تحديات تفعيل مجتمعات التعلم المهنية ودور قائد المدرسة في إدارتها

تحديات تفعيل مجتمعات التعلم المهنية ودور قائد المدرسة في إدارتها

إشراف ومتابعة د. وزيرة باوزير – جامعة دار الحكمة – جدة، المملكة العربية السعودية

إن التحديات التي تواجه العالم اليوم فرضت القيام بكثير من التغيرات على النظم التعليمية لمواجهتها والتغلب على المشكلات الناتجة عنها، وهو ما يتطلب وجود قيادات تعليمية متميزة، إضافة إلى مديري مدارس لديهم من الكفايات والكفاءات ما يمكنهم من المساهمة الفاعلة في بناء قدرات هيئة العاملين بالمدارس والمعلمين خاصة، عن طريق مجموعة متكاملة من البرامج والأنشطة في إطار ما يعرف بمجتمعات التعلم المهنية (إبراهيم والشهومي، 2018). هذا وتعد مجتمعات التعلم المهنية مدخلًا هامًا في التطوير المهني للمعلمين، والإصلاح المدرسي بشكل عام، حيث تمكن المدارس من مواجهة تحدياتها بفاعلية (إبراهيم والمرزوقي، 2018). و يُعرف دوفور وآخرون (2014، ص13) مجتمع التعلم المهني بأّنه: “عملية مستمرة يعمل فيها المعلمون بشكل تآزري في دورات متكررة من التقصي الجماعي، والبحث الإجرائي؛ من أجل تحقيق نتائج تعلم أفضل للطلاب الذين يخدمونهم”.

وقد أثبتت الدراسات أهمية مجتمعات التعلم المهنية ودورها في التطوير والتحديث ورفع مستوى الأداء، وأكّدت على دور مدير المدرسة في بناء ودعم مجتمعات التعلم المهنية (المسروري وآخرون،2020). إلاّ أن تطبيق مجتمعات التعلم المهنية في المدارس واجه الكثير من التحديات، والتي تحتاج إلى جهود كبيرة من جميع أعضاء فريق المجتمع المدرسي وعلى رأسهم قائد المدرسة لإدارتها حتى تحقق الهدف المنشود منها، ومن هذا المنطلق سيتم في هذا المقال تسليط الضوء على تحديات مجتمعات التعلم المهنية في المدارس، ودور قائد المدرسة في إدارتها.

تحديات تفعيل مجتمعات التعلم المهنية في المدارس

بالرغم من الجهود المبذولة في الإصلاح التعليمي التربوي إلا أن تفعيل مجتمعات التعلم المهنية يواجه كثير من التحديات؛ وهو ما أكدته دراسة إبراهيم والمرزوقي (2018) بوجود مشكلات خاصة بمديري المدارس والمعلمين، وبرامج التنمية المهنية والجوانب المادية المدرسية. وصنفت هذه التحديات التي تواجه مجتمعات التعلم المهنية إلى ثلاثة مجالات: تحديات تتعلق بالمعلمين، وأخرى تتعلق بمديري المدارس، وثالثة تتعلق بأنظمة وإجراءات العمل.

ففيما يخص المعلم؛ فقد أكدت عدد من الدراسات ومنها دراسة العتيبي والنفيسة (2021) أن هناك تحديات تواجه تفعيل مجتمعات التعلم المهني مرتبطة بالجوانب الشخصية للمعلم، ومنها كثرة الأعباء التدريسية والإدارية التي تقلل من فرص العمل المشترك بين المعلمين، تليها قلة تركيز برامج التطوير المهني على مفهوم وأهمية مجتمعات التعلم المهنية، ثم غياب الرؤية المشتركة بين المعلمين نحو تحسين أدائهم المهني، وكذلك قلة امتلاك المعلمين مهارات البحث الإجرائي كإحدى ممارسات مجتمع التعلم المهني، بالإضافة إلى عدم  وضوح أهداف مجتمعات التعلم المهنية لدى المعلمين. و أضاف إبراهيم والمرزوقي (2018) عددا من هذه التحديات منها ميل المعلمين  للأعمال التقليدية، والاعتماد على الفردية في البيئة المدرسية، والخوف من تحمل المسؤولية، والتردد في المبادرات، وضعف ثقافة الإبداع والابتكار لديهم، وقصور الاهتمام بالبحوث والدراسات العلمية من ناحية الاطلاع عليها أو إجرائها.

وفيما يخص التحديات التي تتعلق بمديري المدارس، فمنها قلة المعرفة بطبيعة وفلسفة مجتمعات التعلم المهنية، وعدم الإيمان بأهمية مجتمعات التعلم المهنية، وضعف المهارات الإدارية، والبيروقراطية في القيادة (إبراهيم والمرزوقي، 2018).  كما أشارت إحدى الدراسات إلى أن تطوير أداء المدارس في ضوء مدخل مجتمع التعلم المهني يواجه عدة معوقات تتمثل في مقاومة التغيير من قبل مديري المدارس خوفًا من مشاركة المعلمين للقيادة مما قد يؤدي إلى تقليل مكانتهم ونفوذهم، ومن قبل المعلمين خوفًا من زيادة الأعباء الإدارية أو المسؤوليات الجديدة، بالإضافة إلى ضعف الصلاحيات الممنوحة لمديري المدارس، وقلة القيادات المؤهلة (السحيباني 2012، كما وردت في العتيبي والنفيسة 2021).

ومن التحديات التي تواجهه مجتمعات التعلم المهني والمرتبطة بالبيئة المدرسية؛ افتقار المدرسة إلى وجود بيئة تعليمية داعمة لمجتمع تعلم مهني، تليها كثافة الطلاب في الفصول والتي تقلل من فرص تأمل المعلم للممارسات التدريسية، ثم ضعف الإمكانات اللازمة لتنفيذ بحوث إجرائية لمواجهة المشكلات التربوية، وكذلك قلة تبادل اللقاءات التعاونية بين المدارس لمناقشة وحل المشكلات التي تعيق تفعيل مجتمعات التعلم المهني، وأيضًا تركيز المدرسة على نتائج امتحانات الطالب دون التحّقق من مخرجات التعلم الحقيقي (العتيبي والنفيسة 2021). وأكدت دراسة إبراهيم والمرزوقي (2018) على وجود تحديات تتعلق بأنظمة وإجراءات العمل منها كثرة المهام والأعباء على المعلم، وقلة الوقت لتجريب أفكار وأساليب جديدة في العمل.

دور قائد المدرسة في إدارة تحديات المجتمعات المهنية

إن التحديات التي تواجه مجتمعات التعلم المهنية في المدارس تحتاج لإدارة من قبل القائد لتضمن فعاليتها واستدامتها لتحقق النتائج المرغوبة والمرجوة، كما أكدت على ذلك عدد من الدراسات منها دراسة إبراهيم والمرزوقي (2018) إلى أنه لنجاح مجتمعات التعلم المهنية لابد من وجود إدارة مدرسية داعمة يمثلها مديرو المدارس، وذلك لتقديم الدعم المادي والفني والبشري لمجتمعات التعلم المهنية، وتوفير الوقت لعملها، وتشجيع وتحفيز المعلمين، والإشراف والمتابعة على جداول أعمالها، وإيجاد ثقافة تنظيمية فعالة تقود إلى التعلم التعاوني، وتوزيع الصلاحيات والسلطات، وتبادل قيادة تلك المجتمعات. وكذلك دراسة الدوسري والنوح (2021) التي أكدت على أن تحسين أداء المدرسة يتطلب التخطيط، والتواصل بفاعلية، والمتابعة المستمرة، وهو ما يدركه القادة وكذلك توفير الدعم للمعلمين من أجل تقديم أفضل ما لديهم. فشعور المعلم بمساند قيادة مدرسية له هو من أهم الأسباب لبقاء وانتماء المعلم للمكان الذي يعمل فيه، وكذلك توظيف البيانات والاستفادة منها كمحفز للاستقصاء الجماعي للمعلمين. كما أكدت أيضًا نفس الدراسة للدوسري والنوح (2021) على أن القادة يسعون لتوظيف الخبرات والمهارات التي يملكها أعضاء المجتمع المدرسي لأنهم مدركون بأنه لا يمكنهم تحقيق الأهداف لوحدهم، وكل ما تمكن قائد المدرسة من التوسع في مشاركة القيادة من خلال تحفيز المعلمين، وفرق العمل، للقيام بأدوار ومسؤوليات قيادية، انعكس على تعلم الطلاب وتحصيلهم الدراسي.

وعليه، فإن وجود قيادة داعمة من مديري المدارس سببٌ جوهريٌّ في نجاح واستمرار مجتمعات التعلم المهنية، وهذه القيادة لها الدور المحوري في إدارة التحديات التي تواجه تفعيل تلك المجتمعات في المدارس سواء التحديات التي تواجه القائد نفسه، أو التي تواجه المعلمين، أو تحديات في بيئة المدرسة وذلك بتقديم الدعم المادي والفني والبشري، والإشراف والمتابعة والتحفيز وإيجاد ثقافة تنظيمية داعمة تقود المعلمين والمتعلمين نحو التطور والبناء.

المراجع:

إبراهيم، حسام الدين السيد محمد، المرزوقي، أحمد سعيد عبدالله. (2018). المشكلات التي تواجه مجتمعات التعلم المهنية في مدارس سلطنة عُمان. مجلة الفنون والأدب وعلوم الانسانيات والاجتماع، 1(29)، 306-331.
إبراهيم، حسام الدين السيد محمد، الشهومي، سعيد بن راشد. (2018). دور مديري المدارس في بناء مجتمعات التعلم المهنية بسلطنة عمان من وجهة نظر مشرفي الإدارة المدرسية. مجلة كلية التربية، 1(116)، 1-43.
الدوسري، مبارك عبدالله مبارك، النوح، عبدالعزيز ين سالم محمد. (2021). متطلبات تطوير الممارسات القيادية الداعمة للتعلم المهني بمدارس التعليم العام. مجلة الفنون والآداب وعلوم الإنسان والاجتماع، 10(71)، 66-86.
العتيبي، سعد محمد، النفيسة، صالح إبراهيم. (2021). معوقات أداء مجتمعات التعلم المهنية (PLC) من وجهة نظر معلمي العلوم في عفيف. المجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية، 4(3)، 367-405.
المسروري، فهد سليمان سيف، المشايخي، سعيد سالم، المجعلية، عايشه عبدالله. (2020). درجة توافر متطلبات تطبيق أبعاد مجتمعات التعلم المهنية في المدارس الحكومية ُمان من وجهة نظر المشرفين التربويين بسلطنة عمان. المجلة الالكترونية الشاملة، 8 (27)، 1-27.
دوفور، ريتشارد، دوفور، ربيكا، إيكر، روبرت، توماس، ماني. (2014).  العليم عن طريق العمل دليل المجتمعات المهنية التعّلمية أثناء العمل. (ترجمة مدارس الظهران الأهلية). الدمام. دار الكتاب التربوي للنشر والتوزيع.

البحث في Google:





عن مها راجح الشريف

ماجستير قيادة تربوية، مسار السياسات التربوية.مشرفة تربوية بإدارة تعليم جدة - المملكة العربية السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *