التقييم الذاتي ونظرة موضوعية للواقع تحديد مواطن “الخطر”

هذا المقال بعنوان: ”التقييم الذاتي ونظرة موضوعية للواقع تحديد مواطن ” الخطر” هو الأول من سلسلة مقالات حول حتمية الإصلاح التربوي في ضوء تحليل تقرير أمة في خطر، ينشرها الدكتور إيهاب إبراهيم السيد محمد حصريا على صفحات تعليم جديد.

أغسطس 1981تم التوجيه بإنشاء لجنة وطنية للتميز في التعليم داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتم توجيه هذه اللجنة إلى تقديم تقرير حاسم وموضوعى عن جودة التعليم داخل الولايات المتحدة الأمريكية بحلول إبريل 1983.

تكونت تلك اللجنة من كبار الأساتذة الجامعيين ورؤساء الجامعات السابقين والحاليين وعمداء الكليات السابقين والحاليين وكبار اعضاء مجالس إدارات المدارس الأمريكية في مراحل التعليم المختلفة وتضمنت اللجنة كافة أنظمة التعليم داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

ما بين أغسطس 1981 وإبريل 1983 دارت المشاورات الحاسمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أو بالمعنى الأدق في مستقبل التعليم داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

احتل التقييم الذاتي وبنظرة موضوعية المرتبة الأولى في معايير تلك اللجنة لمعرفة مواطن الخطر داخل منظومة التعليم داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

كانت أهداف تلك اللجنة تتلخص وبصفة خاصة في تحديد المشاكل التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية في التعليم وتقديم الحلول، وليس البحث عن كبش فداء لتقديمه للرأي العام الأمريكي.

لقد تناولت اللجنة القضايا الرئيسية كما رأتها فعليًا، وتناولت اللجنة المسائل الثانوية بكل تفاصيلها.

لقد كانت تلك اللجنة صريحة  في مناقشاتنا و لقد كانت صريحة إلى أبعد الحدود فيما يتعلق بنقاط القوة والضعف في التعليم داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تضمن ميثاق إنشاء اللجنة العديد من المهام المحددة التي أولت  اللجنة بها اهتماما خاصًا وقد اشتملت تلك المهام على ما يلي:

  • تقييم جودة التعليم والتعلم في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يتم تقديمه للجمهور داخل مؤسسات التعليم في المدارس والكليات والجامعات الحكومية الخاصة.
  • المقارنة وبموضوعية شديدة لنواتج التعلم في المدارس والكليات والجامعات الحكومية والخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية مع نواتج التعلم في المدارس والكليات والجامعات الحكومية والخاصة للدول المتقدمة الأخرى.
  • دراسة مستوى تحصيل الطلاب في المدارس الثانوية بجميع أنظمتها وعلاقته المباشرة وغير المباشرة بمتطلبات القبول في الجامعات والكليات.
  • التطلع إلى البحث عن برامج علمية حديثة ومتقدمة نستطيع من خلالها التوصل إلى طالبا متفوقاً بحدث الفارق عند التحاقه بالجامعات والكليات المختلفة ويستطيع المنافسة مع نظائره في الدول الأخرى.
  • تحديد حجم التغيرات داخل منظومة التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة التغيرات الاجتماعية والتربوية والتي حدثت بالفعل في ربع القرن الأخير وقمت بالتأثير بشكل مباشر على منظومة التعليم والتعلم داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
  • لمتابعة المسار المتميز للتعليم والتعلم داخل الولايات المتحدة الأمريكية كان لزامًا على اللجنة تحديد أغلب المشاكل التي أثرت على تغير ذلك المسار بدقة بالغة ومحاولة التغلب عليها على أكمل وجه بنجاح.
  • التركيز بشدة على السنوات والمراحل التمهيدية التى تسبق المرحلة الإبتدائية الأولى وكذلك السنوات الأولى التييقضيها الطالب في المدارس الابتدائية.
  • توجيه الاهتمام لجميع فئات الطلاب وبوجه خاص الشباب في مرحلة المراهقة والمساعدة على توجيه الشباب للبوصلة الصحيحة في تلك الفترة الصعبة من حياتهم.

وقد اعتمدت تلك اللجنة بشكل رئيسي في القيام بعملها على مصادر رئيسية للمعلومات نستعرضها في السطور القادمة كما يلي:

  • ملاحظة مباشرة وغير مباشرة لمجموعات عشوائية من مدارس مراحل التعليم المختلفة وكذا الكليات والجامعات.
  • التحليلات الحالية الواقعية للمشاكل المختلفة لمراحل التعليم المختلفة ولكل الأعمار.
  • شهادات مباشرة لمجموعات من العاملين داخل حقل التعليم منهم أولياء الأمور في كافة المراحل التعليمية وممثلي النقابات المهنية وأعضاء مجالس إدارة المدارس و الإداريين و والطلاب والمعلمين ورجال الأعمال من المهتمين بقضايا التعليم وموظفين من جميع الولايات، وعلماء في أغلب التخصصات سواء في العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية الذين أدلوا بشهاداتهم في ثمانية اجتماعات لتلك اللجنة، أضف إلى ذلك عدد ستة جلسات استماع عامة، وحلقتي نقاش، وندوات كثيرة.
  • سلسلة من اللقاءات الحوارية المباشرة و التي قامت بتنظيم فاعلياتها وإدارتها جميع مديريات التربية والتعليم بكافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
  • رسائل من المعلمين والمواطنين المهتمين بقضايا التعليم والإداريين بمراحل التعليم المختلفة وأغلبهم من المتطوعين واشتملت تلك الرسائل على تعليقات واسعة النطاق على أغلب المشاكل التي تواجه التعليم الأمريكي وبكل موضوعية ودون إخفاء أي حقيقة يمكن أن تساهم في الإصلاح.
  • أوراق علمية مقدمة من خبراء في التربية وخبراء في التعليم سواء في المراحل ما قبل التعليم الابتدائي مروراً بالتعليم الابتدائي و المرحلة الثانوية وصولاً إلى الجامعات والكليات المختلفة التخصصات والتي تمحورت حول مجموعة متنوعة من القضايا التعليمية الهامة.

تحديد مواطن الخطر

تتحدث المقولة الشهيرة على أن التاريخ لا يرحم المتكاسلين، بدأت تلك اللجنة تحديد مواطن الخطر في التعليم والتعلم داخل الولايات المتحدة الأمريكية بتلك الجملة وتحدثت اللجنة فقالت:

كانت وفرة الموارد الطبيعية داخل الولايات المتحدة الأمريكية من الأشياء التي كانت تُأمن لنا المستقبل لقد مضى وقت غير قصير على ذلك.

لقد أصبح العالم بالفعل عبارة عن قرية كونية عالمية واحدة، نحن نعيش ونتعايش بين  مجموعة شرسة وغير قليلة من المنافسين المصرين على المنافسة بقوة والذين يتحصنون بجودة تعليم وتعلم بدرجة امتياز والمتحمسين بقوة للبقاء في تلك المكانة والمحافظة عليها أطول وقت ممكن.

نحن نتنافس معهم وبشراسة ليس على السيطرة على المكانة والأسواق الدولية وجودة المنتجات وانتشارها على مستوى العالم فقط، ولكن أيضًا مع الأفكار الجديدة الحديثة والتي تبقي من ينتجها في تلك المكانة أطول وقت ممكن.

ربما كان شكل ومضمون الولايات المتحدة الأمريكية في أنظار العالم الآن معقولاً بنسبة كبيرة لأننا لازلنا نمتلك مجموعة منتقاه من المتحمسين لذلك وهم قادرون على إحداث الفارق حتى الأن ولكن ماذا عن ذلك في المستقبل القريب؟.

    أوضحت اللجنة أنه لا يقتصر الخطر الذي تقع فيه الولايات المتحدة الأمريكية الأن على:

إن السيارات اليابانية تنتج بكفاءة ودقة بشكل أكثر من السيارات الأمريكية وأن تلك السيارات تصدر الآن لأغلب دول العالم وأن نسبة الإعانات الحكومية اليابانية على مستوى التنمية أفضل منها في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأن الكوريين الجنوبيين أنشأوا بالفعل مصنع من أكبر مصانع إنتاج هياكل السيارات  في العالم ويدشنون الأن مصنع من أكبر مصانع الصلب في العالم.

أو أن المنتجات الأمريكية على مستوى الآلات يتم استبدالها الأن بالمنتجات الألمانية.

إن الخطر الحقيقي يكمن في ندرة المعرفة والمعلومات والبرامج التي تقوم باكتشاف الطالب ذو الذكاء الماهر وهي أحدث مواد خام على مستوى العالم والتي نمتلك منها القليل حتى الآن ونبحث اليوم من خلال هذه اللجنة على توفير المزيد والمزيد منها لأنها هي وقود المستقبل القريب والبعيد.

إن الميزة التنافسية التي لا نزال نحتفظ ببعض منها كشعب للولايات المتحدة الأمريكية في الأسواق العالمية، يجب أن نكرسها لإصلاح نظامنا التعليمي.

التعلم هو الاستثمار الذي لا غنى عنه وهو السلعة التي نحتاجها بشدة لتحقيق النجاح في “عصر انتشار وانفجار المعلومات”.

شعب الولايات المتحدة الأمريكية، بحاجة الآن إلى معرفة أن الأفراد في مجتمعنا لديهم الآن قصور في امتلاك مستويات المهارة ومعرفة القراءة والكتابة والتدريب الضروري لهذا العصر الجديد.

بشكل أو بآخر قد تم حرمان جزء ليس بالقليل من الشعب الأمريكي فعليًا من حقوقهم، ومن فرص المشاركة بالكامل في الحياة الوطنية بعد تدنى مستوى التعليم الذى يتلقونه.

إن جزءا كبير مما هو معرض للخطر الفعلي هو الوعد الذي تم تقديمه لأول مرة عند إنشاء هذه الدولة من القيادات الأولى للولايات المتحدة الامريكية وهو: ” الجميع بغض النظر عن العرق أو الطبقة أو الوضع الاقتصادي، يحق لهم الحصول على فرصة عادلة

وهذا الوعد يعني أن جميع الأطفال يحق لهم الحصول على فرصة عادلة في التعليم الممتاز.

أشار” توماس جيفرسون ” منذ فترة طويلة في كتابه الشهير القول المأثور: بقوله “لا أعرف مستودعًا آمنًا للقوى المطلقة للمجتمع سوى الناس أنفسهم”

استخلصت اللجنة في تقريرها أن الخطر الحقيقي يكمن في تدني مستوى التعليم في جميع المراحل العمرية من الصفوف الأولى للتعليم مرورًا بالمراحل الثانوية والجامعية فالتعليم والتعلم الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية لا يرقى إلى المستوى المأمول والذي يؤهل المواطن الأمريكي للمنافسة العالمية في شتى المجالات بصورة جيدة.

لقد ارتفعت الأصوات عاليًا  من خلال تلك اللجنة محذرة من المستقبل المظلم الذى ينتظر الولايات المتحدة الأمريكية إذا استمر وضع التعليم على ما هو عليه في وقت كتابة التقرير لأن التأخر في علوم الرياضيات والفيزياء وباعتبارهما أساسَ أي تقدم تكنولوجي وتقنى سيؤدى إلى تراجُع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم.

إن الولايات المتحدة الامريكية وفي عز قوتها عالميًا في هذا التوقيت كانت ترى أنها في خطر بسبب تراجع التعليم والتعلم وتخلفه من وجهة نظر تلك اللجنة عن دول أخرى.

تبقى كلمة أخيرة أتحدث فيها عن المفهوم العبقري ” التقييم الذاتي بموضوعية” وهو المفهوم الذي قامت عليه بعد ذلك كل أنظمة الجودة سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية او خارجها.

لقد أوضحت اللجنة في تقريرها أنها لم تكن تبحث عن “كبش فداء” لتلصق به تهمة تدنى التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية في كل مراحل التعليم ولكنها وفق التقييم الذاتي بموضوعية وقفت أمام المرآة ووصفت وفق معايير محددة ما شاهدته في المرآة من عيوب ونواقص فعلية.

وحددت بكل موضوعية مواضع النقص والقصور في مراحل التعليم المختلفة ولم تتهم أحد بذلك القصور وبدأت في تفنيد ذلك القصور وفق معايير عديدة ومستويات معيارية أدق كان من بينها معيار مقارنة جودة التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية مع جودة التعليم في الدول المتقدمة الأخرى والتي سبقت الولايات المتحدة الأمريكية في التعليم في جودة على مستوى جميع المراحل وهذا ما سنلقى عليه الضوء في المقال الثاني.

قائمة المراجع

  • Ansari,Tamim.(2018) Education at Risk, Fallout from a Flawed Report
  • Bracey, Gerald(2018) Righting Wrongs. Journal of Educational Research
  • Fiske, Edward (1983) Top Objectives Elude Reagan As Education Policy Evolves, New York Times.
  • Fiske, Edward (2017) Strong American Schools Making Education a Priority,Issues

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

3 تعليقات

  1. موضوع ممتاز

  2. وضعت اصبعك على الداء

  3. منصف علوي

    على دولنا العربية الاهتداء بمنهج هذا المقال لاصلاح المنظومات التعليمية المهترئة وتجنب وقوع هذه الامة
    وما عشناه منذ الخمسينات وبالاخص بعد 2010 كفيل بان يجعلنا نعيد النظر في كل خياراتنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *