التعليم في فنلندا

التعلم القائم على ريادة الأعمال في نظام التعليم الفنلندي

مقدمة:

يشهد العصر الحالي نموًا متسارعًا في مكانة ريادة الأعمال وسمعتها، وخاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM. فقد ذاع صِيت بعض مشاهير روّاد الأعمال مثل: ستيف جوبز Steven Jobs (مؤسس شركة أبل Apple) وأيلون ماسك Elon Musk (المدير التنفيذي لشركة تيسلا Tesla لصناعة السيارات) بعدما نجحوا في أسر المخيّلة الشعبية بشخصيّاتهم الرياديّة ومنتجاتهم وخدماتهم المبتكرة. ونتيجة لذلك، يطمح العديد من خِرّيجي اليوم إلى محاكاة نماذج الروّاد عبر تأسيس مشاريعهم الخاصة، فيما يسعى صنّاع القرار في العالم لتحويل اقتصاداتهم عن طريق استنساخ تجربة المراكز الريادية الناجحة، مثل: مشاريع وادي السليكون Silicon Valley (جرين وآخرون، 2019).

وبالتالي اكتسب مفهوم ريادة الأعمال في السنوات الأخيرة أهمية بارزة؛ نظرًا للدور الحيوي لريادة الأعمال في التنمية المستدامة، وكذلك لدوره في إشراك مختلف الفئات السكانية في الحِراك الاقتصادي، وخاصّة فئة الشباب، وإبراز الدور المتنامي لهذه الفئة في غالبيّة المجتمعات. (رسلان وعبدالكريم، 2011)

ويُنظَر إلى ريادة الأعمال على أنها عملية ديناميكية تقوم على تطوير أفكار ومشروعات حيوية تساعد على نمو المجتمع اقتصاديًا، وتتضمن استثمارًا مناسبًا للموارد البشرية الباحثة عن عمل للحد من البطالة، وتعتمد على الإبداع في ابتكار منتجات وخدمات جديدة تغطّي احتياجات المجتمع وتحرّك عجلة الاقتصاد والتنمية في أكثر من اتجاه (الحواجرة، 2018؛ وعلي، 2019).

ويشير عطا وآخرون (2018) إلى وجود ضرورة مُلِحّة لتعلّم ريادة الأعمال خاصة في ظل التنافس الاقتصادي العالمي ولسد احتياجات سوق العمل المتغيّرة والمستمرة؛ حيث بدأ تعلّم ريادة الأعمال عبر وضع فلسفة وسياسة تعليمية خاصة بهذا الجانب في مراحل التعليم المختلفة في الكثير من دول العالم من خلال إقرار العديد من البرامج التعليمية المختلفة وتطوير المقررات الدراسية والتدريبية، وفي هذا الشأن نجد أن فنلندا اهتمت بتعليم ريادة الأعمال وضمّنته في منهجها التعليمي الأساسي منذ المرحلة الابتدائية.

وتُعَد استراتيجية التعلم القائم على ريادة الأعمال إحدى استراتيجيات التعلّم الحديثة التي تمثل نمطًا من أنماط التعلم الذاتي أو التعلّم المتمركز حول المتعلم، حيث يستطيع الطالب الاعتماد على نفسه في عملية التعلم، فهي نظام يشتمل على كافة المواد التعليمية التي تساعد المتعلمين على تحقيق الأهداف التعليمية، وفق قدراتهم وإمكاناتهم بما يراعي الفروق الفردية بينهم، ولكن بالتركيز على بعض المهارات الريادية مثل: الابتكار، والعمل ضمن فريق، والمثابرة، والمخاطرة.

كما يقدّم التعلم القائم على ريادة الأعمال المحتوى التعليمي في سياق ذي معنى، مما يجعل خبرات الطالب التي مر بها متواصلة مع بعضها البعض وبشكل نشط، يكتشف فيه الطلبة مشكلات وتحديّات في العالم المحيط بهم، وفي نفس الوقت يكتسب الطلاب مهارات العمل في فرق؛ لأن هذا النوع من التعلم مليء بالمشاركة والتفاعل، ويمُد الطلبة بمعرفة أعمق بالمواد التي يدرسونها، حيث ترسخ المعرفة التي حصل عليها الطالب بالبحث والتجربة الواقعية، مقارنة بالمعلومة التي كان يحصل عليها بالطرق التقليدية القائمة على التلقين.

مفهوم ريادة الأعمال و التعلم القائم على ريادة الأعمال :

اشتق مصطلح ريادة الأعمال Entrepreneurship من الكلمة الفرنسية Entreprendre، وهي تشير إلى الشخص الذي يشرع في عمل مشروع تجاري (Immam & Anene, 2011). وقد تغيّرت الترجمة العربية لهذا المصطلح ثلاث مرات خلال العقود الأخيرة، فقد كانت بمعنى منظّم، ثم مقاول، ثم تحوّلت في التسعينيات إلى رائد (مراد، 2010).

ويوجد ثلاث مداخل رئيسية لتعريف مصطلح ريادة الأعمال، وهي (زيدان، 2006):

  • المدخل الاقتصادي: الذي يركّز على دور روّاد الأعمال في تحقيق التنمية الاقتصادية.
  • المدخل الاجتماعي/البيئي: الذي يركّز على تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية على روّاد الأعمال.
  • المدخل النفسي: الذي يتناول الخصائص والسمات الشخصيّة المميزة لروّاد الأعمال.

وعرّفها التميمي وآخرون (2009) بأنها: استثمار الفرد لما يتوفر من مهارات وقدرات تمكّنه من بدء مشاريع عمل خاصة، وإدارتها ومواصلة تطويرها.

ومن وجهة نظر بوكا (Pukka, 2012) تعرّف بأنها: الأفكار والمعتقدات والأفعال الموجّهة لتوليد نشاط اقتصادي جديد يظهر تدريجيًا باكتمال العملية.

بينما عرّفها حسين (2013) بأنها: القابلية لإيجاد شيء من لا شيء تقريبًا، وهي القدرة على المبادرة بتنفيذ عمل أو إنشاء مشروع جديد لم يسبق وجوده.

وعرّفها جرين وآخرون (2019) بأنه: منهج يمكّن الطلبة من ممارسة مهارات الابتكار والبحث والاستنباط واستغلال الفرص لإنتاج قيمة مضافة.

بينما تعرّفها وزارة التعليم والثقافة الفنلندية بأنها: رؤية الفرص واغتنامها، والقدرة على تحويلها إلى أعمال توفّر قيمة اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو مجتمعية. وهي سلوكيّات بالغة الأهمية يمكن تعلّمها لتغيير للنجاح في الحياة.

أما مصطلح التعلّم القائم على ريادة الأعمال فهو يشير إلى مجموعة من الأنشطة التعليمية التي توفّر فرصًا للطلبة ليكونوا مركز عملية التعلّم من خلال تصميم وتنفيذ وعرض مشاريع ريادية التي تستند إلى طبيعة ريادة الأعمال وتعزّز من مهارات تطبيقها مستقبلًا.

وتناولت العديد من الدراسات مفهوم الريادة من خلال الإبداع والابتكار واغتنام الفرص. فريادة الأعمال تحتاج إلى عقلية وسلوكيات وأساليب لاستكشاف واستثمار الفرص المتاحة من خلال الإبداع والإدارة والمخاطرة.

الفرق بين التعلم القائم على المشاريع و التعلم القائم على ريادة الأعمال :

إن التعلم القائم على المشاريع هو أسلوب مبني على النواتج الواقعية التي يحققها الطلبة عند العمل بمفردهم أو في مجموعات صغيرة لتصميم وبناء مشروع يعكس مدى تعلمهم وتوظيفهم للمعرفة التي قاموا بدراستها لحل مشكلة ما تنتهي بعرض ذلك المشروع وتقييمه من قبل المعلم أو الجمهور. بينما التعلم القائم على ريادة الأعمال فهو بُعد ومستوى آخر من التعلم القائم على المشاريع، حيث يقوم فيه الطلبة بتصميم وتنفيذ مشروع ابتكاري يتناول مشكلة واقعية يوظّف فيها الطلبة المعارف التي تعلموها لإيجاد حلول ابتكارية في بيئة تتسم بالغموض، وبالتركيز على مهارات ريادة الأعمال مثل الابتكار، والعمل ضمن فريق، وحل المشكلات، والمثابرة، والمخاطرة، والقيادة.

الفرق بين تعليم ريادة الأعمال والتعلّم القائم على ريادة الأعمال :

في تعليم ريادة الأعمال يتم تعليم وتدريب الطلبة على مجموعة من المعارف والأنشطة التي تهدف إلى إكسابهم ثقافة ريادة الأعمال والمهارات اللازم توفّرها في الشخص الريادي، ربما تُقَدّم على شكل مواضيع أو دروس في بعض المقررات مثل التربية المدنية والرياضيات، أو على شكل مقررات دراسية منفصلة (اختيارية أو إلزامية كما في مسار إدارة الأعمال). بينما في التعلّم القائم على ريادة الأعمال فيتم فيه التركيز على إكساب الطلبة (بشكل تطبيقي وعملي) مهارات ريادة الأعمال وذلك من خلال العمل على مشروع بدءً من عملية الاختيار إلى عملية التسويق وحساب القيمة المضافة لذلك المشروع.

مبادئ التعلّم القائم على ريادة الأعمال :

يعتمد التعلم القائم على ريادة الأعمال على نفس مبادئ التعلم القائم على المشاريع كما وضحها ستانلي (Stanley, 2012) على النحو التالي:

  • اختيار الطالب.
  • سؤال مفتوح النهاية.
  • مشكلة واقعية.
  • قلة الأنشطة المقترحة من قبل المعلم.
  • استقصاء بنّاء يقوده الطالب.
  • تقييم شامل وحقيقي.
  • إدارة وقت محدّدة من الطالب.
  • تعلم تعاوني.
  • فيه تحدّي للطالب.
  • استقلالية الطالب.
  • وجود منتج يمكن عرضه من قبل الطالب.

ويُضَاف إلى تلك المبادئ التالي:

  • استخدام الموارد المتوفرة في بيئة الطالب.
  • التعلم والعمل في بيئة غامضة.
  • ترتكز على مهارات الشخصية الريادية الناجحة.
  • يتم حساب القيمة المضافة للمنتج أو المشروع الابتكاري.
  • تسويق المنتج على شركات وجهات مختصة.

أهداف التعلّم القائم على ريادة الأعمال :

يهدف التعلّم القائم على ريادة الأعمال إلى إكساب الطلبة مجموعة من المهارات الحياتية المهمة يطلق عليها اسم الراءات الثلاثة 3R’s، وهي: الاستعداد، والمسؤولية، والارتباط.

1 – الاستعداد Readiness: هو المستوى الذي يكون عليه الطالب عندما يتم تكليفه بالقيام بمشروع ما. حيث يتيح التعلم القائم على ريادة الأعمال الطلبة بعمل منتجات حسب مستوياتهم المعرفية والمهارية وبالتالي يسمح بالتمايز.

2 – المسؤولية Responsibility: إن أفضل طريقة لإعداد شخص ما لوضع معيّن هي استخدام الشروط والظروف التي سيمر بها في ذلك الوضع. ويلقي التعلم القائم على ريادة الأعمال عبء مسؤولية التعلم على كواهل الطلبة، بينما ينحصر دور المعلم في توجيههم إذا ما واجهوا مشكلة، أو وضعهم على المسار الصحيح مرة أخرى إن تعثروا. ومن المسؤوليات التي تعطى للطلاب في التعلم القائم على ريادة الأعمال:

  • تحديد أولويات الواجبات والأدوار.
  • إدارة الوقت.
  • التعرف على جوانب القوّة في تعلمهم.
  • اختيار وتسويق المنتج.

3 – الارتباط Relevance: يوفر التعلم القائم على ريادة الأعمال ارتباط وصلة بالواقع الذي يعيشه أي طالب؛ ولذلك يشعر الطالب بمتعة التعلم وأهميتها؛ لأن الطرائق والأساليب المستخدمة في التعلم القائم على ريادة الأعمال مثل البحث والتواصل والتعاون جميعها مهارات حياتية يستخدمها الطالب حاضرًا أو مستقبلًا.

ويشير دليل التربويين الدوليين (2008) إلى أن أهداف التعلم القائم على المشاريع (المستمد منها التعلم القائم على ريادة الأعمال) تتمثل في:

  • مساعدة الطلبة على التمييز بين المعرفة والقيام بالعمل.
  • دعم الطلبة في التعلم وممارسة المهارات في حل المشكلات والتواصل وإدارة الذات.
  • تشجيع الطلبة على تطوير مستويات التفكير الذهنية المرتبطة بالتعلم وبالمسؤولية الوطنية والنجاح في المسار المهني.
  • دمج المقررات الدراسية وقضايا المجتمع.
  • سد احتياجات المتعلمين من ذوي المستويات المختلفة من المهارات وأساليب التعلم.
  • تقييم القدرة الأدائية على المضامين باستعمال معايير شبيهة بتلك التي نجدها في عالم العمل مشجّعين بذلك البيانات التفسيرية وتحديد الأهداف وتحسين القدرة الأدائية وبناء تواصل إيجابي وعلاقات تعاونية بين مجموعات مختلفة من الطلبة وسوق العمل.
  • إشراك وتحفيز الطلبة.

وبالتالي نجد أن الهدف الأسمى من التعلّم القائم على ريادة الأعمال هو إكساب الطلبة مهارات ريادة الأعمال، والأساليب المختلفة في تحليل بيئة العمل، ووضع خطط العمل، والتعرّف على السمات الرياديّة، واستثارة التوجّه نحو المخاطرة والتغيير وإقامة المشروعات الجديدة والمبتكرة.

 السمات والمهارات المطلوبة في رائد الأعمال الناجح:

1 – الابتكار: هو أساس الريادة، وهو المبادرة التي يبديها الفرد بقدرته على الخروج عن المألوف في التفكير، حيث يحصل التغيير من خلال العملية التي يصبح عندها الفرد حساسًا للمشكلات التي يواجهها، والتغيّرات التي تحدث في البيئة. ويبرز مفهوم الابتكار في اتجاهين: الاتجاه الأول يهتم بتطوير الفكرة وبلورتها (إبداع)، أما الاتجاه الثاني فيتعلّق بطريقة تنفيذ الفكرة وتحويلها إلى أشياء نافعة (الابتكار).

2 – تحمّل المخاطرة: هي تقبّل العمل في مراحل تتّسم بالغموض وعدم اليقين، وكلما زادت درجة الرغبة في النجاح تزداد النزعة نحو المخاطرة نتيجة لرغبة الرياديّ القوية في النجاح وتقديم منتجات وخدمات جديدة.

3 – الحاجة إلى الإنجاز: وهي من أهم دوافع الفرد لاختيار العمل الحُر كمِهنة. وتشير إلى تحمّل مسؤولية بلوغ الأهداف. فالرياديّ يختار الظروف التي توفّر له النجاح في عمله الذي يتّصف بالتحدّي والأهداف الصعبة ليحقق درجة عالية من الرضا.

4 – تحمّل الغموض: وهي القدرة على الاستجابة الإيجابية للمواقف الغامضة، فالريادي يتمتع بخصائص نفسية تُمكّنه من أن يكون شخصًا غير متأثّر بالفوضى وعدم اليقين.

5 – الثقة بالنفس: وهي سمة يستخدمها الريادي للبحث عن الفرص وإتمام المهام المتعلّقة بالعمل.

6 – الوعي بمرور الوقت: فالرياديّ شخص غير صبور، ويرغب في إنجاز الأعمال بسرعة كبيرة؛ ولذلك ينتهِز اللحظة من الوقت لكونها ذات معنى وقيمة لديه.

7 – البديهيّة: مهمة في اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية للرياديّ.

8 – تحمل المسؤولية: الرياديّ هو شخص عملي ويتحمّل قراراته وسلوكيّاته، ومن ثمّ فهو لا يلقي عِبءَ نجاحه أو فشله على الآخرين أو على الظروف البيئية الخارجية.

9 – الرغبة في الاستقلالية: أي عصاميِّ ولا يعتمد على الآخرين في بلوغ أهدافه.

10 – التضحية والإيثار: الرياديّ يتنازل عن إشباع حاجات معينة في سبيل بلوغ النجاح، والتقدّم في الأعمال لتحقيق النجاح المنشود وإن كان على حساب فرص أخرى.

خطوات التعلّم القائم على ريادة الأعمال :

يمكن تطبيق التعلّم المبني على ريادة الأعمال في أربع خطوات رئيسية:

1 – اختيار المشروع الريادي:

هي أهم مرحلة من مراحل المشروع الريادي، إذ يتوقف عليها مدى نجاح المشروع الريادي، وتبدأ هذه الخطوة بإثارة المعلّم موضوعًا للنقاش بين الطلبة حول قضية من واقع الحياة، وتطبيق عملية عصف ذهني للحلول المقترحة (وربما جلسة عصف ذهني لقائمة بالمشكلات الفرعية أو السبب الجذري لتلك المشكلة التي تواجه الفئة المستهدفة)؛ ولذلك يجب مراعاة الآتي عند اختيار المشروع الريادي:

  • أن يكون المشروع نابعًا من حاجات الفئة المستهدفة.
  • أن يكون مناسبًا لمستوى الطلبة.
  • أن يؤدي إلى خبرة وفيرة متعددة الجوانب.
  • أن يراعى عند اختيار المشاريع الفروق الفردية بين المتعلمين.
  • أن يراعى التنوّع في المشروعات المختارة.
  • أن تراعى ظروف الطلبة، والفئة المستهدفة، والموارد المتوفرة في البيئة المحيطة.

2 – تخطيط المشروع الريادي:

بعد اختيار المشروع الريادي يقوم الطلبة بإشراف المعلم وضع مخطط تنفيذه. ويراعى فيه ما يلي:

  • تحديد الأهداف الخاصة بالمشروع الريادي.
  • تحديد نوع النشاط الفردي والجماعي اللازم لتحقيق الأهداف.
  • تحديد الطرق والأساليب المتّبعة في تنفيذ النشاط.
  • تحديد المدى الزمني لتنفيذ المشروع الريادي.
  • تحديد مراحل تنفيذ المشروع الريادي ومتطلبات العمل في كل مرحلة.

3 – تنفيذ المشروع الريادي:

حيث يتم ترجمة الجانب النظري في ضوء خطة المشروع الريادي إلى واقع عملي محسوس، ويقوم أفراد الفريق بتنفيذ خطة العمل، وهي المرحلة التي تنتقل بها الخطة والمقترحات من عالم التفكير والتخيّل إلى حيّز الوجود، حيث يبدأ الطلبة بالحركة والعمل والتجريب والممارسة، ويقوم كل طالب بالمسؤولية المكلّف بها، ودور المعلم هنا تهيئة الظروف وتذليل الصعوبات، كما يقوم بعملية التوجيه والدعم التربوي، ويلاحظهم أثناء التنفيذ، ويشجعهم على العمل، ويجتمع معهم لمناقشة بعض الصعوبات، ويقوم بالتعديل في سير الموضوع إذا تطلب الأمر ذلك.

4 – تقويم المشروع الريادي:

التقويم عملية مستمرة مع سير المشروع الريادي منذ البداية وخلال مراحله التالية حتى نهاية المشروع الريادي، حيث يتم عرض المشروع الريادي وتقويمه في شكله النهائي من خلال المعلم أو الجمهور أو الشركات والجهات المعنية، ويشارك الطلبة أنفسهم في عملية التقويم الجماعي، من أجل أن يرى كل طالب نتاج جهده ضمن جهد المجموعة، وليحكم هو عليه أولًا، ثم يحكم المعلم والأقران، حيث يستعرض كل طالب ما قام به من عمل، والفوائد التي عادت عليه من هذا المشروع الريادي (معرفيًا ومهاريًا وماديًا). ويمكن بعد عملية التقويم الجماعي أن تُعاد خطوة من خطوات المشروع الريادي، أو إعادة المشروع الريادي كله بصورة أفضل، بحيث يعملون على تلافي الأخطاء السابقة.

تجربة فنلندا في تعليم ريادة الأعمال:

بدأت فنلندا في تعليم طلبة المدارس ريادة الأعمال منذ عام 1992م. وذلك من خلال إكسابهم مهارات ريادة الأعمال منذ المرحلة الابتدائية، حيث قام المجلس الوطني للتعليم بتشكيل لجنة مهمّتها وضع تصوّر عن ريادة الأعمال واقتراح نماذج تنموية مختلفة وتطبيقها، بناءً على الوضع القائم في ذلك الوقت. ونتيجة لذلك، اقترحت وزارة التعليم والثقافة إطارًا لإدراج ريادة الأعمال ضمن المناهج التعليمية في جميع المراحل الدراسية بدءً بالمدارس الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية.

وينصب التركيز في التعليم العام على خلق توجّه إيجابي وإكساب معارف الريادة ومهاراتها الأساسية، وتعلّم المنهج الريادي عبر مجموعة من المهام والأنشطة العملية. وفي عام 2016 ركّز منهج التعليم العام في فنلندا بشكل متزايد على ريادة الأعمال، حيث يتم تشجيع المدارس على التعاون مع الشركات المحليّة لتقديم مشاريع يمكن الطلبة من خلالها التعرّف على الوظائف ومنشآت الأعمال.

وبعد المرحلة الثانوية الدنيا (أي بعد تسع سنوات من الدراسة في التعليم الابتدائي والمتوسط) يختار الطلبة إما الالتحاق بالثانوية العليا (المسار الثانوي العام) أو التعليم الثانوي المهني، وكلا المسارين يستطيع فيها الطالب دراسة بعض المقررات الاختيارية الإضافية عن ريادة الأعمال.

وبالتالي، نجد أن ثقافة ريادة الأعمال في التعليم الفنلندي يمكن أن تُقَدّم بالطرق التالية:

  • تخصيص يوم أو أسبوع لتعليم ريادة الأعمال.
  • استخدام نماذج تعليمية متعددة التخصصات مثل STEAM وريادة الأعمال.
  • مقررات دراسية اختيارية.
  • العمل على مشاريع بالشراكة مع شركات في المنطقة. مثل برنامج “أنا ومدينتي” Me and My City.
  • دمج مهارات ريادة الأعمال في موضوعات المواد الدراسية. مثل: اللغة الفنلندية والتربية المدنية والرياضيات.

وتنظر فنلندا إلى تعليم ريادة الأعمال على أنها استراتيجية حديثة ومبتكرة في التعليم للأسباب التالية:

  • يتعلّم الطلبة بالعمل والتجربة والتطبيق والممارسة.
  • تتمركز عملية التعلّم فيها حول الطالب.
  • لها ارتباط بحياة الطالب الحقيقية.
  • تربط بين النظرية والتطبيق.
  • يمكن تعلّم واكتساب مهارات ريادة الأعمال.
  • تعمل على إعداد الجيل القادم على النحو الأمثل للنجاح في سوق العمل.

 


المراجع والمصادر:

  • التميمي، صلاح الزرو ومصطفى، أحمد والجمال، سوزان وحطيط، أحمد وعبدالعزيز، طارق والمصري، نظمي وحبيقة، رانية. (2009). مسرد قاموس مصطلحات مناهج التعليم والتدريب المهني والتقني، طباعة وتوزيع مكتب تنسيق المشروع الإقليمي التابع للأمانة العامة، إنتاج مشترك لفريق عمل من خمس دول عربية بدعم الحكومة الألمانية ومؤسسة التعاون الفني الألمانية (GTZ). سوريا. www.gtz.de
  • جرين، باتريشيا وبراش، كانديدا وإيزمان، إلين ونك، هيدي وبيركينز، سام. (2019). تعليم ريادة الأعمال: نظرة عالمية من الممارسة إلى السياسة حول العالم. كؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم، مؤسسة قطر.
  • حسين، ميسون علي. (2013). ريادة الأعمال، الريادة في منظمات الأعمال مع الإشارة لتجربة بعض الدول بحث نظري، مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية، 2(21)، العراق. 385 – 407.
  • الحواجرة، كامل محمد. (2018). الدور الوسيط لقدرات ذكاء الأعمال بين الريادة التنظيمية والنجاح الاستراتيجي في الجامعات الحكومية الأردنية. المجلة الأردنية في إدارة الأعمال، (14)3.
  • دليل التربويين الدوليين (2008). دليل التعلم المبني على المشروع (مسودة أولية).
  • رسلان، محمد وعبدالكريم، نصر. (2011). واقع ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة وسبل تعزيزها في الاقتصاد الفلسطيني. مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، 2(23)، 43 – 82.
  • زيدان، عمرو. (2006). ريادة الأعمال القوة الدافعة للإقتصاديات الوطنية. المجلة العربية للإدارة، 26(2). 167 – 171.
  • ستانلي، تود. (2013). التعلم القائم على المشروعات للطلاب الموهوبين: دليل لغرفة صف القرن الحادي والعشرين. (ترجمة: محمود محمد الوحيدي). الرياض، العبيكان للنشر.
  • عطا، محمود وأحمد، إيمان والسيد، خالد. (2018). آليات دعم ريادة الأعمال في التعليم الجامعي بالولايات المتحدة الأمريكية وإمكانية الإفادة منها في مصر. مجلة كلية التربية، جامعة بنها، 116(7)، 413 – 477.
  • علي، سي مر آزاد. (2019). ريادة الأعمال كمدخل لعملية التغيير الاقتصادي والمجتمعي. مجلة الحوار، سوريا، 73، 103 – 108.
  • مراد، زايد. (2010). الريادة والإبداع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الملتقى الدولي حول المقاولتية التكوين وفرص الأعمال بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، المنعقد في الجزائر، جامعة محمد خضير، بسكرة في الفترة من 6 – 8 أبريل. 1 – 15.

 

Immam, H. and Anene, J. (2011). Entrepreneurship Education Curriculum Content for Undergraduate Students in Nigeria Universities. Journal of Education and Practice, V(2), N(3). P 1-11.

Pukka, B.; Aminu, A.; and Rikwentishe, R. (2015). The Effects of Entrepreneurship Education on University Students’ Attitude and Entrepreneurial Intention. European Journal of Business and Management, V(7), N(20).P 149-157.

البحث في Google:





عن رائف بن حسن بودريس

أخصائي موهبة وابتكار في وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية، وماجستير في المناهج وطرق تدريس العلوم في جامعة الأمير عبدالرحمن بن فيصل. حاصل على جائزة الأداء المتميز فئة المعلم على مستوى تعليم المنطقة الشرقية. مبتعث إلى فنلندا في برنامج خبرات ومدرب عالمي في تصميم المناهج الإثرائية العلمية بمنهجية STEM/STEAM من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعة ميتشيغان. مؤلف كتاب كيف تصبح فائق التفكير وكتاب برنامج STEM ومساحة الابتكار

تعليق واحد

  1. البيان للاستشارات الأكاديمية

    مقال رائع ومفيد،، بارك الله في جهودكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *