خطة التدريس

التصور الجديد للوظيفة التوجيهية بالمؤسسات التعليمية

تعد الوظيفة التوجيهية من الرافعات الأساسية المعول عليها لتحقيق الأهداف المنشودة للبرامج الإصلاحية، لذا شهد التوجيه المدرسي تطورات عدة شملت أطره النظرية والمرجعية وممارساته وتطبيقاته، فقد تم تجاوز المنظور  البسيكو-تقني[1] إلى البعد التربوي، وأصبح يُنظر إلى الاختيار كتتويج لسيرورة نمائية يتم خلالها إعداد المتعلم لمساعدته على اتخاذ القرار الدراسي والتكويني والمهني، الأمر الذي يتطلب انخراط كل الفاعلين في مواكبته.[2]

لذا فقد أرست وزارة التربية الوطنية المغربية تصورا جديدا لنظام التوجيه المدرسي والمهني والجامعي تنزيلا للاختيارات التربوية التي نص عليها قانون الإطار  51.17  يقوم على محورية المشروع الشخصي للمتعلم وتعدد صيغ مواكبته مما يمكن من تحقيق المتعلمين لمشاريعهم الشخصية المهنية، وبرزت معالم هذا التصور الجديد من خلال القرار الوزاري 062.19  الصادر في 07 أكتوبر 2019 بشأن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي  الذي تم التفصيل في مقتضياته في المذكرة الوزارية 105/19 في شأن الارتقاء بالممارسة التربوية في مجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بالثانويات الإعدادية والثانويات التأهيلية  والتي نصت على وجوب نهوض المؤسسات التعليمية بأدوارها  كاملة للارتقاء بممارستها التربوية وتركيزها حول مساعدة المتعلمين على بناء وتحقيق مشاريعهم  الشخصية وتحديد اختياراتهم الدراسية،  أما المذكرة  106/19  في شأن العمل بالمشروع الشخصي للمتعلم بالثانويات الإعدادية والثانويات التأهيلية  فدعت إلى إرساء العمل بالمشروع الشخصي للمتعلم كخيط ناظم  لتدخلات  جميع الفاعلين في مجال التوجيه، الأمر الذي يقتضي إرساء خدمات مواكبة المشاريع الشخصية التي تنقسم إلى مواكبة تربوية وإدارية -تقنية  ومواكبة تخصصية، أما المذكرة  114/19 في موضوع الأستاذ الرئيس بالثانويات التأهيلية والإعدادية  فوضحت أدوار الأستاذ الرئيس في ضمان المواكبة التربوية الضرورية للمتعلمين لمساعدتهم على تحقيق مشاريعهم الشخصية.

وعرف القرار الوزاري  062.19  الصادر في 07 أكتوبر 2019 بشأن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي في المادة 7 أن مفهوم المشروع الشخصي للمتعلم في مجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي يتأسس على تفاعل إيجابي بين الذات والمحيط، وهو بذلك سيرورة ذاتية وداخلية للمتعلم، ذهنية ووجدانية ونفسية واجتماعية  مع إسقاطات مستقبلية لمساره الدراسي والمهني يعمل على عقلنتها باستمرار ، ولهذه السيرورة المتجددة والممتدة تمظهرات خارجية تتجلى أساسا في مبادرة المتعلم للاستفادة من خدمات التوجيه المدرسي والجامعي وانخراطه في مختلف الأنشطة التربوية المنبثقة عنها أو غيرها ذات الصلة بمشروعه، وسعيه إلى توثيق سيرورة  تفكيره في مشروعه وتفاعله الجدي مع المساطر الجاري بها العمل في مجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي.

فالمشروع الشخصي في منظور  وزارة التربية الوطنية هي السيرورة التي ينخرط فيها المتعلم من أجل تحديد هدف مهني يطمح إلى تحقيقه، وتحديدا المسارات الدراسية والتكوينية المؤدية إليه وخطته الشخصية لبلوغه، والخيارات البديلة في حالة تعثره في الوصول لهذا المبتغى، كل ذلك في إطار منطق تكامل استراتيجي بين الأداء الدراسي الماضي والحالي، وبين الطموحات والأهداف الدراسية والتكوينية والمهنية والمستقبلية.[3]

ولبلورة فكرة المشروع الشخصي للمتعلم لابد من مواكبته بصيغ مختلفة من جوانب متعددة، وتستند المواكبة على فكرة الانضمام للآخر ودعمه وتعزيز إمكاناته، فالمواكب شخص مورد يدعم المواكب مع الحفاظ على مسافة بينهما بما يضمن مواكبة أفضل، ويركز المواكب على مسار المواكب وبناء مستقبله الشخصي، فالمواكبة هي أولا استقبال الآخر وتقبله والإنصات له، والمشاركة في إزاحة الستار عن معنى ما يعيشه ويبحث عنه وهي في النهاية السير على جانبه لتأكيد ذاته ضمن المعنى الجديد الذي ينخرط فيه.[4]

وتنقسم المواكبة حسن النصوص المنظمة للتوجيه إلى ثلاثة أنواع:

  • المواكبة التربوية[5]: هي المدخل البيداغوجي الموكول لهيئة التدريس، والتي تقوم على مساعدة المتعلم على الاندماج في الحياة الدرسية والنجاح المدرسي وتمكينه من اكتساب المهارات والكفايات الضرورية لمساعدته على تنمية مساره الدراسي والمهني والحياتي في إطار سيرورة مشروعه الشخصي، كما تعمل هذه المواكبة على استثمار الأنشطة الصفية في إطار البرامج الدراسية المقررة، والأنشطة اللاصفية في برنامج عمل المؤسسة لتصريف أهداف التوجيه المدرسي والمهني.[6]

ويعتبر الأستاذ الرئيس أهم المتدخلين في هذه المواكبة.

  • المواكبة التخصصية[7]: وهي المدخل التخصصي الموكول للمستشارين في التوجيه التربوي، الذين يسهرون على هذه المواكبة بأبعادها الثلاثة المتمثلة في الإعلام المدرسي والمهني، والاستشارة والمواكبة النفسية الاجتماعية، في إطار مقاربة تفاعلية بينها من جهة، ومحيطها المؤسسي من جهة ثانية ومع حالات التوجيه من جهة أخرى، كما تعمل أطر التوجيه على هذه المواكبة من خلال تقديم الدعم التقني والاستشارات الازمة للمؤسسة لتيسير قيامها بوظيفتها التوجيهية.[8]
  • المواكبة الإدارية والتقنية: وهي الموكولة أساسا لأطر الإدارة التربوية، فقد نصت المادة 14 من القرار الوزاري 19/062 على أنه يتعين على مديري مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، تفعيل مختلف الآليات المتوفرة للعمل على تصريف أهداف التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، والارتقاء بممارستها التربوية في هذا المجال من خلال تركيز الفعل التربوي على مواكبة المشاريع الشخصية للمتعلمين وذلك باستثمار المدخل التربوي البيداغوجي بأنشطته الصفية واللاصفية ومدخل العمل التخصصي.[9]

المراجع:

  • وزارة التربية الوطنية الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني الوثيقة  التأطيرية في موضوع:” دمج مكون التوجيه المدرسي والمهني في مشروع المؤسسة ”  فبراير 2022.
  • وزارة التربية الوطنية القرار الوزاري 19  بشأن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي الصادر في 07 أكتوبر 2019
  • وزارة التربية الوطنية المذكرة 19  في شأن العمل بالمشروع الشخصي للمتعلم بالثانويات الإعدادية والثانويات التأهيلية  الداعية إلى إرساء العمل بالمشروع الشخصي للمتعلم  الصادرة في 8 أكتوبر 2019.
  • وزارة التربية الوطنية المذكرة 19 في موضوع الأستاذ الرئيس بالثانويات التأهيلية والإعدادية الصادرة في 8 أكتوبر 2019.
  • وزارة التربية الوطنية المذكرة 22/015 في موضوع تأطير دمج مكون التوجيه المدرسي والمهني ضمن مشروع المؤسسة، الصادرة في 09 مارس 2022.
  • وزارة التربية الوطنية المذكرة الوزارية 105.19 في شأن الارتقاء بالممارسة التربوية في مجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بالثانويات الإعدادية والثانويات التأهيلية الصادرة في 8 أكتوبر 2019..
  • وزارة التربية الوطنية -الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني- الإطار المنهجي لتكوين الأساتذة الرؤساء بالتعليم الثانوي مارس 2020.

الهوامش:

[1]  يعد بارنسنز أحد رواده ويعتمد الروائز البسيكو تقنية المستندة إلى علم النفس الفارقي  ويتحدد الاختيار المهني من خلاله عبر مقارنة بين استعدادات الفرد وقدراته من جهة والمواصفات المميزة لمهنة ما وشروط ممارستها من جهة، والغاية من التوجيه وفق هذا المنظور هي بلوغ أقصى تلاؤم ممكن بين الفرد والمهنة  وتعرض هذا التيار لانتقادات عدة  يتجلى أهمها في نظرته السكونية للأفراد والمهن وعدم اعتباره للبعد الدينامي للشخصية والتطورات السوسيومهنية..انظر الإطار المنهجي لتكوين الأساتذة الرؤساء بالتعليم الثانوي – وزارة التربية الوطنية – الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني مارس 2020 ص 29.

[2]  انظر الإطار المنهجي لتكوين الأساتذة الرؤساء بالتعليم الثانوي- المواكبة التربوية للمشاريع الشخصية للمتعلمين- مارس 2020 الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني ص 5.

[3] القرار الوزاري  062.19  الصادر في 07 أكتوبر 2019 بشأن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي المادة 7.

[4]   انظر الإطار المنهجي لتكوين الأساتذة الرؤساء بالتعليم الثانوي – وزارة التربية الوطنية – الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني مارس 2020 ص 23.

[5] انظر المادة  15 من القرار الوزاري رقم 19/062

[6]   انظر الوثيقة  التأطيرية في موضوع:” دمج مكون التوجيه المدرسي والمهني في مشروع المؤسسة ”  الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني فبراير 2022 ص 10

[7]  انظر المادة  15 من القرار الوزاري رقم 19/062

[8] انظر الوثيقة  التأطيرية في موضوع:” دمج مكون التوجيه المدرسي والمهني في مشروع المؤسسة ”  الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني فبراير 2022 ص 10

[9]  المادة 14 من القرار الوزاري 19/062

البحث في Google:





عن د. رشيد زاح

باحث في الشؤون التربوية، أستاذ مجزوءة التوجيه المدرسي سلك تكوين أطر الإدارة التربوية وأطر الدعم - المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *