التعليم وكورونا

أزمة التعليم والتعلم في ظل كورونا : الأفق و التحديات

يعيش العالم الآن كارثة لم يشهد مثيلا لها من قبل أو على الأقل في تاريخه الحديث، انعكست آثارها على كل جوانب الحياة  في العالم، ولم ينجو التعليم منها بل أنه كان من أكثر القطاعات تأثرا بتلك الكارثة، والذي وصفته المدير العام لليونسكو  أودري أزولاي بقولها ” لم يسبق لنا أبدا أن شهدنا هذا الحد من الاضطراب في مجال التعليم”.

ففي ظل سرعة وحجم الاضطراب التعليمي الناتج عن إغلاق المدارس والجامعات تجنبا لانتشار الفيروس بين أفرادها، وفي ظل هذا العالم المنكوب بفيروس كورونا، تسعى الحكومات إلى توفير التعليم والتعلم لأبنائها في ظل بقاء الطلاب في منازلهم بعيدا عن المدارس والجامعات يتعلمون فيها  عن بعد.

وتضاعفت أعداد الطلاب المتأثرين بإغلاق المدارس والجامعات في 138 بلداً، قرابة أربع مرات خلال الأيام العشرة الأخيرة، ليبلغ عددهم 1.37 مليار طالب، يمثلون نسبة تتجاوز ثلاثة أرباع الأطفال والشباب في العالم، كما بلغ عدد المعلمين والمدرسين المنقطعين عن الذهاب إلى عملهم قرابة 60.2 مليون شخص، وفق إحصائيات اليونسكو في مارس 2020.

ففي 16 مارس عام 2020، أعلنت الحكومات في 73 دولة إغلاق المدارس، بما في ذلك 56 دولة أغلقت المدارس في جميع أنحاء البلاد و17 دولة أغلقت المدارس داخل نطاق محدد. و قد أثر إغلاق المدارس على مستوى الدولة في أكثر من 421 مليون متعلم على مستوى العالم، بينما عرض الإغلاق محدود النطاق للمدارس 577 مليون متعلم للخطر. وفقًا للبيانات الصادرة عن اليونسكو في 10 مارس، فإن إغلاق المدارس والجامعات بسبب انتشار فيروس كوفيد-19 ترك واحدًا من كل خمسة طلاب خارج المدرسة على مستوى العالم.

أولا: المخاطر 

الأصل في التعليم أنه توجد مؤسسات مقصودة وهي المدارس والجامعات أنشأها المجتمع بغرض توفير خدمات تعليمية واجتماعية للملتحقين بها، ووفرت كل المتطلبات اللازمة لذلك متمثلة في المستلزمات المادية من أبنية وتجهيزات والبشرية من معلمين ومشرفين مؤهلين ومدربين لهذا الغرض، ولذلك  فإن إغلاق المدارس بغية الحدّ من انتشار فيروس كورونا الجديد، أدى إلى مشكلات واضطراب في تعليم ملايين الطلاب الذين كانوا يلتحقون بتلك المؤسسات، خاصة من ينتمون إلى بعض الفئات المحرومة أو ذوي الظروف الخاصة.

وانطلاقا من الدور التي تقوم به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة United Nations Educational, Scientific and Cultural UNESCO اليونسكو في مجال التعليم والتدريب فقد حصرت الآثار التي يمكن أن تترتب على إغلاق المدارس حول العالم فيما يلي:

توقف التعليم والتعلّم: فإغلاق المدارس سيؤدي إلى حرمان الأطفال والدارسين من الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات خاصة في المراحل الأولى من العمر التي تعد المدرسة ذات أهمية كبيرة في تنشئتهم اجتماعيا وتربويا، ويزداد الأمر خطورة بالنسبة لفئة الدارسين من الفئات المحرومة، الذين يحظون بفرص تعليمية أقل خارج المدرسة.

العزلة الاجتماعية:  المدارس ليست مكانا للتعليم فقط إنما هي كذلك مراكز لممارسة الأنشطة الاجتماعية والتفاعل الإنساني، وإكساب الطلاب العديد من المهارات الاجتماعية أو ما نطلق عليه المهارات الحياتية. فعندما تغلق المدارس أبوابها، يفقد الكثير من الأطفال والشباب علاقاتهم الاجتماعية التي لها دور أساسي في التعلّم والتطور، وحمايتهم مما يطلق عليه العزلة الاجتماعية بتواجدهم في المنزل تحاشيا لتفشي الفيروس في ظل حملة (الزم بيتك وتجنب الاختلاط).

الحرمان من التغذية: بعض المدارس والمؤسسات التعليمية تقدم للأطفال والشباب بعض الوجبات المجانية أو المنخفضة التكلفة كأحد الخدمات التي تعينهم على الدراسة والتي تقدمها المدارس. فحصولهم على تلك الوجبات بجانب أنها تسهم في تحسين الصحة والتغذية، تسهم أيضا في زيادة فرصهم في الحصول على التعليم وإتمام مراحله، من خلال أنها حافز قوي للأهل لإرسال أطفالهم باستمرار إلى المدرسة، وإغلاق المدارس سيؤدي إلى حرمانهم من ذلك.

صعوبة توفير تعليم بديل في المنزل بسبب عدم استعداد أو قدرة الأهل على القيام بذلك في المنزل:  فعندما تُغلق المدارس، غالباً ما يُطلب من الأهل تيسير تعليم الأطفال في المنزل، وغالبا ما يواجه الوالدان صعوبة في أداء هذه المهمة، ولا سيما بالنسبة إلى الأهل محدودي التعليم والموارد.

عدم المساواة في إمكانية الانتفاع بمنصات التعلّم الرقمية: ففي ظل إغلاق المدارس يصبح من الضروري الاستفادة من التكنولوجيا والاعتماد عليها للحصول على الخدمات التعليمية من خلال منصات التعلم الرقمية وبرامج التعليم عن بعد، إلا ان سوء حالة البنية التحتية الرقمية وضعف خدمة الإنترنت وأحيانا انعدامها يمثل عائقاً أمام ذلك وتحقيق مبدإ المساواة وتكافؤ الفرص التعليمية، ولا سيما بالنسبة للطلاب الذين ينتمون إلى بيئات فقيرة و محرومة.

التفاوت في رعاية الأطفال: غالباً ما يترك الأهل العاملون، الأطفال وحيدين عندما تُغلق المدارس في حال عدم توفر خيارات بديلة، مما قد يؤدي إلى اتباع هؤلاء الأطفال سلوكيات خطيرة، مثل زيادة تأثير ضغط الأقران وتعاطي المخدرات.

التكلفة الاقتصادية الباهظة على الأهالي بسبب وجود الأطفال في المنازل ففي ظل إغلاق المدارس:  لن يتمكن الأهل العاملون من تأدية عملهم بسبب تفرغهم لرعاية أطفالهم والبقاء معهم، مما يتسبب في تراجع الدخل في حالات كثيرة، ويؤثر سلباً في انتظامهم في أعمالهم والإنتاجية.

الضغط غير المتوقع على نظام الرعاية الصحية:  نتيجة غياب أغلب العاملين في مجال الرعاية الصحية من النساء اللواتي لا يتمكّن غالباً من الذهاب إلى العمل بسبب التزامهنّ برعاية الأطفال في المنزل نتيجة إغلاق المدارس، مما يعني غياب العديد من مقدمي الرعاية الصحية عن أماكن عملهم التي هي بأشد الحاجة إليهم في وقت الأزمات الصحية.

ازدياد الضغط على المدارس التي لا تزال مفتوحة: يشكّل إغلاق المدارس في بعض المناطق ضغطاً على المدارس بسبب توجيه الأهل والمديرين الأطفال إلى المدارس التي لا تزال مفتوحة.

عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بمدة التوقف عن الدراسة:  إن ضمان عودة الأطفال والشباب إلى المدارس عند إعادة افتتاحها واستمرارهم في الدراسة، يمثل تحدياً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإغلاق المدراس لفترة طويلة.

ثانيا: الحلول 

في ظل إغلاق المدارس والجامعات وفي محاولات للتغلب على آثار ذلك، انصب التركيز على  اللجوء في الاستفادة من التكنولوجيا وآليات  التعلّم عن بعد، من خلال منصات التعلم الرقمية ، والدروس الافتراضية المقدمة عن طريق الشبكات الاجتماعية والإنترنت، إعداد مواد دراسية خاصة يتم بثها من خلال تلك المنصات وغيرها من أدوات التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد تحقيق التواصل بين المعلمين والطلاب من خلال تلك المنصات.

وقد أسفر التعميم المفاجئ للتعلّم عن بعد صعوبات عديدة تطلبت العمل  على اتخاذ إجراءات بشأن حسن إدارة هذا الكم الهائل  من المقررات و المواد التي لم تعتمدها الوزارة أو أي جهة أخرى ذات مصداقية، وزادت من الحاجة إلى وضع قواعد تنظيمية مناسبة لمزوّدي خدمات التعلم عند بعد، لضمان الالتزام بالقواعد التي تحكم آلية تلك العملية الهامة والضرورية وتقديم الخدمة التعليمة بصورة واضحة وجيدة وبعيدا عن العشوائية والارتجال.

إن فكرة التعليم عن بعد هي فكرة قديمة ظهرت منذ زمن بعيد وقد كان يطلق عليها فكرة التعليم بالمراسلة، حيث كان الطالب يتلقى الكتب المقررة وتعليمات الدراسة بالبريد ويقوم بالمطالعة الذاتية وفي نهاية الفصل يحضر لاجتياز الامتحان.

وعلى الرغم من ان هنالك مميزات كثيرة للتعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد  منها على سبيل المثال، مواجهة زيادة أعداد الطلاب، تقليل الأعباء المادية على المؤسسات التعليمية الناتجة عن ذلك وذلك بتقليل أعداد الطلبة المتواجدين في مرافقها، وكذلك أعداد الموظفين بها، وإتاحة الفرصة للطلبة الذين يسكنون المناطق البعيدة من الالتحاق بها دون الاضطرار لتغيير مكان السكن، أو الإحجام عن إرسال الأطفال إلى المدرسة، وأخيرا الحل الحتمي للتعامل مع المشكلات التي ترتبت عن إغلاق المدارس والجامعات في ظل انتشار وتفشي فيروس كورونا.

إن نقل التعليم الصفي أو الجامعي إلى تعليم إلكتروني أو تعليم عن بعد لا يكون بضغطة زر متى نشاء و أين نشاء، وإنما يجب الاستعداد المسبق لمثل هذه النقلة النوعية والتي لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها.

فالأبحاث والدراسات تشير إلى أن تحويل ساعة صفية واحدة من النظام التقليدي إلى النظام الإلكتروني تستغرق من الوقت ما يزيد عن عشرات الساعات الفعلية يقوم بها المعلم، لذلك فإن الحديث عن أن هناك خطة بديلة لنقل التعليم الصفي إلى التعليم عن بعد في حال انتشر وباء فيروس كورونا يستلزم  من صانعي القرار الخاص بذلك الوعي بمداخل ومخارج التعليم الإلكتروني والمتطلبات اللازمة لنجاحه وتحقيق أهدافه، اعتمادا على النظريات الحديثة في تصميم المواد للتعليم الإلكتروني.

كما أشارت تلك الدراسات إلى أن التعليم الإلكتروني ليس فقط وضع المادة (بصيغة نص أو PDF) في روابط ولصقها على المواقع الإلكترونية، ثم يطلب من الطلاب القراءة فحسب، وإنما أعقد من ذلك بكثير ، بما يساعد في إطلاق العنان للطالب لكي يفكر ويتفاعل ويشارك في تصميم معرفته الخاصة، فكانت الحاجة ملحة جداً لاتباع نظريات التعليم الحديثة لتصميم المواد للتعليم الإلكتروني.

هذه النظريات تقوم على ثلاثة محاور للتأكد من أن المادة المعطاة أونلاين يمكن أن تساعد الطلبة بالخروج بنتائج تعليم مرضية وطويلة الأمد، وهذه المحاور تتمثل فيما يلي:

المحور الأول: هو الحضور الذهني، وهو ما يستلزم ضرورة أن يتم تصميم المادة والفعاليات التعليمية المرتبطة بها، بشكل يمكن الطالب من طرح مشكلة ما و اكتشاف الحلول المناسبة لها، وذلك عن طريق الحوار والتواصل بين أعضاء المجتمع الدراسي (الصف أو المجموعة) لاكتشاف حلول ممكنة، ثم تجميع تلك المعلومات وإعادة طرحها على شكل حلول مناسبة ومتعددة.

وتلك الطريقة تضمن أن الطلبة توصلوا لحل المشكلة بأنفسهم وأنهم تعلموا من طريقة تفكير الآخرين، ويمكن أن يكون ذلك ممكنا عن طريق إنشاء منصات للتواصل (ملتقيات النقاش) بين الطلبة لمناقشة الأسئلة المعدة مسبقاً من قبل معلم المادة.

المحور الثاني: (محور حضور التعليم) ويتلخص في ضرورة أن تكون الوسائل والأنشطة التعليمية قد تم تصميمها من قبل معلم المادة وكذلك حضور المعلم لحلقات النقاش وتواجده لمتابعة النقاشات، والتأكد من أنها تسير ضمن الحدود التعليمية المرسومة لها، بما يضمن تفاعل الطلاب مع بعضهم البعض ومع المادة.

المحور الثالث:  والذي يعد من أهم محاور الدراسة أونلاين، فهو (محور الحضور الاجتماعي)، ويتمثل في  أن المعلم مع الطلبة يجب أن يكونوا “حاضرين” لدعم بعضهم البعض في عملية التعلم، بما يقلل من الشعور بالعزلة ويعزز من التشاركية في الإجابة عن التساؤلات و يعزز الثقة بالمادة المعطاة وكذلك يحسن من الأداء الذهني.

فلا وجود للتعليم الإلكتروني بدون المعلم، فالتعليم الإلكتروني هو وسيلة لنقل المعلومة وتبقى الحاجة ملحة إلى المعلم كخبير في موضوع المادة المعطاة دون الاكتفاء بوضعها بشكل نص (بصيغة بي دي إف PDF) على الموقع الإلكتروني، كما أن طرق التدريس عن طريق الإنترنت تختلف اختلافًا جذريًا عن طرق التدريس التقليدية، ولذلك فإنه من الضروري أن يكون معلمو المستقبل مسلحين بالعلم وبالمادة المعطاة أو المحتوى وكذلك بأساليب التدريس الحديثة باستخدام التكنولوجيا والإنترنت.

وفى هذا الاطار قدمت منظمة اليونسكو العديد من التوصيات لضمان نجاح عملية التعلّم عن بعد خلال فترة إغلاق المدارس وانقطاع الدراسة بها من أبرزها:

التأكد من الجاهزية لتقديم التعليم عن بعد وتوافر متطلبات ذلك: إن تقديم خدمات التعليم عن بعد تتطلب ضرورة الاستعداد لذلك والتجهيز له من خلال وضع المحتوى والأنشطة التي تدعم التعليم عن بعد، واختيار الأدوات المناسبة لذلك، التأكد من توافر البنية الرقمية اللازمة لذلك، تهيئة الطلاب والمعلمين لتقبل ذلك وتدريبهم عليه.

التأكد من إدماج كل أطراف العملية التعليمة في برامج التعليّم عن بعد: من خلال اتخاذ التدابير التي من شأنها ضمان انتفاع الطلاب، ومن ضمنهم الطلاب من ذوي الإعاقة أو منخفضي الدخل، ببرامج التعلّم عن بعد، وذلك في ضوء الإمكانات المتاحة.

ضمان حماية خصوصية البيانات وأمنها أثناء التعليم عن بعد:  إن التعامل مع شبكة الإنترنت وتحميل المواد التعليمية والبيانات عليها، وعند مشاركتها مع المؤسسات أو الأفراد، تتطلب ضرورة التقييم المستمر لأمنها على الشبكة والتأكد من أن استخدام التطبيقات والمنصات لا ينتهك خصوصية بيانات الطلاب.

التأكد من وجود حلول لمعالجة المشكلات النفسية والاجتماعية: والتي يمكن أن يواجهها الطلاب في أثناء عزلتهم في المنزل بعيدا عن المدرسة وإعطائها أولوية، من خلال توفير الأدوات المتاحة من أجل الربط فيما بين المدارس والأهل والمعلمين والطلاب، وتشكيل مجموعات لتأمين التفاعل الإنساني، واتخاذ تدابير لتقديم الرعاية الاجتماعية، قبل بدء التعليم عن بعد.

الاتفاق على البرنامج الذي سيتم اختياره من برامج التعليم عن بعد: سواء للتواصل المباشر والدروس المتزامنة، أو للتعلّم غير المتزامن، ففي ظل تعدد البرامج والتقنيات التي يمكن تقديم التعلم عن بعد من خلالها، فان الأمر يستلزم ضرورة تحديد برنامج الدراسة الخاص الذى سيتم الاعتماد عليه في تقديم برامج التعلّم عن بعد، وتجنب إثقال كاهل المعلمين والطلاب وأوليائهم بتحميل العديد من التطبيقات والمنصات واختبارها، من تنظيم نقاشات مع الأطراف المعنية لبحث المدة المحتملة لإغلاق المدارس، وتحديد برنامج الدراسة، اساليب التعليم الملائمة، تبعاً للوضع في المناطق المتضررة والمستوى الدراسي واحتياجات الطلاب وإمكانية تلقيهم المساعدة من أولياء أمورهم. واختيار أساليب التعليم الملائمة بالاستناد إلى وضع إغلاق المدارس والحجر الصحي في المنازل، وتجنب أساليب التعليم التي تتطلب لقاء الأشخاص وجهاً لوجه.

توفير التدريب اللازم للمعلمين والأهل بشأن استخدام الأدوات التعليم عن بعد:  فمن الضروري العمل على تنظيم دورات تدريبية أو توجيهية وجيزة للمعلمين والأهل عند الاقتضاء، ومساعدة المعلمين على ضبط الإعدادات الأساسية، وتقديم الحلول لهم بشأن استخدام بيانات الإنترنت في حال طُلب منهم إعطاء الدروس عن طريق البث الحيّ.

الاتفاق على قواعد للتعلّم عن بعد ورصد عملية تعلّم الطلاب: من خلال تحديد قواعد التعلّم عن بعد بالاشتراك مع الأهل والطلاب، ووضع أسئلة أو اختبارات أو تمرينات لرصد عملية تعلّم الطلاب عن كثب، ومحاولة استخدام أدوات لتيسير إرسال إجابات الطلاب، وتجنب الطلب من الأهل إجراء مسح رقمي لإجابات الطلاب وإرسالها، لكي لا نثقل كاهلهم.

الاتفاق على مدة جلسات التعلّم عن بعد: من خلال تحديد مدة مناسبة للدروس ولا سيما في أثناء البث الحي، وفقاً لقدرة الطلاب على التنظيم الذاتي والإدراك المعرفي، ويفضل ألا تتجاوز مدة الجلسات للمرحلة الابتدائية العشرين دقيقة، وللمرحلة الثانوية الأربعين دقيقة.

تشكيل مجموعات وتعزيز التواصل من خلال شبكات التواصل الاجتماعي: تشكيل مجموعات تضم مدرسين وأولياء ومديري المدارس من أجل التصدي لشعور الوحدة أو العجز، وتيسير تشاطر الخبرات ومناقشة استراتيجيات مواجهة صعوبات التعلّم.

ثالثا: التحديات وكيفية التعامل معها  

على الرغم من التحول لمنصات التعليم الإلكتروني في بعض دول العالم خلال الأزمات الصحية والطبيعية الماضية، إلا أنه بالنسبة لعالمنا العربي، تعتبر هذه المرة الأولى التي تضطر فيها العديد من الجهات التعليمية للتحول المفاجئ لنمط تعليمي جديد لم يتم التمهيد له بأي صورة من الصور.
إن التحول المفاجئ لنظام تعليمي لم يتم تدريب الطلبة وأولياء الأمور عليه يمكن أن يؤدي لتحديات ومشكلات كثيرة، قد تصيب الطلبة وأولياء أمورهم ومعلميهم بالإحباط والقلق والتوتر والخوف من الفشل.. مما يؤدي للمزيد من الضغوط النفسية على صحتنا النفسية المنهكة أصلاً.
والواقع أن الأخذ بهذا التوجه يمكن أن تواجهه العديد من التحديات، الأمر الذى يتطلب ضرورة العمل على مواجهتها من أبرزها:

نقص الوعي والتصور المتكامل عن التعليم عن بعد:

إذ لا بد من أن نعترف أننا لسنا مستعدين للتعامل الفعال مع هذا التحول في نمط التعليم، وبالتالي تكمن أولى التحديات التي نواجهها في غياب الوعي الكامل أو الجزئي عن ماهية التعليم عن بعد، وبالتالي لا بد أن نبدأ كأولياء أمور ومعلمين في تثقيف أنفسنا بأنفسنا عن ماهية التعليم عن بعد.

لعل ذلك يتطلب ضرورة مراجعة تصوراتنا عن التعليم، فقد ساد في القرنين الماضيين أن التعليم هو مسؤولية المدرسة والمدرس، وهو ما يتم بداخل الصفوف التعليمية، ولكن في حقيقة الأمر فإن الانخراط في العملية التعليمية التقليدية والذهاب بصورة منتظمة للمدرسة في حد ذاته لا يعتبر تعليماً.

إن التعليم ليس قائماً على وجود مدرسة أو صفوف دراسية تقليدية، ولكنه عملية ممتدة ويمكن – وخصوصا في ظل الأزمة – أن يكون للبيت والأهل دور فعال في تعليم أبنائهم من خلال: إتاحة الفرصة للتطبيق العملي والحياتي لما تعلموه في مدارسهم، وتعلم مهارات ومعارف جديدة.

القصور الواضح في الوفاء بمتطلبات التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد خاصة في المنازل:

اختلفت ردود الفعل الخاصة بمطالبات التحول للتعليم الإلكتروني من دولة إلى أخرى، ومن جهة تعليمية لأخرى، وهناك عدة عوامل رئيسية في الخطط الموضوعة من قبل تلك الجهات لتحويل التعليم للفضاء الإلكتروني، من أبرزها : وجود بنية تحتية، بنية تقنية مناسبة ومتاحة بالفعل ،  ووجود معلمين أكفاء لديهم خبرة ودراية بالتعليم الإلكتروني والتعامل مع الطلبة عن بعد في عملية تعليمية متكاملة، وجود خطط مسبقة لمثل هذه الأزمات، توفير متطلبات التعليم عن بعد في المنازل.

ضعف التزام الطلاب وأولياء أمورهم بمتابعة برامج التعليم عن بعد:

يعتبر هذا من أكبر التحديات، لأنه من غير المنطقي توقع أن الأبناء سوف يتقبلون بسهولة فكرة “البقاء في المنزل” في بيوتهم، فقد كانت المدرسة في النهاية متنفسا للتعرف على الأقران وقضاء الوقت الممتع معهم، وبالتالي لا بد من توقع المقاومة – العنيفة – من قبل الأبناء لهذا التحول. وبالتالي لا بد من القيام بعدد من الخطوات التمهيدية:

1- التهيئة والإعداد:

وهو من أهم الخطوات والمساعدات التي يمكن للأهل أن يقدموها لأبنائهم في هذه المرحلة، وخاصة أنها مرحلة قد تطول لعدة أشهر،  والتمهيد والتهيئة أمر يحتاج لكثير من الشرح والصبر وتقبل المقاومة المتوقعة من قبل الأبناء، من خلال توضيح  الأسباب التي أدت لإغلاق المدارس وعزل الأبناء عن أقرانهم، وخطورة مخالفة هذه الإجراءات، وأهمية وضرورة استكمال العملية التعليمية، وفوائد وضرورة التعليم عند بعد، ومتابعة الدروس عبر الفضاء الإلكتروني.

2- إعداد البيئة المساعدة على التعليم الإلكتروني بالمنزل:

ويمكن أن يتم ذلك من خلال تخصيص مكان هادئ ومريح لجهاز الحاسوب مع إضاءة مناسبة، توفير الأجهزة المطلوبة ومتابعة توفر كافة التقنيات المساعدة (ميكروفون، سماعات، طابعة، أوراق للطباعة…).

3- الاتفاق على قواعد واضحة تحدد مدة وطريقة متابعة الدروس عبر الفضاء الإلكتروني:

يفضل أن تتم عملية وضع القواعد هنا بمشاركة الأبناء، وإتاحة الفرصة لسماع وجهات نظرهم على أن تنتهي الجلسة المخصصة لمناقشة القواعد الخاصة بمتابعة الدروس بعدد من القواعد المتفق عليها، مثل عدد ساعات متابعة الدروس كل يوم أو كل أسبوع، الوسائل التي سوف يتم استخدامها لذلك،  أي متابعة الدروس (الكمبيوتر – الهاتف  …)، وسائل متابعة الأهل لما يتم تدارسه من قبل الأبناء (يومياً – أثناء أو بعد الدروس – عن طريق المتابعة عن بعد أم عن طريق الأسئلة والاختبار..)؛ هذه الوسيلة بالذات تعتمد على سن وطبيعة الأبناء، المحفزات بعد إتمام وحدة كاملة أو بعد النجاح في الاختبارات.

والواقع أنه مهما حدث، فلا غنى عن التعليم النظامي والاتصال المباشر بين المعلم والمتعلم، وبالتالي لا غنى عن دور المدرسة والجامعة الواقعي بشكل أساسي وعلى مدار العصور مهما كان التقدم، إلا أن أزمة فيروس كورونا كشفت حقيقة الواقع التعليمي والعلمي في بلداننا، وحقيقة الإتاحة التكنولوجية الضعيفة على الجانب التعليمي، وهو ما يجب أن يوضع له حل بعد انتهاء الأزمة إن شاء الله، وأن على كل دولة أن تنشئ لها نظاماً تعليمياً إلكترونياً بديلاً تتم إتاحته في الأوقات العادية كأداة مساعدة في العملية التعليمية، وكأداة أساسية في أوقات الأزمات والكوارث المناخية أو الطبيعية أو المرضية، وعدم ترك الأمور لكل فرد يستخدم الأدوات التي يريدها بشكل عشوائي، وهذا ما يؤدي إلى تشتت وتشتيت الجميع، لتضيع الجهود بين العديد من المنصات والأدوات، مع وضع الخطط اللازمة لتوفير نظام تنمية مهنية إلكترونية حقيقية ومستمرة لتطوير قدرات المعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الجانب التقني.

ختاما:

إننا نرى أن الأزمة التي يمر بها التعليم في ظل فيروس كورونا تتطلب من كل الدول أن يكون لديها نظاما تعليميا إلكترونيا يتطور مع ما يشهد العالم من تطور تكنولوجي مستمر معتمدا على ما يوفره هذا التطور من إمكانات تفيد العملية التعليمية شأنها في ذلك شأن كل القطاعات الموجودة في المجتمع، هذا النظام تتم إتاحته في الأوقات العادية كأداة مساعدة، وكأداة أساسية في أوقات الأزمات والكوارث المناخية والطبيعية أو الصحية التي يصعب معها الاعتماد على التعليم النظامي التقليدي.

 

 

 

المراجع:

البحث في Google:





عن أ.د/ جمال علي خليل الدهشان

عميد كلية التربية – جامعة المنوفية الأسبق، عضو اللجنة العلمية لترقيات الأساتذة والأساتذة المساعدين تخصص أصول التربية والتخطيط التربوي، عضو اللجنة التنفيذية للجمعية العلمية لعمداء كليات التربية في العالم العربي، عضو لجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة بجمهورية مصر العربية، عضو لجنة مكافحة التطرف والإرهاب بالمجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة بجمهورية مصر العربية.

6 تعليقات

  1. أماني عتيلي

    مقال أكثر من رائع .. شامل وناقد وواقعي.
    يعطيكم العافية دكتور

  2. د.سركوت سليمان

    نشكر الاستاذ الفاضل على هذه الدراسة فقدكفى و وفى ، والدراسة كانت الدراسة في محله في هذا الوقت الذي اثر كورونا على الجالات المتعددة ، واثرها على التعليم كان كبيرا ، ولايقتصر اثره على التعليم الاساسي بل حتى الجامعات قد اغلقت ابوابها ………… نتمى انتهاء الكارثة التي حلت بالبشرية والتوفيق للاستاذ الباحث

  3. د؟ أبو عبد الله

    حضرة أ.د جمال الدهشان المحترم
    عميد كلية التربية – جامعة المنوفية
    تحية طيبة وبعد
    هذا مقال رائع تناول موضوع حيوي بشكل علمي ومهني مفيد، وأشار فيه إلى [ المخاطر، الحلول، التحديات ، المطلوب )
    كلي أمل أن يجد صدي في مدارسنا وجامعاتنا العربية من أجل تجاوزهذه المرحلة الصعبة التي يمر بها عالمنا العربي في ظل مخاطر عديدة
    وإلى مستقبل عربي مزهر
    شكراً لهذه المساهمة

  4. د. مجدي يونس

    حياك الله د. جمال
    اضافة جديدة لمعاصرة التعليم لمشكلات الواقع.

  5. جزاكم الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *