التقنية في التعليم

بحث المعلم و التعليم عن بعد

يعتبر المعلم أحد ركائز بناء النظام التعليمي، فهو يبني العقول ويصقل الشخصيات وينمي المعارف ويطور المواهب والمهارات، وأثناء تعليمه يواجه العديد من المشكلات التي قد تخفض مستوى التعليم، وخصوصا التعليم عن بعد في الوقت الراهن بسبب تفشي جائحة كورونا، ولاشك أنّ المعلم هو أول من يشعر بذلك داخل صفه وعند تعليمه لطلابه، لذا يتميز المعلم الباحث بأنه يسعى للتغلب على المشكلات وينتج المعرفة من خلال معارفه السابقة واكتسابه لمعارف جديده من مصادر علمية وبواسطة وسائل مدروسة، ويتقصى تأثير ممارساته الفعلية على تعليم وتعلم الطلاب، فبحثه الإجرائي يكسبه الثقة بنفسه، ويطلق أفكاره وإبداعاته، ويرتقي بمهارات تفكيره العليا، ويسمو بطموحه وتطلعاته (الغفيلي ، 2019). وينشأ جيل منتج للمعرفة ومنافس محليا وعالمياً.

يهدف هذا المقال إلى الإشارة إلى البحث الإجرائي كمفهوم للتنمية المهنية للمعلم لمواكبة للتعليم عن بعد وأهميته، ويتطرق لبعض مجالات البحث الإجرائي التي تتناسب مع متطلبات التعليم عن بعد.

البحث الإجرائي : دراسة ميدانية منظمة تطبق فيها خطوات البحث العلمي بغرض تقصي مشكلات الممارسات الفعلية في مجالات البيئة ( التربوية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية …الخ) لإيجاد حلول مباشرة أو حلول تؤدي إلى تطوير تلك الممارسات للأفضل (الحسيني و آخرون، 2018). وظهر مسمى المعلم الباحث في الولايات المتحدة الأمريكية من عشرين عاما لتجويد التدريس، ثم لحقت بها الدول الأوربية، وانتقل التعليم إلى مرحلة التجديد والابتكار عام 2009م لتواكب تطلعات المجتمع المعرفي ويحفز التطوير المهني والبحث العلمي، ويضع قاعدة أساسها باحث المستقبل في الجيل الجديد؛ لذا تعد بحوث المعلمين الإجرائية وسيلة يصل بها المعلم إلى التنمية المهنية، ونوع من أنواع البحوث التربوية التطبيقية التي قد تساهم في تطوير التعليم عن بعد (الدوسري ، 2018).

ذكرت دراسة (الحسيني و و أخرون، 2018) أن بحث المعلم نوع من أنواع التنمية المهنية المستدامة وممارسة تأملية يقوم بها معتمدا على منهج البحث المنظم وما يشاهده في الصف، وتضمنت دراسته العديد من الدراسات التي تؤكد على ضرورة إجراء المعلمين للبحوث؛ فهي وسيلة يصل بها المعلم إلى التنمية المهنية، ويطرح التساؤل البحثي ليبدا بالتعلم الذاتي وتطبيقه عملياً لإيجاد حلول للمشكلات التي يمر بها في المواقف التعليمية، كما تشير نفس الدراسة إلى استفادة المعلمين من إجرائهم للبحوث، وتحث على ضرورة تشجيع المعلمين على إجراء  البحوث في مدارسهم، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تنمية مهارات البحث العلمي، وتصميم وابتكار وسائل تعليمية وأنشطة تعلمية تستخدم عند تنفيذ الدروس، وتنظيم برامج أو ورش عمل لتبادل المعلومات ونقل الخبرات وتغيير الاتجاهات والممارسات، وتشارك نتائج البحوث مع الآخرين قد تساهم في حل ومعالجة مشكلات صفية أو لاصفية وتحقق تعلم ذا مستوى أفضل للطلاب، وتسهيل إجراءات العمل والإبداع والتطوير في الجانب التعليمي والاداري للمدرسة.

و يقوم المعلم الباحث بسد الفجوة بين النظرية والتطبيق في البحوث التربوية بتطبيقه للبحث الإجرائي وينتج عنه نوعان من المخرجات: المخرج الأول يتعلق بالجانب المعرفي والوجداني للمعلم الباحث، حيث أثبتت الدراسات استفادته من هذا الجانب وتغيير مواقفه واتجاهاته ووجهة نظره للعملية التعليم، وأصبحت لديه دافعية للعمل ورغبة في التعلم المستمر؛ لتساعده على فهم طلابه وحل المشكلات التي تواجههم، والمخرج الثاني يتعلق بالتغييرات التي يُحدثها المعلم  في أداءه وممارساته وإجراء ات عمله وتكون ذات صله بتعليم الطلاب(الحسيني و و أخرون، 2018).

و من حيث مجالات البحث الإجرائي للمعلم لتطوير المهني و مواكبة التعليم عن بعد، فإن البحث الإجرائي يقوم على تقصي الممارسات الفعلية وينطلق من مجالات عدة لإيجاد حلول لمشكلات يعاني منها الميدان التربوي، وتزداد الحاجة أكثر لإجراء المعلم للبحث بغرض تطوير عملية التعليم عن بعد والمستخدمة حاليا لإزالة العوائق التي يتعرض لها المعلم عند تدريسه لهذا النمط التعليمي (الدوسري ، 2018)، فاستخدام المعلم  للبحث وإجراء دراسة عن فاعليه منصة التعليم عن بعد: منصة مدرستي، وقنوات عين، وتطبيق التيميز، ورسائل البريد الالكتروني الرسمي، لاتصال المعلم مع طلابه وغيرها تمكنه من تحقيق المخرجات من خلال دراسة الممارسات الصفية واللاصفية. فالممارسات الصفية ذات علاقة بالتغييرات والإجراء ات وتقصي تأثير الأساليب والأدوات الحديثة للتعليم عن بعد؛ فالمعلم يسعى لتطبيق استراتيجيات تعليم وأنشطة تعلم فعالة، ويقوم بتخطيط الدروس، ويستحدث إجراء ات لإدارة الصف الافتراضي، ونماذج لتقويمها وتقويم الطلاب، ويحلل نتائج مخرجات التعلم ويفسرها بما يتوافق مع التعليم عن بعد، بينما الممارسات اللاصفية لها علاقة بتغيير مواقف ووجهة نظر واتجاهات المعلم لتتوافق مع عمليه التعليم عن بعد وأهدافه، وتساعده على فهم طلابه ويحفزهم للتجاوب مع البرامج والأنشطة اللاصفية، فبحث المعلم يحدد البرامج والأنشطة بما يتوافق مع رغبات وقدرات وثقافته وميول الطلاب  (أبو علي و الطراونة ، 2020). وبالتالي تكون لديه القدرة على: النقد وتأمل الممارسات، تطوير المهارات والكفايات، توظيف المعلومات لحل المشكلات، تقديم مقترحات لتطوير التعليم عن بعد.

يتصل بحث المعلم الإجرائي بالأعمال والممارسة اليومية لعملية تعليمه عن بعد، ومن خلال تأمله لتلك الممارسات وتجريبية للأفكار الإبداعية أو تطبيقها يمنح نفسه فرصة التقصي والتواصل والاتصال بزملائه وإدارة المدرسة والباحثين التربويين أصحاب العلاقة والخبرة؛ وبالتالي يمكنه من اتخاذ قرارات صحيحة لتطوير نفسه وتنميه مهاراته (أبو علي و الطراونة ، 2020)؛ إن تطوير مسار تكنولوجيا التعليم عن بعد يحدث قفزات مهمة في مؤسسات التعليم وتشمل: البرمجيات التعليمية، الاتصال غير المباشر، التفاعل مع مواقع انترنت التعليم والتعلم (الكتابة، الصوت، رسوم الفيديو الثابتة والمتحركة)، تعلم تفاعلي لمؤتمرات وندوات، تعلم جماعي لاجتماع أو تدريب، تطوير آلة تعلم ذكية- الذكاء الاصطناعي– نظم الكترونية لمحاكاة المعلم البشري (الدليمي، 2020). فالنظرة التربوية الحديثة التي يراها الكثير من التربويين في قطاع التعليم أن البحوث الإجرائية سببٌ لتحسين وتطوير التعليم، ومن أهم واجبات المعلم كونه الأقرب للواقع التعليمي ويفترض أن يكون الأقدر على حل المشكلات وتجاوز الصعوبات ويشارك في صناعة المعرفة والاستفادة منها ليكون منتجاً لهذه المعرفة لا مستهلكا لها (أبو علي و الطراونة ، 2020).

وفي مقال علمي بعنوان: دواعي ومتطلبات التعليم عن بعد في ضوء تجديد فلسفة التعليم ذكرت الدليمي (2020) عدة متطلبات للتعليم عن بعد، ويربط هذا المقال تلك المتطلبات مع أربع مجالات للبحوث الإجرائية لتنميه نفسه بما يتوافق مع التعليم عن بعد (الدوسري ، 2018).

المجال الأول يتمثل في المشكلات التعليمية والتربوية للمناهج والتحصيل الدراسي وعلاقته بمتطلب عرض المحتوى الرقمي ورفعه على منصات التعليم، واختيار الوسائل والأدوات الالكترونية المناسبة، والاستراتيجيات الفعالة، وتنفيذ الأنشطة التعلمية الرقمية، ودمج التقنية بالتعليم حيث يبقى أثره ويظهر تأثيره على فهم الطلاب للدروس والتطبيقات العملية الرقمية والتي تنمي مهاراتهم التكنولوجية بشكل واضح (حسن ، 2020)، والمجال الثاني يتمثل في المشكلات النفسية لمشاعر وسلوكيات الطلاب، وعلاقته بمتطلب تقويم المعلم لتوفر مهارات تكنولوجية للطلاب تتوافق مع الفروق الفردية ورغباتهم وميولهم وأعمارهم، وتؤثر على دافعيتهم للتعليم عن بعد أو تزيد من الأعباء وتنعكس في سلوكياتهم مثل: الخجل، الانطواء، القلق، التنمر والعدوانية وغيرها (الدليمي، 2020)، والمجال الثالث يتمثل في المشكلات الاجتماعية للبيئة الاجتماعية المحيطة بالتعليم عن بعد وعلاقته بمتطلب إلمام المعلم وتوعيه طلابه بالمجتمع التفاعلي الافتراضي المحلي أو العالمي، وتفعيل مواقع وتطبيقات التواصل ومجموعات التعلم لتوفير بيئة تعليمة فاعلة وتقصي علاقة الطلاب مع بعضهم، وعلاقة الطلاب بالمعلمين، وعلاقه الأسرة بالتعليم عن بعد وضرورة تواجد أحد الوالدين في المنزل لمسانده تعلم الطالب ويمكن لبحث المعلم تحديد معايير لحلقات النقاش الإلكترونية أو عبارات الاستبانات الإلكترونية، ورسائل التوعية عبر البريد الإلكتروني أو مواقع المدرسة الرسمية مثل: حساب تويتر، انستجرام، قناة يوتيوب، مدونه…الخ (الدليمي، 2020). والمجال الرابع يتمثل في المشكلات المادية والتجهيزات التقنية وعلاقتها بمتطلب البنية التحتية التقنية والتكنولوجية وتوفير الأجهزة والأدوات وشبكات الاتصال (الدليمي، 2020)، فالتعليم عن بعد عبر الفصول الافتراضية عند التعليم عن بعد أقل تكلفة اقتصادية وأسهل وصولا للمناطق النائية (الاحمري ، 2019)، وبالتالي يمكن توفير حسابات لدخول الطلاب عبر تطبيقات الواقع المعزز أو المختبرات الافتراضية وغيرها من المتطلبات التي تطور التعليم عن بعد.

ومن هذا المنطلق يعد البحث الإجرائي من الطرق الحديثة للتنمية المهنية المستدامة للمعلم وتساعده في تحسين وتطوير التعليم عن بعد عندما يستخدم مجالات البحث الإجرائي بطريقة تتوافق مع متطلبات التعليم عن بعد لتمكنه من حل المشكلات وتجاوز التحديات بطريقة مدروسة علمية وفعالة

المراجع

  • إبراهيم، عبدالرزاق محمود ، وأبو راوي، نجاح جمعة أبو حرارة. (15 يوليو, 2020). معوقات التعليم عن بعد في الجامعة من وجهة نظر اعضاء هيئة التدريس. مجلة ودراسات في العلوم الانسانية والاجتماعية .
  • أبو علي، محمد زهران ، والطراونة، محمد حسن. (2020). درجة ممارسة معلمي العلوم لمهارات البحث الإجرائي في المدارس الأردنية من وجهة نظرهم. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، الصفحات 362-381.
  • الحسين، سليمان بن سالم، و أخرون. (يوليو, 2018). مجالات بحوث المعلمين في سلطة عمان وواقع الإستفادة منها . مجلة الدراسات التربوية والنفسية – جامعة السلطان قابوس، الصفحات (465-483).
  • الاحمري، أحمد بن سعيد. (يناير, 2019). الفصول الافتراضية بين النظرية والتطبيق: دراسة لتجربة المدرسة الافتراضية السعودية. المجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية عدد 6.، الصفحات 311-338.
  • الدليمي، نوال ابراهيم محمد. (تشرين الأول, 2020). دواعي ومتطلبات التعليم عن بعد في ضوء تجديد فلسفة التعليم. مجلة البحوث، عدد خاص بابحاث المؤتمر الدولي العاشر لمركز لندن للبحوث بالتعاون مع مدارس الفجر، الصفحات 317-336.
  • الدوسري، محمد سعد حويل. (11 يناير, 2018). أهمية البحث الإجرائي في الميدان التربوي. تم الاسترداد من تعليم جديد: https://www.new-educ.com/?p=22003
  • الغفيلي، عبدالعزيز بن محمد . (13 4, 2019). البحث العلمي والواقع التربوي تحديات وطموحات. تم الاسترداد من تعليم جديد: https://www.new-educ.com/?p=25984

البحث في Google:





عن هدى عبدالله محمد الزهراني

مشرفة تربوية بإدارة تعليم جده، مهتمة بالتعليم والقيادة التربوية وتقنية المعلومات والاتصالات لخدمة العملية التعليمية، ومستشارة وخبيرة تربوية مهتمة بالتربية والتعليم والتطوير الذاتي، عضوة عاملة في الجمعية العلمية السعودية القيادة التربوية، مدرب معتمد دولي ومحلي، متواجدة حاليا في مدينة جدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *