الدعم النفسي الاجتماعي

التعليم والحروب (الانتهاكات والأضرار)

مقدمة:

مر ويمر العالم بكثير من الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان، والنوعان زادت وتيرتُهما خاصة في السنوات الأخيرة، الطبيعية بسبب اختلال نظام الإتزان الكوني بسبب كثير من ممارسات الإنسان وتجاربه وجوره على الطبيعة، وغير الطبيعية مثل الحروب بسبب الأطماع في السلطة والثروة وبسبب الاقتتال والتنافس على الموارد، وكتير من الأسباب الاُخرى التي يمكن أن تؤدي إلى الحرب.

إن كارثة الحروب تؤثر على كل مناحي الحياة بالطبع ومنها الأنظمة التعليمية التي تتعدد أوجه التأثير الكبير عليها، والدول والمناطق التي تأثرت بكارثة الحرب سابقاً والدول التي تشتعل فيها نيران الحرب حالياً والتي ستشتعل فيها نيران الحرب مستقبلاً، شهدت وستشهد الكثير من التوترات والعراقيل التي أدت وسوف تؤدي إلى توقف  العملية التعليمية  والأنشطة ذات الصلة بها، ولكل مراحلها في بعض هذه الدول ولمدة قد تصل لشهور أو أعوام (السودان نموذجا). وبذلك يتعدى تأثير كارثة الحرب التأثير الآني إلى التأثير المستقبلي طويل المدى حيث يؤثر تعطيل التعليم على إمكانية توفير الاستقرار والسلام للأطفال  وعلى عودتهم الى الحياة الطبيعية، ويجعلهم غير مؤهلين للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأوطانهم.

فما هي الإنتهاكات والأضرار ذات الصلة بالتعليم نتيجة الحروب؟

وما هي الاحتياطات التي يمكن أن تقلل أو تحد من الانتهاكات المرتبطة بالتعليم عند حدوث الحروب؟

وما هي الحلول التعليمية المتاحة في حال استمرار الحرب لفترة زمنية طويلة يمكن أن تؤثر على التعليم؟

أولاً: نتناول هذا الموضوع واضعين في الاعتبار المسلمات الآتية  

  • التعليم حق للجميع دون تمييز وفي جميع الأوقات، بما في ذلك وقت انعدام الأمن وبغض النظر عن الظروف التي يعيشون فيها. 
  • ينبغي ألا يكون التعليم متوفراً فحسب بل يجب أن يكون ملائماً وميسراً وكافياً.

ونتناوله أيضاً واضعين في الاعتبار المفهوم الآتي للتعليم.

التعليم مصطلح واسع يشمل جميع الأنشطة الممنهجة والمصممة لتلبية حاجات التعلم ويشمل جميع الكوادر البشرية من معلمين وطلاب وعاملين وباحثين وإداريين كما يشمل  المباني والأجهزة التقنية والتكنولوجية المسهلة والمساعدة على نجاح العملية التعليمية والتربوية.

وهذا مفهوم تفصيلي يتبناه المقال لأهميته في توضيح متى يمكن الحكم على أن الحرب الدائرة تعدت هدفها الى إنتهاك حرمة وبنية التعليم، وهو مفهوم تم تبنيه بعد الاطلاع على أحد الكتب المهمة بعنوان (حماية التعليم في ظروف انعدام الأمن والنزاعات المسلحة – دليل قانوني) وهو المرجع الرئيس الذي اعتمد عليه المقال ولنا عودة بالتفصيل في مقالات أُخرى لموضوعات ذات صلة بالقانون الدولي وبالتعليم تطرق إليها هذا الكتاب.   

ثانياً: الانتهاكات (الأضرار) المرتبطة بالتعليم  

كثيرةٌ ومتعددة هي الآثار التي تطال التعليم في ظل الحروب والنزاعات المسلحة ونقف على الآتي منها:

  • تعطل عجلة التعليم أثناء حدوث الحرب لعدم إمكانية فتح المدارس بسبب مخاوف تتعلق بالأمن والسلامة وهذه فترة زمنية أولى.
  • ثم تعطل عجلة التعليم بعد توقفها لحين معالجة آثار الدمار والخراب الذي أحدثته وهذه فترة زمنية ثانية. 
  • تدمير المنشآت التعليمية نتيجة تعرضها للقصف او نتيجة استخدامها لأغراض عسكرية وبالتالي حرمان الطلاب من التوجه إلى مدارسهم.
  • تعرض الموارد العينية التكنولوجية والكتب والمعامل والأدوات المدرسية وشبكات الاتصال للنهب والتدمير مما يقلل من جودة التعليم.
  • استخدام المدارس كملاجئ نتيجة لتعرض منازل المدنيين للقصف مما يعطل استئناف أو بدء الدراسة.
  • ما يطال الطلاب والمعلمين وموظفي التعليم من تهديدات أو أذى جسدي أو نفسي أو قلق أو اكتئاب أو صعوبات نتيجة لما تعرضوا له من صدمات.
  • قد يتم تهجير المعلمين وتشريدهم مما يؤدي لنقص الكفاءات التعليمية وتراجع جودة التعليم.
  • التشريد القسري للسكان داخل حدود دولتهم أو خارجها، وهذا يعني تشريد  الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والعاملين بالتعليم بمختلف مراحله ووظائفه. 
  • تجنيد الأطفال في الجيوش أو الجماعات المسلحة، والذي يُعد أكثر الانتهاكات خطورةً لما يترتب على هذا التجنيد من:
    • تعرض الأطفال إلى مخاطر الأذى الجسدي والنفسي.
    • تحول بين الأطفال وبين الالتحاق بالمرافق التعليمية.
    • قد تقود إلى حرمانهم من فرصة تلقي التعليم أو الانقطاع الكامل عنه.

  (انظر قضية لوبانغا قضية عدم مشروعية تجنيد الأطفال)

  • ظروف انعدام الأمن والنزاعات المسلحة لا تؤدي فقط إلى تفاقم خطر العنف تجاه الأطفال فحسب، بل قد تؤدي إلى استغلالهم اقتصاديًا أيضًا.
  • التعليم يتضرر عندما يُستخدم كأداة للدعاية الحربية أو وسيلة لبث التمييز او التحريض بين الجماعات المختلفة.

ثالثا: كيف نحمي التعليم من الانتهاكات أثناء الحروب وانعدام الأمن؟

 إن الحد من انتهاك التعليم يرتبط بالضرورة بتثقيف العاملين بالتعليم بل والمنخرطين في النزاعات المسلحة أنفسهم حول الالتزامات تجاه التعليم، وهذا التثقيف والمعرفة والدراية – بالحد المعقول على الأقل – يُعدّ رفعا لمستوى الوعي بشأن الأحكام والقوانين والاتفاقيات ذات الصلة بالتعليم  الموجودة في:

  • القانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL)
  • القانون الدولي الإنساني (IHL)
  • القانون الدولي الجنائي (ICL)

هذه القوانين يمكن أن تعمل معاً مشكلة إطار حماية قوي ومتين لوجود جانب من هذه القوانين الدولية يعنى بالحق في التعليم وحمايته في أوقات انعدام الأمن ونشوب النزاعات المسلحة. إن الدراية بتقاطعات هذه القوانين حول التعليم تأتي أهميتها من أنها:

  • تنطوي على قوة كامنة يسترشد بها المسؤولون عن التعليم في أوقات انعدام الأمن ونشوب النزاعات بالوقوف على كيفية استخدام القانون الدولي للحد من الانتهاكات المرتبطة بالتعليم.
  • التعريف بالمعاهدات والاتفاقيات وأحكام القانون الدولي وممارسات الدول والهيئات الحكومية وغير الحكومية والخبراء الدوليين التي يمكن أن تقدم المشورة والدعم عند الحاجة.
  •  تضع الأساس القانوني للتقاضي والمحاسبة (انظر قضية قبرص ضد تركيا).

إضافة إلى ذلك وحتى في الأوضاع العادية فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يُلزم الدول أن تُحرز تقدماً معقولاً نحو توفير التعليم بالكامل خلال فترة زمنية وجيزة.

رابعاً: المعالجات التعليمية أثناء الحرب  

يمكن أن تُتخذ كل أو بعضاً من هذه الحلول والمعالجات علماً بأن التركيز هنا على المعالجات التي يمكن أن تُقدم للأطفال النازحين داخل الدولة المتاثرة بالحرب أثناء حدوثها :

  • فتح المدارس في المناطق الآمنة وهذا الحل قد يكون مناسباً عندما تكون مناطق العمليات العسكرية بعيدة عن المناطق السكنية.  
  • دعم طرائق التعلم البديلة مثل التعليم المنزلي ” فهي تحافظ على الترابط بين الطفل والتعليم وتضيف بعض ملامح الطمأنينة لمستقبله وتُمكنه من مواصلة رحلته التعليمية دون صعوبات.  
  •  في حالة عدم تعرض البنية التحتية لشبكات الاتصال للدمار يمكن الاستفادة مما أتاحته التكنولوجيا والوسائط والإنترنت لتقديم الدروس وربط الطلاب بمعلميهم أو بمصادر تقديم المساعدة. 
  • جهود المنظمات المدنية والجهود المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني التي يُعول عليها كثيراً في تقديم المعالجات الإسعافية في مثل هذه الظروف.  
  • اتخاذ كافة التدابير المعقولة والفورية لضمان استخدام المرافق التعليمية استخداماً آمناً أثناء الحرب. 
  • التنديد باحتلال القوات المسلحة للمدارس أو عدم التهاون مع هذا الاحتلال عندما تقوم به مجموعات مسلحة غير تابعة للدولة.

خلاصة:

هنالك مجال كبير للأنظمة القانونية الدولية الثلاث لتنسيق أحكامها بشكل يضمن معالجة أكثر شمولية للانتهاكات التي تربط بين التعليم و الحروب، ومن شأن توضيح هذا التفاعل والترابط أن يُحسن وبشكل كبير الحماية القانونية الدولية للتعليم في ظروف انعدام الأمن والنزاعات المسلحة، إضافة لذلك يُعدّ رفع مستوى الوعي بشأن تطبيقات هذه القوانين المتصلة بالتعليم عاملاً مهماً في ضمان حمايته في جميع الظروف والأحوال، وهذا يمكن أن يتحقق بنشر مبادئ توجيهية تتناول أحكام القانون الدولي (دليل قانوني)، كما عمل على ذلك المرجع المشار إليه أعلاه والموجود في قائمة المراجع، فهو جهد مقدر تُشكر الجهات القائمة عليه. 

 


المراجع:

  1.  كريستين هوسلر وأخرون – حماية التعليم في ظروف انعدام الأمن والنزاعات المسلحة – دليل قانوني – المعهد البريطاني للقانون الدولي والمقارن – قطر 2012   
  2.  مانديب اوبرايت مندوبة اليونيسف في السودان – السودان على وشك ان يصبح موطنا لأسوأ كارثة تعليمية في العالم بسبب تعرض الأطفال لاهوال الحرب لحوالي نصف عام) جريدة الشرق الاوسط www.Goole.com/amp/s/ash 
  3. نور علوان – التعليم وقت الحروب كيف يمكن المحافظة على أولوية الدراسة منشور على www.noonpost   
  4. اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات منشور على www.un.org/ar/……   
  5.  تحديات التعليم في زمن الحروب – منشور على www.arabeducation.com 
  6.   قرار محكمة الجنايات الدولية في قضية لوبانغا”، المتاح على العنوان: www.ejiltalk.org/direct-and-active-participation
  7. قضية قبرص ضد تركيا – طلب رقم 94/2578 أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان  –  2001 .

البحث في Google:





عن د. اخلاص محمد عبد الحي

مدرسة كيمياء -دكتوراه فى المناهج وطرق التدريس - أستاذ مساعد (متعاون ) جامعة السودان باحث في مجال المناهج وطرق التدريس - مدرب معتمد بوزارة التربية - السودان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *