فيروس كورونا و التعليم

أهمية تحديث الأساليب التعليمية – من وحي جائحة كورونا العالمية

أسوأ كوابيس العالم

شهد العالم في الآونة الأخيرة أسوأ وأفظع كوابيسه على الإطلاق، وترنح بين أزمات عدة بدأت بالربيع العربي الذي خلخل الأمن والطمأنينة ليس في الوطن العربي وحده، بل في كافة أركان العالم بأثره البالغ على خارطة الاقتصاد والسياسة العالمية، وأعقب الربيع العربي مباشرة  جائحة كورونا التي حصدت الأرواح وأوقفت كافة ضروب الحياة وجعلت من الدول التي كنا نسميها  الدول العظمى أضحوكة كبرى وعمدت إلى إذلالها وخلخلت نسيجها الاجتماعي الهش، وفرقت بين أفراد الأسرة الواحدة وغيرت المفهوم العام للحياة في كافة بقاع العالم، حتى ظن الكثيرون منا أنها مقدمات يوم القيامة (يوم يفر المرء من أخيه وأُمّه وأبيه وصاحبته وبنيه) بعد أن شهدنا الحقيقة المرة وأيقنا أننا نعيش في زمن لا يوجد فيه ذلك الرابط الأسري القوي الذي يجعل الفرد يضحي بحياته لإنقاذ الآخرين بغض النظر عن صلة القرابة، بل بعكس ذلك رأينا أفراد الأسرة يمتنعون عن استلام جثث المتوفين وسمعنا أباء يناشدون أبناءهم القدوم والنظر خلف الزجاج شوقا” لهم ولكن الأبناء يمتنعون، وسمعنا الكثير والكثير من القصص المؤسفة التي دلت على التفكك الاسري والاستعداد الفطري للتباعد الاجتماعي والحقائق المؤلمة التي أوصلت لتلك الأوضاع المؤسفة.

أبرز مخرجات جائحة كورونا

لعل أبرز مخرجات جائحة كورونا وأخطرها على الإطلاق بروز العداوة الكبرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتبادل الاتهامات غير المجدية بين الطرفين فيما يختص بمن كان السبب في انتشار فايروس كورونا، وتأزم الوضع عندما تم إتهام روسيا وكذلك إيران وتركيا وغيرها… واستمر التراشق بالكلمات والعبارات الخشنة التي كادت في معظم الأوقات أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

ومن اليقين أن الجائحة حدثت وكل العالم تأذى منها وكنا نأمل في أن يكون البحث عن حلول لتخفيف أثرها البالغ هَمَّ الدول المقتدرة وذات التطور المعقول، ولكن بدلا عن ذلك شهدنا ما سبق ذكره من تبادل للاتهامات وإصرار على تثبيت الجرم على بعض الجهات التي تنفي بدورها وتأتينا بتأكيدات على تورط الجهات الأخرى، واستمر الحال حتى وقتنا هذا يتدهور بصفة يومية ولا أحد يعلم متى يتبدل الحال من سيئ إلى معقول، و في خضم هذا وذاك فقد العالم الكثير من البشر وتعطلت الحياة بصورة كبيرة وتوقفت عجلة التنمية والنماء وأغلقت المدارس والمعاهد وحتى المستشفيات صارت تغلق أبوابها أمام المرضى والمتأثرين وتخلت في معظم الأحيان عن دورها الإنساني، وبسبب ذلك عمت الفوضى وكانت الاعتداءات غير الأخلاقية على الأطباء والممرضين وغيرهم من الأطر الطبية التي لا يد لها في سياسات المستشفيات ووزارات الصحة وخلافها.

ماذا لو فكرنا في تنظيم الحياة ببدائل معقولة

هذا الوضع المأساوي جعلني أمعن التفكير في ضرورة إيجاد أوضاع احتياطية تضمن سير الحياة أثناء الأزمات ببدائل معقولة مهما كانت الأزمات والأسباب ومهما بلغت درجات الخطورة من مبلغ، وذلك حتى لا نجد أنفسنا في وضع نعجز فيه عن المحافظة على سير الحياة بوتيرة معقولة لحين انفضاض سامر الأزمات والعودة إلى الأوضاع الطبيعية خاص وأننا كلما قلنا أن الأزمة في طريقها إلى الانفراج تخرج علينا منظمة الصحة العالمية بخبر يجعلنا نفقد الأمل وننتظر المجهول ونبحلق في المدى اللانهائي. ولعل أبرز ما خرجت به علينا منظمة الصحة العالمية هو توقعات عودة الجائحة في الشتاء بصورة أكبر مما كانت عليه الشيء الذي يعني المزيد من الوقت المهدر والمزيد من المعاناة والفقر والفاقة والاعتماد على السنام الذي نضب مخزونه مسبقا. ولعل أكبر الأزمات بفضل هذه الفوضى هي أزمة توقف الإنتاج ونفاد المخزونات الإستراتيجية، مما أدى في معظم البلدان إلى مجاعات نسبية أودت بحياة الكثيرين، وفي اعتقادي المتواضع أن أزمة كورونا أدت إلى مجاعات ونقص غذائي أدى بدوره إلى نقص مناعات بعض المصابين مما أدى للوفاة، بمعنى أن كورونا وجدت الكثيرين بلا مناعة معقولة وبلا مقاومة تمكنهم من تخطى خطرها وبذلك أودت بحياتهم. وهنا تأتي أهمية وجود احتياطي غذائي مناسب يتم استخدامه أثناء الأزمات تحسبا لتخطيها بدون صعوبات مؤثرة.

وبالنسبة لأزمة التعليم والتوقف الذي سيضر بأجيال، ويقتل الروح لدى الأطفال ويخلق عدم الرغبة في العودة للتعليم بعد هذه الراحة السلبية التي دامت زهاء العام، فإن الأمر يختلف حيث يمس شريحة الأطفال والمستقبل الكبير للعالم.

الأزمة وأثرها على التعليم

من جانبي وبصفتي التربوية أجد نفسي أنساق للتفكير في الحلول الخاصة باستمرار سفينة العلم والتعليم، دون أن تتأثر كثيرا بالأزمات التي تُخل بالحياة وتتطلب التباعد الاجتماعي على شاكلة جائحة كورونا التي حيرت العالم والعلماء، والتعليم أيها السيدات والسادة هو عصب الحياة وهو المفتاح الذي يجعلنا نستمر في التطور والنهوض ومجابهة كافة متطلبات الحياة بتوازن معقول. وكلما برزت محدثات يجد لنا العلماء حلولا لها تجعلها رهن إشارتنا وتجعلنا نطوعها ونجعلها تقودنا إلى مبتغانا دون منغصات، وبالتالي فإن توقف عجلة العلم والتعليم والتعلم تكشف ظهرنا وتوقف تطورنا وتخلق فاصلا بيننا وبين مبتغانا، مما يمكن العوائق من السيطرة علينا متحدية طموحنا، ويجعلها توقف الزحف البشري نحو الرفاهية المنشودة في الحياة.

هي دعوة للاستغناء عن التعليم الحُضوري مؤقتا، في ظل الأوضاع التي تتطلب ذلك على شاكلة جائحة كورونا، وبالتالي الاعتماد بشكل كُلي على التعليم عن بعد والتعليم الذاتي إذا استمر الوضع في التأزم مثل ما يحدث الآن، على أن نعود للتعليم الحضوري بعد زوال الأزمات والأسباب، وبالطبع يصحب ذلك اعتماد التوقيع الإلكتروني بالنسبة لمحاضر التحاق الأساتذة، وهي مسألة متعارف عليها في العالم، ويمكن من خلالها استمرار الوضع بشكل مؤقت لحين العودة للوضع الطبيعي.

و للتخلص من الالتزامات التي تحدث إبان الوضع الوبائي والعودة للطبيعية يتوجب إعادة النظر في الهندسة البيداغوجية بتقليص الوحدات الدراسية، وإعادة النظر في استعمالات الزمن، ومدة الحصص وعدد التلاميذ بالوحدة ومعرفة المعلم بالإرشادات الصحية… وكل هذه الإجراءات يجب أن تحدث رويدا رويدا حتى تزول الأزمة تماما، ومن ثم تدور عجلة الطبيعية ويعود كل شيء كما كان مع الجاهزية الكاملة لإمكانية حدوث الانتكاسة والتحول السريع والتنقل من وضع لوضع حسب التوجيهات الرسمية.

من المعروف أن معظم البلدان لا تملك الإمكانات اللازمة لتطبيق نظام التعليم عن بعد وهو أمر طبيعي بسبب الإمكانات المادية والعلمية والبنى التحتية التي تتوفر للالتزام بذلك، ولذلك فإن المسؤولية في الالتزام وتنفيذ مثل هذه البرامج المكلفة والدقيقة تقع على عاتق الأمم المتحدة وأقسامها المعنية (اليونسيف كمثال) حيث يتوجب على مكاتب الأمم المتحدة تسهيل كافة العوائق التي تقف بين الدول والالتزامات الخاصة بالأطفال مثل الإنترنت عالي السرعة والأجهزة والوسائل الخاصة بالتلميذ والأستاذ والمواد التي تستخدم في مثل هذه الأساليب التعليمية، مثل الألواح الإلكترونية التي تعين التلاميذ والتدريب اللازم عموما.

كلنا نعرف مدى صعوبة تطبيق مثل هذه الأساليب ولكننا نوقن بأهميتها ونأمل أن يتم التفكير الجاد في تطبيقها بصورة تدريجية تبدأ بالبيئات الأكثر استعدادا لها، وصولا لكل تلميذ في المدن والقرى والبوادي وغيرها، مهما كانت التكلفة.

ومن باب أولى يتوجب الصرف على التعليم وضمان ديمومته حتى نسد بابا كانت تأتي به الريح والتأكد من إغلاقه جيدا من أجل مستقبل أفضل لكل العالم.

 

البحث في Google:





عن عزالدين رحمة الله فضل

مدير إدارة التخطيط والتدريب بالمركز القومي السوداني لمكافحة الألغام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *