيل إبراهيم أسعد .

–   القدرات العقلية            خليل ميخائيل معوض . 

–   الذكـــــاء                   فؤاد البهي السيد  .

–   نبذة عن المدرسة المغربية حتى أواخر القرن التاسع عشر         وداد القاضي  .

–   أضواء على مشكل التعليم بالمغرب           محمد علي الجابري .

–   الميثاق الوطني للتربية و التكوين            المملكة المغربية    .

–   تقرير المجلس الأعلى للتعليم                 المملكة المغربية    .

–   R Zazzo :  Les débilités mentales .

–   General.A.Huré     La planification du maroc .  

 

البحث في Google:





عن د. الحسين اوباري

مستشار في التوجيه التربوي، دكتوراه الدولة في القانون العام وعلم السياسة، مدون و مهتم بالعلوم القانونية وعلم السياسة وبالتقنيات الحديثة في التوجيه والاستشارة والتعليم، عضو الجمعية المغربية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي (AMCOPE)، عضو الجمعية الأمريكية للاستشارة (ACA)، عضو مؤسس و محرر بموقع "تعليم جديد"، أستاذ معتمد من مايكروسوفت (MCE) و حاصل على شهادة متخصص مايكروسوفت أوفيس (MOS)، و عدة شهادات في تكنولوجيا الإعلام والاتصال.

تعليق واحد

  1. hssine karim glaied

    ( في اصلاح منظومة التعليم ) الإخفاق المدرسي ….الخطر الداهم
    لقد اصبح تناول هذا الموضوع كثير التداول في العديد من الأوساط وفي مختلف المناسبات ، بالرغم من ذلك لا نكاد نعثر على طرح علمي ودقيق وصريح حوله اذ تطغى السطحية والغموض على اكثر الدراسات ، ان كانت ترتقي الى مستوى الدراسات ، ولعلّ طرحنا اياه غداة انطلاق : الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم التي تنطلق هذا الشهر( اكتوبر 2014)تزيد من تسليط الأضواء عليه .
    كما لم تمكنّا أغلب هذه المادة المقدمة من وضع ايدينا على الداء الحقيقي ، سواء كان ذلك عن قصد او عن غير قصد ، وبالتوازي تزداد تأثيراته السلبية استفحالا وخطورة ، ونلاحظ ذلك من خلال تواصل النتائج السلبية للتلاميذ وتدنّي المستوى المعرفي وارتفاع عدد الراسبين و المنقطعين ، كما تؤكّد بعض المؤشّرات الأخرى ذلك كتفشّي ظاهرة الغياب ، وضعف الدافعية لدى التلاميذ ، وتدهور العلاقات بين عناصر الأسرة التربوية وتفشّي العنف بأنواعه كنتيجة حتمية ، وتحتاج كلّ ظاهرة من هذه الظواهر الأنومية (المرضية) الى المتابعة والدرس .
    وفي الحقيقة لا يمكن البتّة ان نرجع الأسباب الى طرف محدّد دون الآخر لأن ارتفاع واستفحال ظاهرة الإخفاق المدرسي وارتفاع مستوياته لا يمكن ان نعالجه إلاّ من خلال عملية جماعية تحتاج الى عدّة عناصر فاعلة في المجال .
    هذا الأساس المنهجي الذي يجب الانطلاق منه والذي يعتبر الإصلاح التربوي شأنا مجتمعيا وليس شخصيّا أو ترفا فكريا ، بل يجمع شبكة من العلاقات والتفاعلات المتواصلة والمتطوّرة نحو هدف اصلاحي .
    طبعا اهمية هذا الموضوع وخطورته لا يمكن حلّ ألغازه في مثل هذا العرض المتواضع . لكن لنقف عند بعض الحالات التي يساهم الوسط العائلي فيها بنسبة هامة خاصة وانّ هذه الوضعيات كثيرة التردد في محيطنا ، ونعني تلك الفئة ، التي تعرف الإخفاق الدراسي بصفة مفاجئة خلال مرحلة من مراحل الدراسة حيث تكون بقية المراحل السابقة للإخفاق أو لنسمّيه ” التراجع الدراسي ” عادية او جيّدة ومتميّزة أحيانا .
    ان وضعية القلق والحيرة التي تلمّ بالأولياء حين يشعرون بهذا التغيّر الفجئيّ في حياة ابنائهم ، وفي نظرنا هو ليس بالفجئيّ بل هو يبدو كذلك بالنسبة للأولياء ، يجعلهم غير قادرين على تفهّم وضعية ابنائهم ويكتفون بتقييمهم من خلال أرقام ، أي بطاقة الأعداد والحاصل والنتائج ..
    وقد تكون تلك الوضعية سوى نتيجة لسيرورة كاملة تنطلق من الوسط الأوّل اي العائلة او من خارجه ، وهذا طبيعي لكون التلميذ خلال هذه الفترة يسعى لإيجاد مجالات جديدة خارج اطار الأسرة يبحث من خلالها عن اجوبة كثيرة لأسئلة جديدة ومتنامية تظهر في حياته من خلال تحوّلات متسارعة تلتقي مع بعض : فزيولوجية وذهنية وعاطفية وجدانية مترابطة مع بعض ومتجمّعة داخل هذا الكائن الرهيف fragile الشاب/التلميذ .
    كم يكتب لكل تلميذ من عمر دراسي بعد ان تسعد العائلة لدخوله الصف الأوّل وهو في سنّ السادسة حالمين آملين رؤيته شابا ناجحا وملقين كلّ الحمل على المدرسة ، وتشعر العائلة انّ مهمتها قد بدأت تنتهي لتبدأ مهمّة المدرّس ، وهو خطأ شائع لدى اغلبية الأولياء ، كم من هؤلاء الأطفال يقتحم عتبة المرحلة الثانوية او التعليم العالي ؟
    هل تكفي الأرقام الرسمية والإحصائيات للإجابة ؟ ام هل يجب البحث في اصل الأشياء لفهم الحالات التي يعجز الرقم على تفسيرها كاللذين تنهار نتائجهم بين سنة دراسية وأخرى أو بين ثلاثي وآخر ، أو فهم سلوكات التلميذ الذي يتغيّر سلوكه وتكثر غيابا ته وتزداد صداماته مع المربين والمدرّسين … بعد ان كان متوازن السلوك والنتائج .
    ألا يجدر بنا البحث في ما هو دراسي وما هو خارج الأسباب الدراسية ايضا لفهم ذلك ؟؟
    ألم يحن الوقت لننظر الى مشكلة الإخفاق المدرسي بعيون اكثر موضوعية ، وتواضع ، ودقّة علمية وان لا نخجل من انفسنا كأولياء ومربين ونحن نتعرّى لنبحث عن الجانب السلبي فينا ونعترف به لعلّه يكون المساهم ولو بنسبة ما في هذا الوضع (الإخفاق المدرسي ) أم سنبقى نتخفّى وراء احتمالات مفتعلة نفسّر بها بل نوهم بها انفسنا بكونها السبب في ذلك الوضع المتردّي لواقعنا التعليمي ؟
    هلاّ تساءلنا ، كأولياء ، عن الزمن الذي نقضّيه مع ابنائنا وبناتنا في حوار حول مشاغلهم او المشاغل المشتركة وعمّا يمكن ان يؤرقهم وعن علاقاتهم المدرسية وخارج المدرسة ؟؟
    هلاّ تساءلنا عن مستلزمات أبنائنا بعد توفير حاجاتهم الحيوية اللباس والرفاهة والتغذية المتكاملة هل هذا كلّ ما يحتاجه الشاب في هذه المرحلة العمرية التي تشتدّ خلالها رغبته في البحث عن من يصغي اليه وعن الصداقات وعن تنويع الصداقات ؟؟
    هل نجد الجواب لدى الأولياء الذين يتمنون نجاح أبنائهم وتحقيق طموحاتهم الذاتية من خلال ابنائهم دون مراعاة خصوصياتهم ؟
    أم هل نجده لدى المدرسين الحرصين على توفّر الحدّ الأدنى من الحظوظ بين كلّ التلاميذ وحقهم في تحصيل المعارف ولكنّهم يصطدمون بواقع يخلّ بكلّ هذه الأهداف من اكتظاظ الأقسام وتباين المستويات بين التلاميذ وكثافة البرامج وطول ساعة التعليم ؟
    ان الأسباب التي تجعل من الطفل يلقى صعوبات متواصلة خلال تلقيه المعرفة متعددة وتغذّي بعضها ، فان كانت الأرقام والوضعيات المتابعة تشير الى اهمية المحيط الأصلي العائلي ومساهمته في الإخفاق المدرسي ، فقد اتضح بعد العديد من الدراسات المخبرية والميدانية أنّ العديد من الأسباب البيداغوجية والتعليمية لسنوات الدراسة الأولى تحدّد وتساهم في ذلك الإخفاق هذا علاوة على نسق تعليمي لاحق لا يتناسب مع مستويات التلاميذ او اسباب اخرى قد لا يلقي عليها الأولياء الضوء وتتمثل في مدى الكفاءة المهنية لمدرستنا ومدرسينا او الظروف التي يمارسون فيها مهامهم ( ثقل البرامج ، الاكتظاظ ، التوقيت المدرسي ، الضوارب …)
    يكاد يتحوّل الانقطاع المدرسي الى قاعدة وليس استثناء في معاملاتنا المدرسية ، فعلاوة على الانقطاع التلقائي او الذي تحدّده التراتيب وشروط الارتقاء والرسوب يحتلّ النظام التأديبي وما يسمح به من امكانيات للطرد من الدراسة مجالا كبيرا ويكاد يتحوّل الى قاعدة وعرف ، بينما هو استثناء ، وبدل العمل على تجنّبه ، وبما انّه الطريقة الأقلّ جهد ، والأقلّ حوار والأقلّ عمق في معالجة الوضعيات فإنّ اللجوء اليه بات آليا للأسف .
    ان النظام التأديبي علاوة على ضعفه وعدم تلاؤمه مع المعطيات التربوية المستجدّة وتطوّرها فهو يُعتمده ويُلجأ اليه لا باعتباره استثناء وإجراء احتياطي أخير بل باعتباره القاعدة ، وهو ما يعتبر نوع من الهروب الى الأمام ، في رأينا ، خاصّة اذا تابعنا كون هذا الانقطاع عن الدراسة المستفحل يساهم في تفشّي الظاهرة التي تمثّل الغول الداهم على كلّ النظام التعليمي والمجتمع ونقصد : العنف فالانقطاع احدى اسبابه الرئيسية .
    انّ عدم احساسنا بالمرحلة التي نحن فيها وعدم تحديد انفسنا بدقة في المكان والزمان من حيث وضعنا التعليمي “التربوي” يجعلنا لا نبرح أماكننا ونلجأ الى تبرير الواقع والفعل الذي نأتيه ، ان كان هناك فعل ، وعندما لا نصل الى نتائج تظهر ردود فعلنا لتزيد الطين بلّة ونلجأ الى المواقف غير الصائبة ، فنعنّف ، ونقاطع ، ونعاقب ، ونتشفّي فتستعصي الأمور وتغيب الحلول .
    حسين كريم قلايد ( علم اجتماع )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *