التعليم المنزلي

التعليم المنزلي : هل هو ضرورة أم تعويض لغياب المدرسة؟

” ليس التعليم هو تعلم الحقائق، بل تدريب العقل على التفكير”
ألبرت أينشتاين

عبر التاريخ عُرف التعلم بشكل ذاتي، و كان العديد من العلماء العصاميين الذين اعتمدوا على أنفسهم في التعلم، و صبروا و صابروا من أجل بناء صرح المعرفة في عقولهم، يقضون الساعات الطوال في القراءة و التأليف، يمحصون الأفكار و يحاولون بناءها بناء منطقيا يحاجون به القراء، و قد يأخذ منهم الكتاب السنوات الطويلة من أجل إخراجه إلى الوجود، فتركوا لنا بناء معرفيا متميزا.

هل نحن في حاجة للمدارس؟

سؤال يطرح نفسه الآن، هل نحن في حاجة إلى المدارس بشكلها الحالي، شكل لم يتغير منذ نشأتها مع الثورة الصناعية، و حاجة الرأسمالية آنذاك لليد العاملة المتعلمة القادرة على تشغيل الآلة وإدارة عجلة الإنتاج، بما يسمح للرأسمالية المتوحشة بمزيد من الأرباح و المداخيل. و قد كان العمال آنداك يعانون من طول ساعات العمل و غياب التغطية الصحية و انعدام الإجازات حتى ظهرت النقابات للدفاع عن حقوق العمال. إن المدرسة تعيد إنتاج الطبقات كما هي الآن، كما أخبر بذلك بورديو في كتابه :” إعادة الإنتاج“، حيث أكد أن المدرسة وسيلة إيديولوجية تسعى من خلالها الأنظمة إلى إعادة بناء الطبقات داخل المجتمع بما يمكن من استمرارها بالشكل الحالي، و هو ما يجعلنا نتوقف عند العديد من وظائف المدرسة في العصر الحالي.

كورونا و الحاجة للتعليم المنزلي

بعد انتشار فيروس كورونا بشكل مفاجئ، جعل منظمة الصحة العالمية تصنفه وباء و جائحة ينبغي الاحتياط اللازم لها، و توقفت الدراسة بالعديد من الدول، توقفت الدراسة و لم يتوقف التعلم، أغلقت المدارس و لم يغلق باب القراءة، توقف التعليم المبني على التلقين و بقي التعلم  المبني على البحث الذاتي و بناء المعارف ذاتيا، خرجنا من منطقة الراحة إلى منطقة الانشغال بالبحث الذاتي و بناء التعلمات وفق نماذجنا التعلمية، وفق إيقاعنا الخاص في التعلم، وفق نمطنا في التعلم.

من المدرسة إلى مدرسة الحياة

ماذا يمكن أن يتعلم الطفل(ة) في البيت؟ ما هي التعلمات الموجودة في البيت و لا توجد في المدرسة؟ ما هي الإمكانيات التي يملكها الوالدان و لا يملكها المدرس(ة)؟ هل أصبح البيت عالة على المدرسة بعدما كانت المدرسة الأولى في حياة الطفل؟ و بذلك ننتقل من مدرسة الحفظ و التلقين إلى مدرسة الحياة، التي تساعد شباب اليوم على بناء مهاراتهم الحياتية.

فوائد التعليم المنزلي 

يتميز التعليم المنزلي بفوائد كثيرة منها:

اجتماع العائلة كلها للتعلم: فالأمر لا يخص المتعلم وحده، فالكل مدعو إلى بدء عملية التعلم و بناء أفكار جديدة و قواعد جديدة للحياة و مهارات أخرى تساعدنا على تطوير أدائنا في الحياة، فالتعلمات الجديدة تمنحك إحساسا بالتجديد.

زيادة الدافعية للتعلم: ففي البيت ينبغي تجنب العقوبة و دفع الطفل(ة) للتعلم بالقوة، بل بالتحفيز المستمر و بناء قناعات لدى الطفل بكون التعلم في صالحه و من ضرورات الحياة.

الانتقال من زمن التعليم إلى زمن التعلم: و إذا حدث التعلم في المنزل، كان أشد تماسكا و استمرارا عكس التعلم في المدارس فهو مرتبط بالامتحان، فالطفل يشحن ليجتاز الامتحان فقط، دون أن يحتفظ بتلك التعلمات من أجل الحياة.

معرفة دور المدرس: من خلال هذه التجربة يعترف الوالدان بالمسؤولية الملقاة على عاتق المدرس و على التعب و العنت الذي يعانيه من المتعلمين طول السنة من أجل إن يعلمهم و يدربهم على مهارات الحياة، و كذلك يستشعر المتعلم دور مدرسه و ضرورة حضوره في عملية التعليم والتعلم.

جدول مرن و تعلم فردي: يستفيد المتعلم في التعليم المنزلي من حصص أكبر و من مرونة في استعمالات الزمن، و يمكنه ذلك من الاطلاع على العديد من العلوم و الثقافات، لكنه في المقابل لن يجد المتابعة اللازمة، في غياب تخصص الوالدين و تمكنهما من بيداغوجيات التدريس.

هؤلاء تعلموا في بيوتهم؟

درس أديسون في المدرسة ثلاثة أشهر، و تم طرده منها بحجة أنه غبي و لا يصلح للمدرسة، فقامت الأم بإخفاء ذلك عنه، و باعت حليها التي تملك و أعدت له مختبرا في البيت و قد عرف بعدة صفات تميز أطفالنا اليوم مثل:

  • شغفه الكبير بكل ما هو جديد في شتى المجالات و كرهه الشديد للروتين.
  • كان كثير الأسئلة و كانت أمه تتجنب الإجابة على أسئلته الكثيرة.

فتحت له أمه باب القراءة، فقرأ العديد من الكتب في التاريخ و العلوم و هو لم يتجاوز 11 من عمره، كان قد تجاوز 1000 براءة اختراع، فالمدرسة لاتشجع على الإبداع و تجعل المتعلم يدخل في دوامة الحفظ و الاستعداد للامتحان و السباق للحصول على أحسن نقطة في الفصل، في حين نغفل عن توجيه الطفل نحو ميولاته و تغذيتها حتى يستمر شغفه نحو التعلم.

خلاصة عبارة عن مجموعة من القواعد

  • لا ينبغي أن يتوقف التعلم مهما حصل، و هو غير مرتبط بالمدرسة أو بالامتحانات أو بالنجاح و الانتقال بمستوى آخر.
  • التعلم مرتبط بحياة الفرد، فمتى ما توقف عن التعلم، توقف عن الحياة، فلينظر كيف سيعيش و ما الفرق بينه و بين باقي الكائنات.
  • التعلم فرصة لعيش حياة أفضل بإمكانيات أقل، فكلما زاد الانسان علما زاد فهمه لنفسه و محيطه.
  • التعلم عدوى فعندما يعمد أحد أفراد الأسرة إلى بدء التعلم، تنتقل العدوى لباقي أفراد الأسرة.

البحث في Google:





عن حميد حشادي

أستاذ وباحث في سلك الدكتوراه ديداكتيك اللغات، مكون في علوم التربية، المملكة المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *