ليلى والذئب

سلسلة حكايات كما يجب أن تروى، الحكاية الرابعة: ليلى والذئب

يدخل هذا الموضوع ” ليلى والذئب ” في إطار التعاون بين مدونة تعليم جديد والكاتبة ليلى جبارة، وهو الرابع من سلسلة “حكايات كما يجب أن تروى. تُنشر حصريا على صفحات الموقع. يمكنكم قراءة المقال التقديمي للسلسلة من هنا، و الحكاية الأولى من هنا، و الحكاية الثانية من هنا. والحكاية الثالثة: الجزء الأول من هنا، الجزء الثاني من هنا، والجزء الثالث من هنا.

كان يا ما كان في قديم الزمان، كانت هناك فتاة اسمها ليلى وهي طفلة لطيفة و مطيعة ومهذبة مثلها مثل صديقتها المحبوبة رغد التي تشاركها اللعب.
و كم كانت ليلى تحب الذهاب إلى منزل رغد لتلتقي بسندس وهي الأخت الكبرى لرغد، فتاة خلوقة وذكية. عادة ما تقرأ لهما حكايات جميلة وطريفة لتستمتعا بها وتستخرجا منها العبر، مثل عدم أخذ أشياء خاصة بالآخرين واجتناب الكذب إلى غير ذلك من التصرفات الجيدة.

ذات مرة، قصت سندس عليهما حكاية عن فضل زيارة الأقارب وصلة الأرحام، فأعجبت ليلى بالحكاية وتأثرت بها، وتذكرت جدتها الحبيبة التي حاكت ملابس كثيرة لها ومن بينها الرداء الأحمر الذي صارت تلقب به.

عادت ليلى إلى البيت وصورة جدتها لم تفارق مخيلتها  فطلبت من أمها أن تقوم بزيارتها. سرت الأم باقتراح ليلى وقالت :”فكرة رائعة يا صغيرتي فقد اشتقنا للجدة كثيرا، انتظري حتى المساء عندما يعود والدك بالسلامة بأمر الله نذهب معا “.
ردت ليلى :” هل يمكن أن أسبقكما يا أمي، فقد صرت كبيرة وبيت الجدة غير بعيد، أرجوك اسمحي لي بالذهاب حتى أمضي وقتا أطول معها.”

قالت الأم :”حسنا يا ابنتي، انتظري قليلا “.

أعدت الأم خبزا منزليا شهيا وسمكا مشويا من الذي تحبه الجدة وكذا عصير البرتقال، ثم وضعت الحاجيات داخل سلة صغيرة وغطتها بمنديل أزرق مطرز وأعطت السلة لليلى وأوصتها قائلة: ” هيا يا حبيبتي اذهبي الآن وكوني حذرة، إياك أن تكلمي أحدا من الغرباء، ولا تغيري الطريق، اذهبي مباشرة لبيت الجدة ولا تنسي أن تسلمي عليها، رافقتك السلامة يا ابنتي سنوافيك في المساء إن شاء الله  “.

وبالفعل استمعت ليلى لحديث والدتها بكل اهتمام وبدأت رحلتها  إلى بيت جدتها المتواجد في وسط الغابة المجاورة، وكلها فرح ونشاط. فالطريق محفوفة من جانبيها بالأشجار الوارفة الشاهقة التي تنسل أشعة الشمس من بين أغصانها المزينة بالأوراق الخضراء مثل شجرة الريحان، وهي من الأشجار دائمة الخضرة ذات رائحة عطريّة، زهورها بيضاء تتفتح في شهر أيار (مايو)، ويكتمل نموها ونضجها في فصل الخريف، وكذلك شجرة زهرة البهار المتميزة بلونها الأصفر، ورائحتها الزكيّة، و شجرة البنفسج  العطريّة أيضا بلونها الأبيض، أو الذي يميل إلى الحمرة حسب نوعه. ولا يمكن ذكر الغابة دون ذكر شجرة الصنوبر المخضرة طول فصول السنة والتي تحوي جذورها وسيقانها على مادة راتنجية زيتية تستعمل في الصناعة والطب، وهذا ما تؤكده جدة ليلى التي تستعين بالصنوبر لمكافحة السعال.

مشت ليلى بين الحشائش التي تزين الأرض المزركشة بمختلف ألوان الزهور البرية مثل شقائق النعمان الحمراء، والجرجير الزهري والأقحوان الأبيض، والبابونج المصفر وهي تستنشق العبير المنعش وتستمتع بتغريد العصافير تارة  وتسابق الفراشات تارة أخرى، فلم تشعر بالذئب الذي كان يرقبها من بعيد ويتسلل بين الأشجار ويرصد تحركاتها ويستمع لترانيمها الشجية ويقول في نفسه :”لا بد أن صاحبة هذا الصوت العذب الرقيق ستكون لذيذة ولحمها غض طري مثل صوتها .”
وقرر أخيرا أن يعترض سبيلها ويتحدث معها وجها لوجه.

خرج الذئب ونادى عليها: ” أيتها الصغير ة إلى أين تذهبين؟”

تذكرت ليلى قول أمها بعدم مخاطبة الغرباء، ولكنها في مأزق الآن والذئب يقطع طريقها وما من سبيل للخلاص منه إن لم تفكر جيدا، فقررت أن ترد عليه بذكاء وقالت : ” أهلا من أنت؟”

قال الذئب :” أنا صديقك الذئب المرح “.

وهنا تذكرت قصة الذئب والخراف السبع التي قصتها سندس، وعرفت أنه حيوان شرير ومخادع يحب أكل اللحم النيئ.

قالت ليلى :” بما أنك مرح فيمكننا اللعب معا، ما رأيك ؟”.

فرح الذئب كثيرا لأنه ظن أن اللعب معها سيسهل انقضاضه عليها.

فاقترحت ليلى:” هيا نلعب لعبة الغميضة ، أغمض عينك وعد على مهل من واحد إلى عشرة وأنا سأختبئ فتبحث عني بعد إنهاء العد وإن وجدتني تفوز وإن فشلت أفوز أنا .”

أغمض الذئب عينيه وبدأ بالعد :” واحد.اثنان ..ستة …خمسة …ثمانية ..و..و..” وأخذ يفكر :” ثم ماذا بعد ..ماذا بعد ..” وخمن طويلا ثم قال :”عشرة “.

لم يعرف الذئب ترتيب الأعداد لأنه في صغره كان تلميذا كسولا كثيرا ما يتغيب عن المدرسة بغير عذر وإذا حضر فإنه يمضي وقته في اللعب والمشاغبة ولا ينتبه لكلام المعلم، فلم يتعلم شيئا من الحساب أو القراءة  والكتابة.

وفي هذه الأثناء كانت ليلى قد وصلت إلى بيت الجدة لأنها ركضت بسرعة لتختبئ من الذئب.

طرقت ليلى الباب ففتحت لها الجدة وسرت برؤيتها وأخذتها بالأحضان وبدأت تسألها عن حال أبيها وأمها فقالت ليلى: ” سيأتيان في المساء لزيارتك إن شاء الله وقد أرسلت لك أمي هذه السلة معي.”

رفعت الجدة الغطاء فسرت كثيرا بما رأته وقبلت ليلى قائلة:” هيا يا حبيبتي اذهبي وأحضري بعض الفراولة لأعد لك فطيرة  كما تحبينها، هيا لا تتأخري سأقوم بتحضير العجينة.” فخرجت ليلى لتحضر بعض الفراولة من الغابة خلف بيت الجدة.

أما الذئب فأخذ يبحث عن ليلى في كل مكان حتى أنه من غبائه رفع الحجارة ظنا منه أن ليلى اختبأت تحتها ولكنه لم يجدها، ففكر وقال:”ليست هنا، أين اختفت هذه الصغيرة؟ ولكن لدي الحل، سأتتبع أثرها فحاسة الشم عندي قوية وهي كانت تحمل طعاما داخل السلة. ما زلت أشم رائحته وخاصة رائحة السمك المشوي القوية “.
أخذ الذئب يحث الخطى ويقتفي الأثر حتى وصل إلى بيت الجدة فطرق الباب.

قالت الجدة :”أدخلي يا ليلى، فقد تركت الباب مفتوحا. “

سعد الذئب بجواب الجدة، ففتح الباب وهجم عليها بسرعة وقام بتقييدها ووضعها داخل دولاب الملابس وارتدى ملابسها في انتظار عودة ليلى.

وبدأ يمني نفسه ويقول:” هكذا سأحصل على ثلاث وجبات، طعام السلة وليلى الصغيرة وسأترك الجدة للنهاية لا بد أن عظامها قاسية.”

رجعت ليلى ومعها بعض الفراولة وطرقت الباب فقال الذئب:” ادخلي يا ليلى تركت الباب مفتوحا “.

استغربت ليلى لتغير صوت جدتها فدخلت واقتربت منها وسألتها:” جدتي لماذا صوتك صار خشنا هكذا ؟”

رد الذئب:”لعله السعال الحاد تسبب بالتهاب حبالي الصوتية.”

قالت ليلى :”طهورا إن شاء الله يا جدتي.”

لاحظت ليلى أن عينا جدتها  كبيرتان فسألتها:”جدتي لمادا عيناك صارتا كبيرتين هكذا ؟”

أجاب الذئب:” لأراك جيدا يا صغيرتي.”

استغربت ليلى:” يا لضخامة أنفك يا جدتي !

طمأنها الذئب:” لأشم عطرك يا وردتي “.

استفسرت ليلى:” ولما أذناك طويلتان هكذا ؟”

أوضح الذئب:” لأسمعك جيدا يا نغمتي “.

وبينما كانت ليلى تلاحظ اختلاف شكل جدتها رأت الذيل يتدلى من تحت الثوب فأدركت أنه الذئب المحتال متنكرا بزي الجدة.

فقالت :” والآن يا جدتي أرجو أن تسرعي في تحضير فطيرة الفراولة لأن الصياد على وصول.”

قاطعها الذئب :” ماذا الصياد ..من الصياد لماذا أهو هنا؟..من أحضره ..؟..”

وأخذ يتلعثم في الكلام وبدت عليه علامات الارتباك واضحة.

فقالت ليلى:”لقد التقيته منذ قليل عندما كنت أجمع الفراولة وقال أنه يبحث عن الذئب فقد سمع أنه يحوم في الجوار فقرر اصطياده، وقد قال أنه سيمر لزيارتك والاطمئنان عليك وسي…..”

ولم تكمل ليلى كلامها حتى صاح الذئب مهرولا:” آه يا ويلي ! الصياد يبحث عني… “

ونزع ملابس الجدة مسرعا وولى هاربا.”

بحثت ليلى عن جدتها فوجدتها في الدولاب، ففكت قيدها بسرعة واحتضنتها، ففرحت الجدة بفطنة ليلى وقالت :”سمعتك يا صغيرتي، كيف فكرت في هذه الحيلة.”

ردت ليلى:” لم تكن حيلة ففي الصدق منجاة يا جدتي، وفعلا التقيت بالصياد ولما أخبرني أنه يبحث عن الذئب أعلمته بأني صادفته في الطريق، وقد حذرني من أن يكون قد تبعني لأنه محتال مخادع، لكني ظننت أنني قد ضللته وهربت منه،  ولما رأيت ذيل الذئب تأكدت أنه ينوي شرا فقررت أن أخيفه لأني أعلم أنه يرتعد خوفا من الصياد.”

قالت الجدة فزعة:” لماذا لم تخبريني أنك رأيت الذئب ؟”

أجابت ليلى:” لم أرد أن أقلقك وأنا أعلم أن ضغطك مرتفع كما ظننت أنه لن يتبعني.”

قالت الجدة:”لا بأس يا صغيرتي، سأستريح قليلا فقد كاد يغمى علي في الدولاب، وبعدها سنكمل تحضير الفطيرة معا.”

وقبيل غروب الشمس، جاء الصياد إلى بيت الجدة فقصت عليه ليلى ما جرى وعبرت له الجدة عن شكرها لقدومه، وتناول الشاي معهما ثم رحل بعدما حذر ليلى من عبور الغابة لوحدها.

سمعت الجدة وحفيدتها طرقا على الباب فسألت ليلى:” من الطارق ؟”

رد والدها: ” افتحي يا عزيزتي “.

سرت ليلى عند رؤية والديها، وروت لهما الجدة ما حدث، فقال لها والد ليلى:”هيا يا أمي لا يمكنك البقاء هنا وحيدة، فكم من مرة ترجيناك للذهاب معنا ورفضت. كما لا يمكننا البقاء معك هنا، فالبيت صغير ولا يتسع لنا جميعا.”

قالت الجدة: “ولكني اعتدت على المكان ولا يمكنني ترك بيتي “.

قالت أم ليلى: ” مهلا يا أماه هيا معنا  فالبيت ليس بعيد، وسنأتي كل عطلة أسبوعية لقضاء اليوم هنا. وهكذا تكونين في سلام وأمان ونطمئن عليك.”

قالت ليلى: ” أنا أحبك يا جدتي وأشتاق إليك دوما.. أرجوك تعالي معنا “.

لما رأت الجدة الدموع المنهمرة من عيون ليلى وافقت على الذهاب معهم شرط أن تأتي إلى منزلها كلما حنت إليه.

سعد الجميع بهذا القرار وجمعت الجدة حاجياتها ورحلوا.

في الغد ذهبت ليلى لزيارة صديقتها رغد ونادت على أختها سندس وقالت لهما: “انتبها جيدا، فقصة اليوم سأحكيها أنا وهي بعنوان ذات الرداء الأحمر والذئب “.

وبدأت ليلى تسرد تفاصيل حكايتها المشوقة والتي صار يتداولها كل أطفال العالم جيلا بعد آخر إلى أن وصلت إلى مسامعنا اليوم كما يجب أن تروى.

البحث في Google:





عن ليلى جبارة

متحصلة على شهادة ليسانس في علوم الإعلام والاتصال، تخصص اتصال وعلاقات عامة، جامعة الجزائر 2005. باحثة في شؤون الأسرة والطفولة. مشرفة على القسم الاجتماعي في جريدة البيان سابقا، وصحفية في أسبوعية الشروق العربي سابقا، وكاتبة صحفية في جريدة البصائر سابقا. كاتبة صحفية في موقع زاد دي زاد بوابة الصحافة الجزائرية.

3 تعليقات

  1. أماني محمد عتيلي

    جميل.. ابدعت أستاذة!

  2. ليلى جبارة

    السلام عليكم ورحمة الله
    بوركتم على التواصل الطيب،بصدق لم اكن اتوقع ان تنال الحكايات كل هذا الاهتمام والاعجاب خاصة مع تراجع مستوى الكتابة والعناية بادب الاطفال .
    تخياتي .

  3. اسلوب جميل أن ومميز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *