مقدمة

تعد المرحلة الابتدائية من أهم المراحل التعليمية، وذلك نظرا لكونها منطلق المعارف والمهارات التي يتم إكسابها للمتعلم خلال مساره التعليمي ولكونها المنطلق والأساس الذي يُبنى عليه التعليم في المراحل اللاحقة (المتوسطة، الثانوي…)، ولأنه في هذه المرحلة يتم التركيز على تنمية القدرات العقلية والمعرفية والاجتماعية للطفل (الصحيفي وآل عامر، 2024)، هذا بالإضافة لخصوصية المرحلة العمرية لطفل المرحلة الابتدائية، وحاجياته النفسية والبيولوجية والاجتماعية.

ولهذه الأسباب اهتمت الدول المتحضرة بالتعليم في المرحلة الابتدائية وتطويره، فعلى مستوى المملكة العربية السعودية، وفي ظل رؤية المملكة 2030 في تحقيق تنمية شاملة في التعليم (المملكة العربية السعودية، 2026)، تم وضع برامج إعداد المعلم لتعزيز العملية التعليمية بالمرحلة الابتدائية، بدءًا من الوسائل التعليمية وتفعيل استراتيجيات التدريس وصولا للرخصة المهنية. وقد سعت المملكة من أجل ذلك إلى الاستفادة من الخبرات الدولية وتحسين أداء المعلمين وتوفير ظروف العمل لهم باعتبارها عنصرا مهما من عناصر العملية التعليمية (المحمادي، 2024).

إلا أنه ورغم هذا الاهتمام، ورغم التطوير الكبير الذي شمل التعليم الابتدائي من ناحية ظروف وشروط عمل المعلم، إلا أن العديد من الدراسات أبرزت وجود العديد من الصعوبات والاشكاليات التي تعيق عمل المعلمين وتحول دون تحقيق الأهداف التعلمية بشكل كلي (الزهراني، 2022؛ الغامدي، 2021)، فما هي أهم الإشكاليات التي تواجه معلمات المرحلة الابتدائية في المملكة العربية السعودية؟ وما بعض الحلول الإجرائية والعملية لتجاوزها؟

أولا: الصعوبات التي تواجهها معلمات المرحلة الابتدائية

تعد المعلمات عنصرا لا غنى عنه في العملية التعليمية عموما، إذ يؤثر سلوكهن ومستوى مهارتهن وقدراتهن، وكذلك ظروف عملهن على جودة العملية التعليمية وعلى تحقيق الأهداف التربوية التي تتعلق بتنمية المهارات والقيم والمعارف لدى الطالب. وبالتالي فمواجهة المعلمات لصعوبات ومشاكل داخل بيئة العمل يؤثر على المتعلم بشكل كبير، ولهذا فقد وقفت مجموعة من الدراسات الميدانية التي أجريت في البيئة السعودية على أهم الصعوبات التي تعيق عمل المعلمة.

حيث أبرزت دراسة (الغامدي، 2021) مثلا أن من أهم هذه الإشكاليات ما يرتبط بضغط المقررات الدراسية وكثرة الدروس وعدم مناسبتها للوقت المخصص لها، خصوصا في المواد العلمية واللغات، كما أنها لا تتلاءم مع طرق التدريس الحديثة القائمة على التعليم الإلكتروني والنشيط، والواقع المعزز وغيرها.

كما أن دراسة الزهراني (2022) أبرزت مدى الصعوبات المتعلقة بمهام معلمة التعليم في المرحلة الابتدائية وتعدد مهامها في التخطيط والتنفيذ والتقويم ورعاية الأطفال وغيرها.

والباحثة من خلال تجربتها في التدريس بالمرحلة الابتدائية لمدة سنة دراسية كاملة، رصدت مجموعة من المعيقات والصعوبات التي تعيق عمل معلمة المرحلة الابتدائية، حيث الجهد الكبير المبذول من طرفها، وذلك بسبب تنوع الأدوار التي تقوم بها، ونظرا لضغط المقررات والبرامج الدراسية، بالإضافة لكثافة الفصول الدراسية، إذ أنه في كثير من الأحيان تتجاوز 30 متعلما، وهو ما يفوق بكثير الضوابط التربوية للتدريس في مرحلة الابتدائي، ولكون الطالب في هذه المرحلة يحتاج تتبعا خاصا، وهذا ما يكون صعبا في ظل كثافة الفصل الدراسي.

كما أن الباحثة من خلال تجربتها الميدانية توقفت عند إشكاليات أخرى تتعلق بصعوبة التفاعل مع الطلاب وما يرتبط بذلك من الخصوصية العمرية، والإكراهات الصحية والمتعلقة بانتشار الأمراض المعدية بين الطلبة وبينهم والمعلمات نتيجة قلة شروط الصحة، وهو ما يشكل تهديدا صحيا ونفسيا للمعلمات والطلاب على حد سواء.

ومنها كذلك ما يتعلق بالمواصفات الهندسية المتعلقة ببيئة التعلم، إذ أن العديد من الدراسات التي تمت على هذا المستوى أكدت أن شكل ومواصفات بيئة التعلم (الفصول الدراسية وأبعادها وتهويتها..) تؤثر بشكل مباشر في تنمية التفكير الإبداعي لدى طلبة التعليم الابتدائي (داهود، 2023؛ عبد الحميد، 2025).

ثانيا: مقترحات ميدانية لتجاوز الصعوبات التي تواجهها معلمات المرحلة الابتدائية

إن تجاوز هذه الصعوبات التي تم التطرق إليها في هذا المقال البحثي، يستوجه مداخل كثيرة، تتعلق أولا بماهية التأهيل والتدريب قبل وأثناء الخدمة الذي تتلقاه معلمة المرحلة الابتدائية. كما أنه لابد من توفير بيئة عمل مناسبة من حيث التحفيزات المادية والمعنوية وظروف العمل وتوفير الوسائل المساعدة على أداء الأدوار المنوطة بمعلمة المرحلة الابتدائية.

ويمكن للباحثة أن تختصر أهم الإجراءات التي يمكن بها تذليل صعوبات معلمات المرحلة الابتدائية وتجويد عملهن في:

• تخفيف نصاب معلمة الابتدائي: من حيث عدد ساعات العمل وتخفيف المنهاج التعليمي ليناسب خصوصية المرحلة العمرية للطالب.
• تقليل كثافة الفصول الدراسية، حيث يجب ألا تتجاوز (24) طالبا في الفصل الدراسي، وذلك لتمكين المعلمة من التتبع الفردي للطلاب.
• وجود حوافز خاصة لمعلمة المرحلة الابتدائية، وذلك لتشجيعها على العمل والبذل والعطاء.
• توفير وسائل حديثة للتعلم (حواسيب، سبورات تفاعلية..) وللتقويم (آلات التصحيح..).
• تحسين بيئة التعلم، وذلك بتوفير فصول دراسية بمواصفات تربوية وصحية مناسبة، مع توفر أركان لممارسة الفن والإبداع (مرسم، قاعة فنون، قاعة ألعاب..).

كما أن الباحثة ترى أنه من الجيد على مستوى التجربة في المرحلة الابتدائية، انتداب معلمات المرحلتين المتوسطة والثانوية، ولو لسنة دراسية واحدة، وذلك من خلال الاحتكاك بالمرحلة الابتدائية وما يوفره ذلك من تجربة وتدريب مهني ونفسي وتربوي، بغض النظر عن المادة العلمية المُدرّسة.

خاتمة

إن المرحلة الابتدائية هي ركيزة المنظومة التعليمية ككل، وتحقيق الأهداف التعليمية لهذه المنظومة رهين بنجاح التعليم الابتدائي عبر تحقيق حد مقبول من الكفايات والمهارات لدى الطلبة، وذلك لتمكينهم من الانتقال السلس للمراحل المتقدمة بنجاح وثبات. وبالتالي فالوصول لهذه الأهداف رهين بالاهتمام بأحد أهم عناصر “المثلث الديداكتيكي” وهو المعلم أو المعلمة.

والباحثة من خلال دراستها الموضوع في الجانب التطبيقي عبر التجربة الميدانية، والجانب النظري من خلال الاطلاع على الدراسات السابقة، تبين لها أن معلمة المرحلة الابتدائية تواجه العديد من الصعوبات المادية والمعنوية، والتي تتعلق بضغط الوقت وكثرة المهام وضعف التحفيز، ولهذا لابد من إعادة الاعتبار للمعلمة عبر التحفيز وتوفير آليات ووسائل العمل.

فتحية عالية لجميع المعلمين والمعلمات بمملكتنا العظيمة، وأخص بالذكر معلمات المراحل الابتدائية، لقاء ما يبذلنه من جهود عظيمة وكبيرة لمصلحة الطالب والطالبة.

 

---

قائمة المراجع:

داهود، محمود سليمان أحمد. (2023). تأثير البيئة التعليمية المدرسية في التحصيل الأكاديمي لطلبة المدارس الحكومية الاردنية في مادة العلوم من وجهة نظر الطلبة، مجلة كلية التربية، جامعة أسيوط. 39 (6)، 125-151.

الزهراني، حصة إبراهيم. (2022). الصعوبات التي تواجه معلمات اللغة العربية بالمرحلة الابتدائية في توظيف أدوات التقويم الالكتروني من وجهة نظرهن. المجلة العربية للنشر العلمي. (42)، 756-781.

الصحيفي، أبرار بنت عبد؛ وآل عامر، حنان بنت سالم. (2024). مشكلات الإدارة الصفية التي تواجه معلمات الفنون الجميلة في المرحلة الابتدائية بمدينة حائل. مجلة بحوث عربية في مجالات التربية النوعية. 36 (1)، 95-130.

عبد الحميد، شيماء (2015). أثر بيئة الأركان التعليمية في تنمية التفكير الإبداعي لدى تلاميذ الصف الخامس الابتدائي. مجلة الأستاذ للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 214، 359-394.

الغامدي، جواهر احمد علي. (2021). صعوبات تدريس مناهج العلوم بالمرحلة الابتدائية من وجهة نظر المعلمات والمشرفات التربويات بمنطقة الباحة. مجلة جامعة أسيوط. 37 (7)، 334-354.

المحمادي، رائد محمد ناجي. (2024). نموذج تطويري مقترح لسياسات احترافية معلم المرحلة الابتدائية في المملكة العربية السعودية وفق طريقة فاولر. مجلة القراءة والمعرفة. 24 (276)، 133-152.

المملكة العربية السعودية. (2016). رؤية المملكة 2030، مسترجع بتاريخ: 18/05/2025 من: https://www.vision2030.gov.sa/media/5ptbkbxn/saudi_vision2030_ar.pdf