المستحدثات التكنولوجية

تكنولوجيا التعليم بين حداثة النظرية وإبداعية التطبيق

ظهرت القيمة الحقيقية لتخصص تكنولوجيا “تقنيات” التعليم بعد الأزمة العالمية الأخيرة المسماه بجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، والتي كشفت العَوَار الواضح والقصور الكبير في الأنظمة التعليمية نتيجة عدم اعتمادها على الوسائل والتقنيات والأدوات التكنولوجية بشكل داعم للأنظمة التقليدية، وبالتالي ظهر قصوراً أكبر نتيجة لعدم الدراية الكافية بتطبيق مثل هذه التقنيات في التعليم بشكل إجباري ما بين الدول المتقدمة والدول النامية، سواء من جانب المتعلم أو المعلم أو الإدارة التعليمية بشكل كامل، مما اضطر المسؤولين لتوجيه الأنظار نحو إعداد الدورات التدريبية وورش العمل وتجهيز المنصات التعليمية الرقمية المختلفة لمحاولة اللحاق بركب التقدم التكنولوجي التعليمي.

فقبل الظاهرة الكارثية الأخيرة، كان الجميع يتسأل (ما هو الدور الواضح لتكنولوجيا التعليم في المنظومة التعليمية؟)، وجاء الرد واضحاً للجميع عندما تعلق الأمر بحياة البشر على هذا الكوكب البشري، فكان التعليم باستخدام التكنولوجيا الحديثة من ضمن أقوى التدابير التي اتخذتها الدول لحماية أبنائها من شبح الفيروس القاتل حتى لا تتوقف الحياة وأحداثها، وبدأ الجميع بداية من أولياء الأمور إلى المعلمين والمديرين بالاقتناع الكامل بدور التكنولوجيا الحقيقي في التعليم، وكان ولا زال الخلاف قائماً حول الاعتماد عليها بشكل جزئي أو كلي.

ولتحديد أبعاد هذا الخلاف لا بد من الوقوف على عدة ثوابت أهمها؛ أن التعليم النظامي التقليدي سيبقى ضرورة ملحة مهما حدث من تقدم علمي وتكنولوجي، وأن المدرسة مؤسسة تربوية في المقام الأول تؤدي دوراً كبيراً في بناء الدول لا يجب المساس به، وأن الاتصال المباشر بين الطلاب والمعلمين والأقران يكون الشخصيات ويبني السلوكيات، ويزيد المعارف ويُقَوم الثقافات، إضافة إلى البناء الصحي للطلاب جسدياً وعقلياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً، وبالتالي يمكن الجزم قولاً بأن توظيف التكنولوجيا في التعليم يجب أن يكون دعماً وتكميليا لأدوار النظام التعليمي التقليدي، وأن تستخدم كميسرات وأدوات مساعدة لكل من المعلم والطلاب في أوقات الرخاء، ويمكن الاعتماد عليها كلياً في أوقات الأزمات.

ومن هذا المنطلق اختفلت النظرة بشكل كلي تجاه هذا التخصص الهام، والذي أعتبره تخصصاً خدمياً للنظام التعليمي بكل فروعه وتخصصاته، فبدأ الجميع يشعر بأهمية وجوده ودوره على الساحة في الوقت الراهن، ويبقى التحدي الأكبر هو العمل على تطوير أداء الطلاب والمعلمين والمديرين لاستغلال الإمكانات التكنولوجية بالشكل المناسب في العملية التعليمية، وتوظيفها بالطريقة المثلى من قبل العنصر البشري في العملية التعليمية مهما اختلف دوره.

فيجب أن يدرك الجميع أهمية دور المدرسة الحقيقي في التعليم النظامي، وفاعلية دور التكنولوجيا في تيسير التعلم، وتتكامل هذه الأدوار لأجل تقديم الخدمة التعليمية على أفضل وجه للطالب، وكذلك الخدمة التدريسية بأيسر الطرق للمعلم، وتسهيل العمليات الإدارية على المديرين والإداريين.

حداثة النظرية:

في العصر الحالي تغيرت النظرة إلى تكنولوجيا التعليم بصورة كبيرة، وأصبح دورها أكثر فاعلية، وساد الاتجاه الإيجابي لدى الجميع نحوها، مما جعل أهل التخصص يولون اهتماماً كبيراً به، وبالتالي بدأت النظريات تتطور والأفكار تتكاثر، فظهرت نظرية الابتكارات الكاسحة، والتي تعني باختصار قدوم أحد المستحدثات والتقنيات الحديثة وإحلالها مكان تقنيات أخرى أصبحت تقليدية، أو تطوير مستحدثات موجودة بالفعل لكي تواكب العصر ومتطلباته.

وبالفعل ظهرت خلال جائحة كورنا التطبيقات العملية الواضحة لنظرية الابتكارات الكاسحة في التعليم، والتي من أهمها حلول فكر (الأون لاين) في تقديم المحاضرات والسمينارات العلمية، والدورات التدريبية وورش العمل، بل أصبحنا نشاهد المؤتمرات العلمية وكل منا في منزله دون عناء السفر والترحال، إضافة إلى تقديم المحاضرات العلمية الجامعية والسكاشن العملية باستخدام هذه التقنيات، وذلك نظراً لعدم كفاية الوقت الحقيقي في اليوم الدراسي الفعلي.

كما أصبحنا نشاهد الأدوات والمواد والوسائل التكنولوجية الأكثر ذكاءً وتطوراً في العملية التعليمية، فتطورت الشاشات والسبورات الذكية بطريقة تسمح بممارسة كافة مهام التعلم من خلالها ومشاركتها على الخط المباشر (أون لاين)، كما سعى المعلمون المبتدؤون تكنولوجياً إلى توظيف البرامج والتطبيقات التواصلية في العملية التعليمية، وهذا الأمر لم يكن موجوداً من قبل، حيث اختفت الرهبة من التكنولوجيا والخوف من استخدامها، وفكرة الإجبار عليها، فشعر الجميع تعليمياً واجتماعياً بمدى ما تقدمه التكنولوجيا من تسهيل المهام الحياتية والتعليمية بشكل كبير، فما كان في الماضي يأخذ وقتاً كبيراً وجهداً مضنياً أصبح بضغطة زر يتم إنجازه.

وفي سياق ذلك تعتبر نظرية الابتكارات الكاسحة هي السائدة في العصر الحالي، وذلك نظراً لتنافس الشركات التكنولوجية وسعيها الدائم لتطوير الأدوات والوسائل، وحلول الأفكار الجديدة التي من شأنها تقديم أفضل خدمة للمستخدمين متعلمين ومعلمين ومديرين، فبشكل شبه سنوي تقدم لنا الشركات كثير من المنتجات التي تعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتحليلات البيانات المعقدة التي تساعد على تقديم تعليم مرن وفقاً للاحتياجات التعليمية.

إبداعية التطبيق:

بدأ الإبداع من رحم الأزمات والكوارث، فشاهدنا المعلمين يبدعون بأبسط الأدوات والوسائل ويسعون إلى تقديم تعليم إلكتروني لطلابهم أثناء أزمة كوفيد – 19 خلال فترة الحجراً المنزلي، والتي توقفت الدراسة على إثره في معظم البلاد، وبالتالي فإن ذلك يدل على أننا نملك معلمين قادرين على استخدام التكنولوجيا وتوظيفها، ولكنهم بحاجة إلى مزيد من التدريب والتطوير على أحدث الوسائل.

وعلى الجانب البحثي في مجال الدراسات العليا، بدأ الاتجاه القوي نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في التعليم وفقاً لما يتاح من إمكانيات، وذلك إن دل فإنه يدل على إدراك قيمة ما تقدمه التكنولوجيا من خدمات في المجال التعليمي، وأنها تسهل الكثير من المهام التي تتطلب واقعياً جهداً ووقتاً وأمولاً كثيرة، فما بين تطبيقات (النظم الخبيرة – ربوتات الدردشة الآلية – الوكلاء الأذكياء – إنترنت الأشياء – التعلم المتجسد – البيانات الضخمة وتحليلات التعلم) تكمن الإبداعية في تقديم المحتوى التعليمي.

توصيات:

  • أهمية مواكبة باحثي مجال التربية بأحدث مستحدثات تكنولوجيا التعليم.
  • العمل على زيادة معدلات الثقافة الرقمية لدى العنصر البشري في المنظومة التعليمية بشكل كامل.
  • إعطاء الحرية للمعلمين باستخدام الوسائل التقنية في التعليم، وعدم التقديم بأمور بيروقيراطية من شأنها أن تحبطه.
  • إتاحة الفرصة لاستخدام مصادر التعلم الرقمية وتوظيفها في العملية التعليمة كمصادر داعمة ومساعدة للكتاب المدرسي التقليدي.
  • ترسيخ فكرة أن التكنولوجيا أداة دعم وتسهيل العملية التعليمية، وليست أداة بديلة للنظام بشكل كامل، فدور المدرسة التقليدي يجب أن يظل ويستمر.
  • مواجهة جيل التكنولوجيا البحتة وتقويمه، وإعادة دور التربية إلى مؤسساتها الحقيقية بداية من الأسرة والمدرسة والمؤسسة الإعلامية.
  • إرجاع الطلاب والطالبات إلى المدرسة أمر لم يعد سهلاً، فأصبح تحدياً كبيراً أمام كل مسؤول.

في النهاية لا بد أن تقف تكنولوجيا التعليم في موضعها الصحيح، وتقوم بالدور الفاعل بواسطة أبنائها المخلصين، وأن يرسخ الفكر التقني لدى المؤسسات التعليمية لتيسير المهام التعليمية والإدارية، وأن يفعل دور أخصائيي تكنولوجيا التعليم والتطوير التكنولوجي في هذه المؤسسات، وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة، وإتاحة الفرصة لهم لتطوير أداء المعلمين، وتقديم الإرشاد التعليمي التقني لجميع العنصر البشري في المؤسسة التعليمية.

البحث في Google:





عن تامر الملاح

باحث و مطور في مجال تكنولوجيا التعليم و التربية، ومهتم بمشكلات التعليم، كلية التربية، جمهورية مصر العربية

2 تعليقات

  1. عبد الحليم حجاج

    اخى الفاضل الكريم / تامر الملاح

    أراه مقال بالغ الروعة

    أحسنت فان خير الكلام ما قل ودل وجل ولم يمل

    مع خالص تحياتى وتقديرى لشخصكم الكريم

    عبد الحليم حجاج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *