النظرية الترابطية

النظرية الترابطية ومتطلبات العصر الرقمي

لا شك أن جائحة الكورونا فرضت على المجتمعات نوعا جديدا من التعليم يختلف في طبيعته، وأدواته، وطرق تقييمه، عن التعليم الوجاهي الذي كانت تتعامل معه النظم التعليمية، منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة. وتعددت على مر التاريخ نظريات التعليم، ولعل أبرزها النظرية المعرفية، السلوكية، البنائية. وأجمعت تلك النظريات على التواصل وجاهياً بين المعلم والمتعلم.  والتعلم الإلكتروني ليس وليد تلك الجائحة، ولكن برزت فكرة التعليم الإلكتروني مع اختراع أجهزة الحاسوب، وانتشار الإنترنت، وتوسع الشبكات المعلوماتية.

ونتيجة لذلك فكر التربويون والقائمون على الأنظمة التعليمية في مختلف المجتمعات، في استحداث نظريات تعليمية تنصب على فكرة التعلم عن بعد، ومن أبرز هذه النظريات النظرية الترابطية (Connectivism Theory)، والتي يعتبر جورج سيمنز وستيفن داونز George Simens & Stepen Siemens (2004) من أبرز روادها، وتقوم النظرية الترابطية على شبكة المعلومات التي تتألف من اثنين أو أكثر من العقد، فالتعلم يحدث في مجتمعات تتكون من أفراد يرغبون في تبادل الأفكار حول موضوع مشترك للتعلم. ففي النموذج الترابطي يتشارك المتعلمون في خلق المعرفة، من خلال مساهماتهم عبر الوسائل، والشبكات الاجتماعية Social Media Sites))، وغيرها من أشكال التواصل عبر الإنترنت.

ولعل من أبرز أهداف النظرية الترابطية الجمع بين الأطر التعليمية والاجتماعية والتكنولوجية، والربط بينها، في العصر الرقمي الذي نعيش فيه. وتستخدم النظرية الترابطية مفهوم الشبكة، والتي تتكون من عدة عقد تربط بينها وصلات، تمثل العقد فيها المعلومات، والبيانات على شبكة الويب، وهي إما تكون نصية، أو مسموعة، أو مرئية. في حين تمثل الوصلات عملية التعليم ذاتها، والتي تتشكل مما يبذل من جهد لربط تلك العقد مكونة شبكة من المعارف الشخصية، مكونة نوعاً من التطبيقات الاجتماعية Social Application.

ولهذا؛ فإنه ينظر إلى التعلم من المنظور الترابطي باعتباره شبكة من الأطر التعليمية والاجتماعية والتكنولوجية، والتي تعكس المعرفة. ففي الدماغ يتم توزيع المعرفة من خلال الاتصالات بين مناطق مختلفة من الدماغ وفي الشبكات التي نشكلها اجتماعية وتكنولوجية، يتم توزيع المعرفة من خلال الاتصالات بين الأفراد، والجماعات، والأجهزة الحاسوبية (Siemens, 2006). مما يعني أن اتصالات شبكتنا لا تتضمن مصادر المعلومات فحسب، وإنما تعتبر الروابط التي نقوم بها هي جزء من قاعدة المعرفة لدينا.

النظرية الترابطية
أوجه الشبه والاختلاف بين النظريتين الترابطية والمعرفية

وبمقارنة بسيطة بين النظريات السابقة والنظرية الترابطية، يتضح أن النظرية الترابطية جاءت بمنظور جديد للعملية التعليمية، على الرغم من اشتراكها في بعض مبادئ النظريات السابقة، فالسلوكية ترى التعلم هو استجابة للمؤثرات الخارجية، والمعرفية ترى التعلم هو عملية الحصول على المعلومات وتجريبها واسترجاعها مثل الكمبيوتر، أما البنائية فترى التعلم عملية بناء فهم قائم على الخبرات القديمة والجديدة سواء عبر تفاعل المتعلم مع موضوع التعلم أو المجتمع، في حين ترى الترابطية أن التعلم هو شبكة من مصادر المعلومات والارتباطات المتصلة فيما بينها، ويحدث التعلم عن طريق ربط المعلومات بين العقد في هذه الشبكة.

النظرية الترابطية
مقارنة بين نظريات التعلم القديمة والنظرية الترابطية

ويتضح من الشكل السابق أن كلا من النظرية السلوكية والمعرفية تضع التعلم كعملية داخلية والمعرفة ككيان خارجي، حيث يحدث التعلم من خلال معالجة المدخلات سعيا للوصول إلى هدف معرفي راسخ. في حين تضع النظرية البنائية التعلم كعملية اجتماعية والمعرفة ككيان خارجي، حيث يتم التعلم من خلال التفاعلات الاجتماعية بين المتعلمين ومن ثم بناء المعرفة. في حين تضع النظرية الترابطية التعلم كعملية اجتماعية والمعرفة ككيان خارجي. ومع ذلك؛ في إطار عمل ترابطي، لا يحدث التعلم فقط من خلال التفاعلات الاجتماعية، ولكن من خلال التفاعلات مع العقد الشبكية متعلمين وأماكن وأجهزة وما إلى ذلك. ومن ثم، وفي حين أن البنائي Constructivist من المحتمل أن يرى الشبكة فقط كوسيلة اجتماعية للتفاعل، فإن الترابطي Connectivist يرى الشبكة نفسها على أنها امتداد للعقل، فالتعلم هو عملية ربط العقد الشبكية ومصادر المعلومات (Siemens, 2005, 2006) لبلوغ فهم الأفراد وتطبيق المفاهيم والعمليات.

connectivism
أوجه الشبه والاختلاف بين النظرية الترابطية والبنائية

ويتضح من الشكل السابق أن تصميم المقررات من منظور النظرية الترابطية يتمثل بتقديم المعلم المعرفة الأولية، بحيث يشجع المتعلم على استخدامها كقاعدة ينطلق منها المتعلم بحرية للبحث عن روابط ليشكل فيها مفاهيمه الخاصة، ومن ثم مشاركة الآخرين في تكوين معارف جديدة بحيث تنمو فيها، ثم العودة للشبكات التعليمية، والاجتماعية، بشكل طبيعي مع زيادة الاتصال.

ولذا، فإن النظرية الترابطية تعتبر انعكاساً لطبيعة التطور المتسارع للعالم، فهي تصلح كنظرية تعلم تطبق في البيئة الإلكترونية، وذلك للمميزات التالية:

–  النظرية الترابطية تبحث في كيفية تعلم الفرد بالمعرفة والإدراك المكتسب من خلال شبكات التعلم الشخصية، والارتباط، والتفاعل مع مختلف مصادر التعلم البشرية منها، والتكنولوجية.

– ظهور فكرة المتعلم الانتقائي والباحث الجيد عن المعلومة في عالم تتزاحم فيه المعرفة بأشكالها المتعددة.

– عدم الاختلاف في تفسير التعلم في نظريات التعلم السابقة، والنظرية الترابطية، مما يمكن فيه إحلال النظرية الترابطية محل النظريات السابقة في عصر التطور الرقمي، مع إمكانية الاستفادة من نظريات التعلم السابقة في تصميم واستخدام بيئة التعلم الرقمي.

وفي المقابل؛ فقد وجهت للنظرية الترابطية مجموعة من الانتقادات أبرزها:

.1  أن النظرية الترابطية لا تعتبر نظرية تعلم بل وجهة نظر لمجموعات من مهارات القرن الحادي والعشرين، فهي لا تصف كيفية تعلم الأفراد أو نوعية المعرفة علاوة على أن المعرفة لا يمكن أن توجد في أجهزة ليست لها خاصية التفكير، وهذه الفكرة كانت مثار جدل لفترة طويلة بين علماء النفس وخبراء الأجهزة الإلكترونية المهتمين بالذكاء الصناعي.

.2 عدم استيفاء النظرية الترابطية للشروط والمعايير الواجب توافرها في النظرية، فهي لا تقوم بوصف ظاهرة ما، وتفسيرها، والتحكم فيها، والتنبؤ بها، علاوة على أنها تبنى على أساس فرضيات معينة تم بنائها من خلال إجراء دراسات محدودة.

لا شك أن النظرية الترابطية لعبت دورا بارزا في التعليم الإلكتروني وكانت لها العديد من الآثار الإيجابية على التعليم الإلكتروني يمكن تلخيصها في الآتي:

.1 ظهور مفهوم بيئات التعلم والتعليم الشبكية.

.2 تغير وتنوع دور المعلم فلم يعد دور المعلم مقدما للمعرفة هو خبير وقائد وقَيم للعملية التعليمية ومرشد للمتعلمين للمصادر والفرص التعليمية، وتعدى دور المتعلم من كونه متلقي للمعرفة وبان لها ليكون باحثا عن المصادر التعليمية التي يحتاجها مع الحفاظ على شبكة تعليمية نشطة.

.3 زيادة الاهتمام بمنصات التعلم المفتوحة.

.4 اتساع مجال المقررات الدراسية وطبيعة الأنشطة التعليمية وأسلوب التفاعل بين المتعلمين فيما بينهم من جهة وبينهم وبين المعلم من جهة أخرى.

ورغم أن النظرية الترابطية لا تعتبر نظرية مكتملة الأركان إلا أنه يمكن اعتبارها امتداداً للبنائية الاجتماعية والتي يتم فيها بناء المعرفة لدى المتعلمين من خلال الانخراط في تفاعلات اجتماعية، علاوة على إسهامها في توظيف التطبيقات الاجتماعية في التعليم وظهور تطبيقات متعددة في مجال التعليم الإلكتروني.

ويمكننا الاستفادة من النظريات التعليمية السابقة في تصميم المقررات التعليمية في بيئة التعليم الإلكتروني، ويمكن استعراض بعض المبادئ التي يقوم عليها تصميم المقررات التعليمية على الصورة الآتية:

  • وضع أهداف المعلم على صورة سلوكيات ظاهرة تبرر مخرجات التعلم المطلوبة وتحدد الأدوات المستخدمة في الأداء.
  • التنويع في الأهداف التي يتناولها المعلم لتتضمن التركيز المهارات العقلية الدنيا والعليا والجوانب المهارية والوجدانية.
  • تصميم أنشطة تعلم فردية وجماعية توظف فيها مصادر الشبكة وأدواتها بحيث يراعى فيها الحمل المعرفي للمتعلمين وإعطائهم التحكم في طرق تأديتها.
  • استخدام أساليب متنوعة في التقييم الفردي والجماعي سواء في الاختبارات والأنشطة التعليمية وتأدية المهام والواجبات البيتية.
  • استخدام التغذية الراجعة الفورية للمتعلمين وتصويب أخطائهم بجو يتسم بالاحترام.
  • إنجاز الانشطة التعليمية بشكل تعاوني في مجموعات عمل صغيرة يمكن اعتباره كمحك أساسي للتقدم في العمل.
  • استخدام استراتيجيات تعلم تعزز العمل الجماعي وتحفز المتعلم وفقا لمكانته في المجموعة وتحفزه على البحث عن المعلومة وبنائها.
  • تحفيز المتعلم وتشجيعه على تحديد مسار تعلمه واختياره لموضوعات التعلم.
  • إعطاء الفرصة للمتعلمين في اختيار الأدوات التعليمية المناسبة لتعلمهم سواء في البحث أو الاتصال أو عرض المحتوى مشكلين بذلك بيئتهم التعلمية الشخصية مع ربطها بمنصة التعلم المتاحة.

البحث في Google:





عن د. عماد عواد بروق

دكتوراه مناهج الرياضيات وأساليب تدريسها- جامعة اليرموك، معلم رياضيات- متقاعد (وزارة التربية والتعليم- المملكة الأردنية الهاشمية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *