مقدمة:
يُعد التفكير المنظومي أحد أشكال التفكير العليا التي تركز على فهم الأنظمة المعقدة من خلال ربط عناصرها الداخلية ورصد التفاعلات بين مكوناتها المختلفة. ويتطلب هذا النوع من التفكير قدرة على التحليل النقدي، ربط الأسباب بالنتائج، واستشراف تأثير القرارات ضمن النظام ككل (الكبيسي، 2010). في السياق الفلسطيني، تواجه المدارس تحديات كبيرة بسبب الظروف السياسية والاجتماعية، مما يزيد من أهمية تعليم الطلبة مهارات التفكير المنظومي من خلال الحاسوب والتكنولوجيا، الذي تُوفر أدوات تعليمية مبتكرة تُساهم في تنمية هذه المهارات.
أهمية التفكير المنظومي في التعليم:
يُعد التفكير المنظومي أداة مركزية لفهم الأنظمة المعقدة في مجال التكنولوجيا والحاسوب، حيث يُتيح للطلاب القدرة على فهم العلاقات بين مكونات النظام الرقمي، مثل البرمجيات، الأجهزة، والشبكات، مما يُساعد الطلاب على تصور النظام ككل وليس كأجزاء منفصلة (Rahdar,2023 ؛ Eriksson,2020). وحل المشكلات المعقدة بطريقة منهجية، حيث يمكن للطلاب تحليل المشكلة من منظور شامل، ورصد تأثير كل عنصر على النظام ككل، مما يعزز مهارات التخطيط والتنفيذ (الجوري، 2023؛ Eriksson,2020). واتخاذ قرارات تعليمية وتقنية مستنيرة، مثل اختيار البرمجيات المناسبة أو تصميم المشاريع الرقمية، مع مراعاة العلاقات والتفاعلات بين المكونات المختلفة (عاجل، 2024؛ Liu,2024). وترى الباحثة الدراسات المحلية والدولية تُؤكد أن دمج التفكير المنظومي في التعليم التقني يُعزز قدرة الطلاب على التحليل، الابتكار، واتخاذ القرارات بشكل متكامل، ويشكل قاعدة قوية لتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين.
استراتيجيات تنمية التفكير المنظومي في المنهاج:
التعلم القائم على المشاريع
إن التعلم القائم على المشاريع مفيد جدًا لتطوير التفكير المنظومي، بشرط أن يُصمّم بشكل يدعم التفاعل بين المكونات المختلفة في المشروع، فالمشاريع التقنية تحفز الطلبة على التفكير المنظومي بشكل عملي، ويتطلب من الطلبة عند تصميمها الربط بين مكونات النظام المختلفة، مثل برمجة لعبة تعليمية أو تصميم موقع إلكتروني .(Kordova, 2020)
استخدام المحاكاة الرقمية
استخدام المحاكاة الرقمية الشبكات أو البرمجيات لتوضيح العلاقة بين الأجهزة والبرامج، يُعزز فهم الطلاب للنظام ككل ويُقلل من الأخطاء في التفكير (Eriksson,2020).
التفكير النقدي والتحليلي
تشجيع الطلبة لدراسة حالات واقعية وحل المشكلات التقنية المعقدة، يزيد من وعي الطلاب بالعلاقات السببية والتفاعلية في النظام الرقمي (الكبيسي، 2010).
إن تفعيل هذه الاستراتيجيات يتطلب من المعلم التركيز على المهارات الفرعية للتفكير المنظومي التي تتجاوز مجرد إكمال المشروع التقني. ففي سياق التعلم القائم على المشاريع، يصبح من الضروري توجيه الطالب نحو تحديد حدود النظام بوضوح، ومن ثم تحليل العلاقات السببية والتفاعلية بين مكوناته، ورصد حلقات التغذية الراجعة التي تصف كيف تؤدي قراراتهم في مرحلة ما إلى نتائج متغيرة في المراحل اللاحقة. هذا التركيز على تفكيك النظام المعقد إلى مسارات سببية يعزز القدرة على استشراف المستقبل وتوقع تأثير القرارات التقنية ضمن المنظومة ككل، مما يرسخ الفهم المنظومي العميق للنظام الرقمي.
دراسات حول تنمية مهارات التفكير المنظومي:
إن دمج التفكير المنظومي في المناهج الدراسية له أهمية لتحسين نتائج التعلم وتحضير الطلبة للتحديات المستقبلية، وبالتالي المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال التعليم المستدام (Kurent, 2024). وأكد المنشاوي وأبو اليزيد (2020) على استخدام الأنشطة التي تُحفِّز الطلاب على التفكير في العلاقات بين أجزاء المنظومة وليس الأجزاء منفصلة. ويرى Shin et al (2022) أن التفكير المنظومي يلعب دوراً حيوياً في تعليم مناهج التكنولوجيا والحاسوب، حيث يقدّم إطاراً لفهم المشكلات المعقدة، من خلال ممارسات مثل تحديد حدود النظام وتحليل التفاعلات بين المكونات، وتقديم رؤية واضحة للصورة الكاملة للمشكلات التكنولوجية قبل البدء في تصميم الحلول وتُؤكد الدراسات الحديثة أن دمج التفكير المنظومي في المناهج التعليمية، بما في ذلك علوم الحاسوب يُعزز قدرة الطلاب على تحليل المشكلات المعقدة وفهم العلاقات بين عناصر النظام (Rahdar,2023 ؛ Eriksson,2020). وأكدت دراسة الكامل (2003) على العمل على إنتاج برامج باستخدام الحاسوب لتعليم التفكير المنظومي وينبغي تنميته من خلال تحليل النماذج والتي تتكون من عناصر يؤثر كل منها في الآخر وتدريب المعلم الذي يُدرس داخل الفصل من تفعيل وقياس التفكير المنظومي. وأكدت دراسة أحمد (2009) على ضرورة مراعاة مهارات التفكير المنظومي في المناهج المقدمة للطلبة لتنمية القدرة على التفكير المنظومي وحث واضعي المناهج على الاهتمام بتضمين مهارات التفكير المنظومي في المناهج وتنظيم دورات تدريبية للمعلمين لتعريفهم على كيفية استخدام مهارات التفكير المنظومي في التدريس والاهتمام بطرق التدريس التي تشجع على تطويره. وأظهرت دراسة صيام (2017) الاهتمام بتنمية مهارات التفكير المنظومي في المراحل الدراسية المختلفة لما لها من أهمية كبيرة في حياتنا فهي تساعد في حل المشكلات واتخاذ القرارات.
دور المعلم في تنمية التفكير المنظومي (Liu,2024؛ الجوري، 2023؛ Rahdar,2023 ؛ عاجل، 2024؛ Eriksson,2020 ؛ الكبيسي، 2010).
- توجيه الطلاب في فهم الروابط بين عناصر النظام الرقمي: يساعد المعلم الطلاب على إدراك العلاقات السببية والتفاعلية بين مكونات الحاسوب والتطبيقات الرقمية.
- تحفيز البحث والتجربة بدلاً من الاكتفاء بالحفظ النظري: يشجع المعلم الطلاب على الاستكشاف والتجريب عبر المشاريع العملية والمحاكاة الرقمية، الأمر الذي يعزز القدرة على التفكير النقدي والمنظومي.
- توظيف أدوات تقييم مبتكرة: مثل المشاريع التفاعلية والعروض الرقمية، لتقييم فهم الطلاب للنظام ككل وليس فقط المعرفة الجزئية.
وتري الباحثة دور المعلم في السياق الفلسطيني يُصبح أكثر أهمية نظراً للقيود المادية والاجتماعية، حيث يُمكن أن يُعوض هذه التحديات من خلال استخدام استراتيجيات تدريس مبتكرة قائمة على التفكير المنظومي، إن دمج التفكير المنظومي في التعليم لا يُعد رفاهية أكاديمية، بل هو ضرورة وجودية في السياق الفلسطيني المعقد. إذ أن التفكير المنظومي هو الأداة الفكرية الأنسب لمواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية، حيث يمكّن الطلبة من تحويل القيود إلى فرص، فبدلاً من الاستسلام لضعف البنية التحتية، يُصبح التحدي هو تصميم حلول رقمية ذات كفاءة عالية وتكلفة منخفضة، مع مراعاة كافة التفاعلات بين الموارد المتاحة. هذا المنهج يرسخ مبادئ التحليل، الابتكار، واتخاذ القرار المتكامل لدى الطلبة، ويشكل قاعدة قوية لتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين.
التحديات التي تواجه تعليم التفكير المنظومي في فلسطين:
تُشير الأدبيات إلى مجموعة من التحديات التي تواجه تعليم التفكير المنظومي في فلسطين (السريحي، 2021 ؛ و2022Ghani ؛ حامدة، 2003).
- القيود المادية: ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المدارس.
- الضغوط الاجتماعية والسياسية: تؤثر على التركيز والاستمرارية في التعلم
- نقص التدريب المهني للمعلمين: بعض المعلمين يفتقرون للمهارات اللازمة لتوظيف التفكير المنظومي في التعليم
وترى الباحثة رغم هذه التحديات، يجب استخدام التكنولوجيا والحاسوب كأداة فعالة لتطوير التفكير المنظومي، خاصة عند دمج التجارب العملية والأنشطة التفاعلية.
توصيات لتطوير المنهاج الفلسطيني
- دمج أنشطة تطبيقية تعزز التفكير المنظومي في دروس التكنولوجيا والحاسوب.
- توفير تدريب مستمر للمعلمين حول استخدام أدوات التعلم الرقمي.
- تبني أساليب تقييم تفاعلية تعتمد على المشاريع وحل المشكلات.
- تعزيز الدعم المؤسسي لتطوير البنية التحتية الرقمية في المدارس.
الخاتمة:
إن تنمية التفكير المنظومي في السياق الفلسطيني من خلال منهاج التكنولوجيا والحاسوب يُعد أداة فعالة لمواجهة تحديات التعليم المعقدة، وتحسين قدرة الطلاب على التحليل، الاستنتاج، واتخاذ القرارات. إن دمج التجارب العملية، المحاكاة الرقمية، والتعلم القائم على المشاريع يعزز من تطوير هذه المهارات، ويمكّن الطلاب من التعامل مع الأنظمة التقنية والرقمية بكفاءة ووعي.
المراجع:
المنشاوي وأبو اليزيد، عبد الحميد، سلـمى (2020). تنمية مهارات التفكير المنظومي لطلاب المرحلة الثانوية. المجلة الدولية لتكنولوجيا التعليم والدراسات التعليمية، المجلد 1، العدد 2، الصفحات 1-3.
الكامل، حسنين محمد (2003). تعليم التفكير مع مئات من الأمثلة التطبيقية. دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان.
أحمد، محمد عبد اللطيف (2009). الوعي بمهارات التفكير المنظومي وعلاقته ببعض المتغيرات لدى طلاب الجامعة. المجلة المصرية للدراسات النفسية، 19(63)، 320-358.
صيام، براءة عبد العزيز (2017). أثر توظيف برنامج CABRI3D في تنمية التفكير المنظومي في الهندسة لدى طالبات الصف الثامن الأساسي بغزة. رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة.
الكبيسي، علي حسين (2010). التفكير المنظومي: توظيفه في التعلم والتعليم، استنباطه من القرآن الكريم. ديبونو للطباعة والنشر والتوزيع.
السريحي، أحمد (2021). جاء القرآن الكريم لتشكيل العقل الإنساني عقلًا منظوميًا قادرًا على التعامل مع كل ما يحيط به. مجلة العلوم الإنسانية.
حامدة، فاطمة (2003). مهمة القرآن الكريم في تنمية التفكير المنظومي لدى الإنسان. مجلة جامعة دمشق.
الجوري، سارة (2023). أثر توظيف المدخل البنائي المنظومي لتدريس القراءة في تنمية مهارات التفكير التأملي لدى طلبة المرحلة الثانوية في الجمهورية اليمنية. مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث، 3(6).
عاجل، حسن حمد (2024). أثر التدريس بأنموذج المدخل المنظومي في تنمية التفكير المنظومي لدى طلاب الصف الثالث متوسط في مادة التاريخ في مدينة السماوة. مجلة كامب.
Rahdar, R. (2023). Systems thinking applied to higher education curricula. Embry-Riddle Aeronautical University.
Shin, N., Bowers, J., Roderick, S., McIntyre, C., Stephens, A. L., Eidin, E., Krajcik, J., & Damelin, D. (2022). A framework for supporting systems thinking and computational thinking through constructing models. Instructional Science, 50(5), 933-960.
Eriksson, E. (2020). Systems thinking exercises in computing education. ACM Digital Library.
Ghani, A. (2022). Developing teaching practice in computational thinking in Palestine. National Center for Biotechnology Information.
Kurent, B. (2024). Synergizing systems thinking and technology-enhanced learning for sustainable education using the flow theory framework. Sustainability, 16(21), 9319.
Kordova, S. (2020). Developing Systems Thinking in a Project-Based Learning Environment. International Journal of Engineering Education, 2(1), 63-81. https://doi.org/10.14710/ijee.2.1.63-81
Liu, Z. (2024). Bringing computational thinking into classrooms: A systematic review. Springer Open.
تعليم جديد أخبار و أفكار تقنيات التعليم
