واقع صورة المعلم في الدراما العربية

هذا المقال هو الأول من سلسلة مقالات حول صورة المعلم في الدراما العربية والأجنبية دراسة مقارنة، ينشرها الدكتور إيهاب إبراهيم السيد محمد حصريا على صفحات تعليم جديد.

تهدف الدراما إلى تطوير الخيال والإبداع حيث نشأ المسرح المصري القديم في داخل المعابد المصرية القديمة مقتصرا على فئة من الكهنة كممثلين ومساعدين ومشاهدين، خلافا لنشأة المسرح اليوناني القديم الذي بدأ التمثيل عليه في الهواء الطلق وفي الأماكن المفتوحة. وفي كلتا الحالتين مثل الإبداع الدرامي نقطة انطلاق لحمل رسالة إطارها فني ومضامينها متشعبة، لكنها موجهة فكريا.

ويعد المعلم من أهم الركائز في عملية التعليم ويتلخص دوره في تكوين مجالات للتعلم وليس التلقين، وهو العنصر  الرئيسي في صناعة التعليم لا شك في ذلك، فالعنصر البشري هو الأهم في هذه الصناعة. ويواجه المعلم تحديات متنوعة تفرض عليه بطريقة أو بأخرى أن يمتلك الكثير من المهارات والمعارف ليستطيع بتلك المهارات مسايرة الواقع المتسارع النمو ومسايرة تضاعف المعرفة بشكل عام والكم المعرفي فى التعليم بشكل خاص. 

تأسيا على  ما سبق، فإن التوظيف  الأمثل للدراما المبنية على التخطيط الهادف البناء وفق منهجية مدروسة تعمل على تحقيق المبتغى المنشود منها، وتتطلب الرؤية الثاقبة من لدن منفذيها، لأنها ذات أثر كبير قد يعود بالنفع الوفير على شخصية المتلقي، ومدى تكيفه مع ما يحيط من حوله.

ولما كان لفن الدراما من دور وأهمية في تشكيل وعي الشعوب وتوعيتها لواقعها كان لابد من إلقاء الضوء على مفهوم الدراما، و كيفية توظيفها في تحسين نتاجات العملية التعليمية التعلّمية.

الدراما كلمة إغريقية قديمة تعني ” أنا أفعل ” وتتكون في العادة من فعل له بداية ووسط ونهاية، وتنحصر في أنها نشاط معرفي يتسم بالوعي، ويتمتع بمزايا كثيرة منها الحركة والتمثيل، والفعل الجماعي، وقد يجسد هذا الفعل رؤية خيالية بشكل محسوس.

ومصطلح الدراما يشمل النص الذي يقوم على فكرة إبداعية، وتعرف بأنها شكل من أشكال الفن الأدبي القائم على تصور الفنان لقصة ما تدور حول شخصيات تدخل في أحداث من خلال قصة، وتتسلسل أحداث هذه القصة من خلال السيناريو ذي الحبكة الدرامية و الحوار المتبادل بين الشخصيات، ومن خلال الصراع الذي ينشأ بين الشخصيات، وينتهي عن طريق الفصل بين القوى المتصارعة. وتتجسد هذه الصورة عن طريق الأدوار التى يلعبها الممثلون والديكور المناسب للحدث، والملابس والإضاءة والموسيقى التصويرية.

  ومن أهم المصطلحات المرتبطة بالدراما مصطلح (السيكو دراما) والذي يتكون من كلمتين هما النفس ودراما ومعناها السلوك والتمثيل، فالسيكو دراما كلمة مركبة تعني الدراما النفسية وهي من أشكال المعالجة النفسية من خلال التقنيات الدرامية. وركز العلماء في العصر الحاضر على العلاج بالدراما مستخدمين بعض تقنيات علم النفس العلاجية. فأسلوب السيكودراما هو شكل من أشكال استكشاف النفس يقوم على أسس نفسية وعلاجية إرشادية في المقام الأول.

ونشأت فكرة الدراما في بادئ الأمر من الحاجة الملحة للسيطرة على تجارب الحياة المختلفة حيث سعى الإنسان الأول إلى اكتشاف ممنهج لمعنى هذه التجارب ومحاولة استنباط قوانينها، لتحويلها لصالحه في صراعه الحثيث من أجل البقاء. فقبل خروجه إلى الصيد على سبيل المثال كان يحاول القيام بتمثيل رحلة الصيد، وما بها من حوادث ومخاطر وصراعات، ويحاول الوصول إلى هدفه في النهاية، وكان التمثيل في أحيان كثيرة وسيلة مهمة للنجاح في رحلة الصيد المقبلة.

نأتي إلى واقع صورة المعلم فى الدراما العربية ونلقي الضوء عليها قليلا لمعرفة هل أعطت الدراما العربية الصورة الصحيحة عن المعلم أم ساهمت فى طمث الحقيقة المهمة لدور المعلم في المجتمعات العربية.

وفي السطور القليلة القادمة سنلقي الضوء على تلك الصورة من خلال استعراض بعض الأعمال الدرامية العربية التي تناولت المعلم ومحاولة التعقيب عليها لمعرفة الدور الحقيقي للدراما في رسم صورة المعلم في المخيلة العربية.

انقسمت الأعمال الدرامية التي تناولت شخصية المعلم إلى قسمين:

القسم الأول تناول الجانب الشخصي في المعلم بعيدا عن ظهوره إلا نادرا داخل المدرسة كما يلي:

من أبرز أدوار المعلم نجد الثنائية التي قدمها الفنان شكري سرحان والفنان عبدالمنعم إبراهيم، في فيلم “السفيرة عزيزة” فى ستينيات القرن الماضي حيث لم يتدخل الفيلم قط في تفاصيل الدراسة و المدرسة والتدريس داخلها بل ركز على الحياة الشخصية للبطل حيث جسّد الفنان شكري سرحان دور المعلم الذي يبحث عن الاستقرار، لكنّه يواجه الشر الذي ينشره جاره الجزار في المنطقة، أما الفنان عبد المنعم إبراهيم فقد جسّد شخصية معلم اللغة العربية، الذي يتحدث باللغة العربية الفصحى، ويستخدمها وسط أصدقائه.

قدم الفنان أحمد مظهر في فيلم ” غصن الزيتون”  في ستينات القرن الماضي دور المعلم الذي تزوج بطالبة من طالباته، وقد ركزت أحداث الفيلم على الجانب الشخصي والنفسي للمعلم وركزت على غيرته الشديدة على زوجته مما أثر على حياته الزوجية التي كادت أن تنهار.  

قدّم الفنان حسين فهمي فى فيلم “انتحار مدرس ثانوي” في سبعينيات القرن الماضي دور المعلم المغلوب على أمره والذي أرهقته كثرة الزيجات وتقلبات الأسعار وقد لجأ لتعدد الزوجات طمعاً في أن يصبح أباً، لتتحوّل زوجتاه إلى مصنع أطفال، فضاق عليه الحال لينتهي به الأمر منتحراً في مياه النيل.

قدم الفنان نور الشريف، في فيلمه “آخر الرجال المحترمين” في ثمانينيات القرن الماضي شخصية المعلم الريفي البسيط الذي يتخبط ما بين تقاليده الريفية الراسخة، وحياة المدينة الصاخبة، ويظهر هذا جلياً بعد ذهابه في رحلة مدرسية مع تلاميذه لزيارة معالم القاهرة ومنها حديقة الحيوان في محافظة الجيزة، واختطاف امرأة مريضة نفسياً من سكان محافظة القاهرة إحدى التلميذات، فقد ركز الفيلم على الجانب الإنساني لشخصية المعلم خارج الصورة الدرامية المعتادة. 

جسدت الفنانة سميرة أحمد فى مسلسل”إمرأة من زمن الحب” فى ثمانينات القرن الماضي شخصية المعلمة في سن التقاعد، والتي تقوم برعاية أبناء أخيها وبث القواعد والمبادئ فيهم خاصة وأنهم فى سن المراهقة وقد تربوا خارج حدود البلاد وعملت جاهدة  على رسم حياة منضبطة لهم بعد وفاة والدتهم، متمسكة بالقيم الاجتماعية التي تربّت عليها في نشأتها.

كما قدم الفنان نور الشريف فى مسلسل “حضرة المتهم أبي” أوائل هذا القرن دور معلم بالمرحلة الثانوية يمتنع عن إعطاء الدروس الخصوصية، بالرغم من تعرضه لضغوط كثيرة تمثلت في ضيق زاد اليد لكنه ظل متمسكا بالقواعد الأساسية التي تربى عليها ولم يغادرها رغم الضغوط الشديدة عليه.

رسخت تلك الأعمال الدرامية صورة ذهنية جيدة عن مهنة المعلم وتسببت في لعب المعلم دورًا محوريا في المجتمع وإعطائه حقه، فقد تم تقديم المعلم في صورة متزنة وراقية حتى في طريقة ارتداء الملابس فقد كان يذهب للمدرسة بزي رسمي منسق ومنمق ونظيف يدل على مكانته العلمية الرفيعة ومكانته العالية داخل المجنمع. 

القسم الثاني تم التركيز فيه على طريقة وأداء المعلم داخل الفصل كما يلي: 

قدّم الفنان نجيب الريحاني في فيلمه “غزل البنات” في أربعينيات القرن الماضي أشهر نماذج المعلّم في السينما، فنجده في بداية الفيلم رجلاً بائسا لا يجد قوت يومه، ويعمل مدرس لغة عربية، لابنة أحد الأثرياء، وبهذه الشخصية البائسة يبدو المدرس ذليلا لهذه الطبقة، والتي تسخر من ثيابه ومن علمه.

 وجسد الفنان حسين رياض فى فيلم  “زقاق المدق” في خمسينيات القرن الماضي دور معلم اللغة الإنجليزية المضطرب نفسياً والذي أصبح مادة ساخرة لأهل الزقاق.

وقدم الفنان عادل إمام والفنان سعيد صالح مسرحية مدرسة المشاغبين في أواخر سبعينات القرن الماضي وهي أسوأ النماذج التي قدمت العلاقة بين الطالب والمعلم، وتعتبر عند كثير من النقاد ” المهزلة الكبرى ” وكان لها أكبر الأثر في القضاء على هيبة المعلم وتحقيره وتشويه صورته ودفع الطلاب إلى التجرؤ على المعلم.

أعاد الفنان عادل إمام الكرة مرة أخرى في فيلم” الإنسان يعيش مرة واحدة ” في تسعينات القرن الماضي وجسد دور المعلم السلبي، والذي يلعب القمار ويشرب الخمر في الليل ثم يذهب صباحاً إلى المدرسة، بالإضافة إلى تعديه على رئيسه في العمل الذى يحوله للتحقيق بعد ضبطه مخمورا داخل الفصل ويتم نقله خارج المحافظة معاقبًا.

قدم الفنان أحمد زكي في فيلمه “البيضة والحجر” في تسعينيات القرن الماضي شخصية معلم الفلسفة، الذي حوّلته مبادئه للتحقيق، لأنّه دعا الطلاب للتمسك بالقيم والمبادئ، فضاقت به الدنيا، وخسر عمله الذي كان لا يكفل له حياة كريمة، فاستخدم حيلة الدجل والشعوذة، ليصبح صاحب سلطة ومال في المجتمع.

قدم الفنان علاء ولي الدين في فيلمه” الناظر” في بداية الألفية الثالثة فاصلا من السخرية المفرطة من المعلم وأظهرته في حاله مادية بائسة، وشخصية غير متزنة.

وقدم الفنان محمد هنيدى في فيلمه “رمضان مبروك أبو العلمين حمودة” منتصف أوائل الألفية الجديدة والذي ظهر فيه المعلم مادة ثرية للسخرية من قبل طبقة أبناء الوزراء والأثرياء، والذين لا يهتمون بالتعليم بل يتّخذون المدارس كنوادي للاستمتاع بالمقالب اليومية التي يمارسونها على المعلمين. 

تسببت تلك الأعمال الدرامية التي سخرت من مهنة المعلم في انهيار العملية التعليمية وصار المعلم هو عنصر الضحك والهدف الدائم لحيل وألاعيب الطلاب وأصبح المعلم لا يلقى احتراما من لدن الطلاب والمجتمع. 

 في نهاية هذا المقال نجمل صورة واقع المعلم فى الدراما العربية، فقد لعبت الدراما دوراً رئيساً في تحريك الوعي الجمعي للشعوب العربية تجاه المعلّم والعملية التعليمية بشكل عام، فقد غفلت عن الجانب الإنساني للمعلم، واعتبرته تاجراً يسعى إلى الكسب فقط، فجردته  تدريجياً من رسالته السامية، وبفعل عوامل اقتصادية ومعيشية صعبة تمر بها قطاعات عريضة من الشعوب العربية تحوّل المعلم فقط إلى تاجر علم، ومادّة خام للسخرية الدرامية التي لم تكف عن هذا التوجه منذ عقود.

 


المراجع:

 جابر عيد الحميد (1986)، مهارات التدريس، دار النهضة العربية، القاهرة.

 سمير حسين (1984)، الإعلام والتواصل بالجماهير والرأي العام، عالم الكنب القاهرة.

 عبد الحميد شكري (2003)، الدراما الإذاعية، (ط2)، دار الفكر العربي، القاهرة.

 مصطفى الزركوي (2015)، السيكودراما التربوية، فاس بريس، الطبعة الأولى، أكتوبر، المملكة المغربية.

 يحيى نبهان (2004)، طرائق تدريس الاجتماعيات وتطبيقاتها العملية، دار يافا للنشر والتوزيع، الأردن.  

 

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

تعليق واحد

  1. أيا كان

    تعريف الدراما ناقص هنا.. لأنها تعني ترك المتكلم يتكلم بنفسه و ليس نقل كلامه.. لذلك فهو يقوم على الحوار..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *