كلّنا يعرف حيويّة الأطفال و”شقاوتهم”، فكلّهم حركة ونشاط وتعطّش للّعب للمعرفة ولاكتشاف كلّ ما هو جديد!
وغالبيّة بيوتنا توفّر للأبناء الدّفء والمحبّة والرّعاية الّتي قد تصل، أحيانًا، حدّ الدّلال!
بالإضافة إلى ما يمتلكه معظم الأبناء – في البيوت – من أجهزة التّلفزيون والحاسوب والهاتف الخلويّ والآيفون والآيباد، والألعاب الإلكترونيّة وغيرها من الألعاب العاديّة!
وتمرّ السّنون، ويحين الوقت لنرسل صغارنا وأولادنا للرّوضات وللمدارس، فلا يجدون فيها ما تعوّدوا عليه من غرف مُريحة مكيّفة، ومن معاملة حانية معزّزة، وأجواء حميمة، وأجهزة إلكترونيّة والعاب متنوّعة.
وهنا تقع الصّدمة، ويبدأ الصّغير بالتّذمّر والشّكوى، بل يُعلن استياءه وعدم رضاه عن المدرسة ومعلّميها وبرامجها، ويقولُها بكلّ صراحة:
“كم أتمنّى أنْ تطولَ العطلُ، وأنْ تُغلقَ المدارسُ أبوابَها، فلا يكون هناك تعليمٌ ولا وظائفُ بيتيّة ولا امتحانات ولا شهادات!”
والحلّ: على مدارسنا مواجهة هذه التّحدّيات لتصبحَ أماكنَ مريحةً جذّابة ومشوّقة لأحبّائنا الصّغار:
– نحتاج في مدارسنا إلى مناهج دراسيّة متطوّرة نابعة من ظروفنا وحضارتنا وثقافتنا وليست منسوخة ومستوردة من بيئات وظروف وثقافة غريبة!
طبعًا، هذا لا يعني الانغلاق وعدم الاطّلاع والتّأثّر بما هو موجود في العالم المتنوّر المتقدّم.
نحتاج لمناهج دراسيّة تنمّي الإبداع والابتكار والتّفكير العالي، نحتاج لمناهج تعزّز الانتماء والقيم السّامية الخيّرة.
نحتاج لمناهج تتعامل مع الطّالب ككلّ متكامل بجميع جوانب شخصيّته: الجانب العقليّ والعاطفيّ والنّفسيّ والجسديّ والفنّيّ…
نحتاج إلى مناهج تتعامل مع التّكنولوجيا الحديثة ولا تقتصر على الجانب اللّفظيّ، حيث يكون المعلّم والكتاب التّعليميّ هما المصدران الرّئيسيّان للمعرفة، بل تتعدّد المصادر والمراجع والوسائط.
– بعد إعدادِ مثلِ تلك المناهج تأتي مرحلة إعداد الموادّ والكتب التّعليميّة المناسبة بروح تلك المناهج، بعيدًا عن التّجارة والرّبح المادّيّ السّهل!
– وعلى مدارسنا توفير البيئة المادّيّة الملائمة؛ غرف تدريس واسعة مكيّفة، مراحيض عصريّة نظيفة، ساحات واسعة، مقاعد مريحة مع أشجار ظليلة، قاعات ومختبرات ملائمة، مكتبات مدرسيّة غنيّة وعصريّة، مكتبات صفّيّة ملائمة، أجهزة إلكترونيّة حديثة – من تلفزيونات، حواسيب، ألواح ذكيّة..
– والأهمّ: أنْ يلقى الطّلّاب – في المدارس- من المعلّمين والمربّين المعاملة الإنسانيّة الدّاعمة، والقبول الحسن، والتّفهّم والاحترام، فلا عنف لفظيّ ولا جسديّ!
– كما ينبغي تغييرُ أساليب التّدريس وطرائق التّعليم والتّقويم بحيث تراعي التّمايز والتّباين بين الطّلّاب، وتعمل على استثارة الحافز والدّافعيّة لديهم، وتأخذ بعين الاعتبار تعدّد الذّكاءات والميول والقدرات.
لا يكفي التّأكيد على تنمية المهارات العقليّة والإلمام بالمعلومات والمعارف في فروع المعرفة المختلفة، فالعلامات العالية والتّحصيل المعرفيّ …الجيّد ليست كافية!
ينبغي التّأكيد على إكساب المتعلّمين مهارات التّعلّم الذّاتيّ، وتزويدهم بالأدوات والمعارف والمهارات اللّازمة لمواصلة التّعلّم الذّاتيّ المستقلّ مدى الحياة من المهد إلى اللّحد.
وهناك حاجة للتّخلّص من أساليب التّلقين والإيداع، والعمل على تنمية مهارات التّفكير العليا: التّفكير الناقد، والتّفكير الإبداعيّ الابتكاريّ!
كذلك نطمح أنْ تقومَ مدارسنا بتعزيز هُويّة الطّلّاب وانتمائهم لمجتمعهم وشعبهم ولأمّتهم وثقافتهم مع الانفتاح على الثّقافات الإنسانيّة الأخرى.
وينبغي أنْ تعملَ مدارسنا على ترسيخ المواقف والاتّجاهات الإيجابيّة لدى المتعلّمين المتمثّلة في: تحمّل المسئوليّة، والتعاون مع الآخرين، والعطاء والانتماء، والتزام الحوار البنّاء، واحترام آراء الغير حتّى وإنْ اختلفت عن آرائنا تمشّيًا مع مقولة: “اختلافُ الرّأيِ لا يفسدُ للودّ قضيّة!”
وينبغي أنْ تعملَ مدارسُنا أيضًا على ترسيخ قيم الحقّ والعدل والمساواة لدى أحبّائنا الطّلّاب!
– وعلى مدارسنا أنْ تعمل على تنمية الذّائقة الفنّيّة لدى الطّلّاب، فيكون فيها للرّسم وللموسيقى حصصٌ كافية مع معلّمين متخصّصين.
– كذلك، يجب تخصيص الحصص الكافية للرّياضة البدنيّة مع توفير الأجهزة والملاعب الملائمة، فقد قال الأجداد: “العقل السّليم في الجسم السّليم!”.
– ونناشد مدارسنا أنْ تعمل على تحبيب لغتنا العربيّة الخالدة لدى طلّابنا، وعلى إكسابهم مهاراتها الأساسيّة: القراءة والاستماع للنّصوص المختلفة مع الفهم وتذوّق الأدب (بمستوياته المختلفة!)، التّعبير الكتابيّ والشّفويّ الجيّد، الإقبال على المطالعة الذّاتيّة لتصبح عادة متأصّلة لدى الطّلّاب.
إنّ إتقانَ مهارات اللّغة الأساسيّة يشكّل المفتاح للتّعامل مع جميع المواضيع الدّراسيّة، ويسهم في تحقيق التّقدّم والنّجاح فيها.
– ونناشد مدارسَنا الاعتناء بتنمية ما يعرف بالذّكاء العاطفيّ – بدون إهمال الذّكاء الأكاديميّ العقليّ – المتمثّل باكتساب المهارات الحياتيّة العاطفيّة المطلوبة مثل: الوعي بالذّات والتّحكّم بالانفعالات والنّزعات، القدرة على التّواصل مع الآخرين والتّعامل معهم بمرونة وتسامح وتعاطف، المثابرة وتوفّر الدّافعيّة…(انظر: كتاب “الذّكاء العاطفيّ” دانييل جولمان، الكويت، 2000)
– ولضمان سيرورة العمل التّربويّ السّليم هناك ضرورة لعمليّة تقويم/تقييم دائمة، سواء التّقويم البنائيّ المرحليّ لفحص سير العمليّة التّعليميّة التربويّة، وإدخال التعديلات على ضوء هذا التقويم، أو التقويم الإجماليّ النهائيّ للوقوف على التّحصيلات والإنجازات، ويجب أنْ لا يقتصر التّقويم على الجانب المعرفيّ التّحصيليّ فقط، بل هناك حاجة لتقويم الجانب السّلوكيّ القيميّ العاطفيّ كذلك!
– وينبغي أنْ تعمل المدرسة على إشراك الطّلّاب بصورة فعّالة في العمليّة التّعليميّة – التّعلّميّة، وفي بلورة السّياسة التّربويّة، وفي صياغة دستور المدرسة وأنظمتها، وتبتعد عن فرض القوانين الصّارمة.
– كما تحرص المدرسة العصريّة النّاجحة على توفير الخدمات الصّحيّة والنّفسيّة للطّلّاب المحتاجين لذلك.
– كذلك تهتمّ المدرسة بالتّربية اللّامنهجيّة، فتعمل على فتح أبوابها بعد الدّوام المدرسيّ للفعاليّات والمبادرات التّربويّة والفنّيّة والرّياضيّة المتنوّعة الّتي تُسهم في بناء شخصيّة الطّلّاب، واكتشاف مواهبهم وتنميتها، وفي استثمار أوقات الفراغ بصورة مُجدية وممتعة!
– ولا بدّ من وجود قيادات تربويّة ذات رؤيا تربويّة عصريّة، فنحن بحاجة إلى مديرين ومفتّشين ومرشدين ذوي خبرة ومعرفة ومعطيات قياديّة مهنيّة وليسوا مجرّد موظّفين إداريّين…
– والمدرسة النّاجحة تسعى للتّعاون البنّاء مع الأهالي وإشراكهم بصورة فعّالة في متابعة العمل التّربويّ، وعدم اقتصار دورهم في سدّ بعض الثّغرات، وتنفيذ بعض المشاريع التّرميميّة في المدارس.
– ونتوقّع من السّلطة المحلّيّة القيام بدورها في تزويد المدارس بما تحتاجه من تجهيزات وحراسة ودعم، وأنْ يكون لأقسام المعارف فيها دورٌ رائد في المجالات التّعليميّة والتّربويّة!
– ولوزارة التّربية والتّعليم دورٌ مركزيّ في تطوير جهاز التّعليم والمدارس خاصّة بكلّ ما يتعلّق بتخصيص الميزانيّات المطلوبة، وتأهيل المعلّمين والمديرين وتعيينهم، وفي إعداد المناهج الحديثة، وتلبية حاجات المدارس والمعلّمين، وضرورة اختيار المفتّشين والمرشدين الملائمين ومتابعة ما يجري في المدارس ,,…
أنا على ثقة، أنّ الطّلّاب إذا وجدوا البيئة الدّاعمة، والظّروف الملائمة، والمعاملة الإنسانيّة الدّافئة، وأساليب التّدريس والتّقويم النّاجعة، والعلاقة النّاجحة مع أهاليهم … عندها سيُقبلون على المدارس برغبة، لينهلوا فيها المعرفة المنشودة، وليكتسبوا المهارات اللّازمة، وليذوّتوا القيم الحميدة الإيجابيّة!
-الحمد لله ،لقد وضعت يا دكتور أصبعك على الجرح الذي يجب ان يخذع للعلاج ،وهي قضايا ومشكلات تعاني منها بعض مدارسنا والتي وجب اصلاحها وتحسين اداءاتها التربوية والتعليمية على الخصوص .كم هو جميل لو نطبق هذه التوجهات والتغيير من الفعل التعلمي التعليمي.حيث يشارك الكل في بناء مدرسة عصرية لها طموحات مستقبلية .وشكرا لكم أخي .