الإشراف التربوي

أسرار المشرف التربوي الفعال – الجزء الأول

هذا المقال هو الأول من سلسلة مقالات عن الإشراف التربوي، ينشرها الدكتور أيمن أصلان حصريا على صفحات تعليم جديد

لكل مهنة أسرارها وبقدر عظمة تلك المهنة بقدر عظمة أسرارها وكلما كانت تلك المهنة مهنة قيادية كانت أسرارها أسرارا غير عادية في طبيعتها وفي ممارستها، ومهنة الإشراف التربوي في حقيقتها مهنة من أجل قيادة من تشرف عليهم إلى تحقيق أهداف مخطط لها، تتنوع في مستوياتها ومصادرها، ومن ثم فهي مهنة قيادية يرتبط نجاح المشرف فيها بمقدار ما يملك من مهارات القادة الفاعلين. وفي سلسلة مقالاتي القادمة سأتناول بعض الأسرار التي تجعل نجاح المشرف في قيادة معلميه أكثر احتمالية للنجاح والفاعلية… وفي هذا المقال سأتناول سرا غريبا قد لا يلتفت إليه أحد، وأزعم أنه لم يكتب عنه أحد في حديثه عن مقومات المشرف الفعال، وبحكم دراستي للدكتوراه، والتي كانت عن الإشراف التربوي لم أطلع فيما اطلعت عليه من مصادر أن ثمت مصادر تحدثت عن هذا السر وهو: الحماس.

إن المعلمين المحظوظين الذين يعملون مع مشرف فَعَّال ومُتَحمس، هم من يقدرون أهمية الحماس والاستمتاع بالعمل. إن النظرة الإيجابية تعزز من قدرات المعلمين حتى في أصعب الأوقات، إن وجود زملاء ذوي اتجاهات إيجابية يجعل الإقدام على العمل أكثر متعة، ويعزز مناخاً يكون فيه الجميع أكثر إنتاجية، وتماماً مثلما تثبط الطاقة السلبية الأداء العام، فإن الطاقة الإيجابية والحماس يعززان الأداء الفعال، فإذا كانت الطاقة السلبية تقوم بدور إفراغ الطاقة فإن الطاقة الإيجابية تشحنها وتحافظ على مستوى مناسب من الشحن يضمن مزيدا من فاعلية الأداء وإنتاجيته، وقد نفقد الطاقة والحماس مع مرور الوقت، و ننساق إلى مقولات مثل: “لقد كنا هناك، آه لقد فعلنا ذلك من قبل، ليست المرة الأولى…إلخ” من عبارات التغني بأمجاد ماضية تعيش في  الذاكرة ولا تعيش في حاضرنا.

وحتى وإن مضى عليك زمن طويل في مجال الإشراف، اجتهد أن تُلبس المعلومات والتوصيات والتوجيهات التي تشاركهم إياها ثوبا جديدا، باستخدام مفردات جديدة وبشيء من الحماس والحيوية  ولكي تشرك معلميك معك وتدفعهم للاستمرار الإيجابي في رحلة النمو المهني بشكل تام، فإن عليك أن تحافظ على حماسك، وأن تبين لهم أنك تستمتع بما تقوم به.

إن ما نقوم به كمشرفين أمر في غاية الأهمية، فلا تجعل الروتين اليومي يخفت لهيب حماسك للتعليم.

بيّن لمعلميك أنك تستمتع معهم أثناء قيامك بعملك، وتذكر دائماً أنك تقوم بالإشراف على أهم وأكثر المهن التي تحقق رضا الضمير، أظهر لمعلميك طاقتك وشغفك بالتعلم بشكل واضح؛ فالحماسة كالعدوى سريعة الانتشار.

رجل من ذوي الهمم :

في إحدى أحياء مدينة الرياض التي عشت فيها كان يسكن في الحي شاب لديه شلل وبالكاد يتحرك، وكان لديه ضعف في قدراته العقلية مثلما لديه ضعف في قدرته الحركية -نسأل الله له وللجميع العافية – وذات مرة بينما نخرج من صلاة الفجر و أهمُّ بركوب سيارتي أشار لي لكي آخذه معي إلى بيته. فركب وكانت المرة الأولى التي يفتح معي فيها حوارا يتجاوز مجرد السلام ورده، فقال لي ماذا تعمل فقلت له: مشرف تربوي – لم أكن قد ترقيت إلى درجة مدير إشراف – فقال: ايش هذا ( ماذا يعني هذا) فقلت له: أعلم المعلمين كيف يعلمون – ما حبيت أدخل معه في التفاصيل فقط إشارة بسيطة إلى عملي- فقال لي: إذا كان المعلم كاد أن يكون رسولا فكيف بمعلم المعلم، كيف يعلم وهنا حقيقة شعرت وكأن ثقلا كبيرا ألقي على كتفي إذ شعرت بثقل الأمانة وعظم المسؤولية وأكبرت هذا الشاب.

لذلك أيها المشرف جدد إحساسك برسالتك، جدد إحساسك بأهميتك

جدد إحساسك يتجدد حماسك فتشعل حماس معلميك

لقد خبرت من ممارستي ما يؤهلني للقول: إن كثيراً من المشرفين لا يعتقدون أن إبداء الحماس عند القيام بدور المشرف هو جزء من المهنة، لكني أعتقد عكس ذلك تماما في حياتي المهنية التي امتدت لسنوات، كانت الشكوى الأكثر تكراراً على مسامعي من أي شكوى أخرى من المعلمين هي: “هذا المشرف ليس لديه جديد نفس العبارات و نفس التوصيات”، وقد يتندر بعضهم ويذكر ويسمي المشرف ببعض العبارات التي يكررها، مثل مشرف اترك مساحة مثلا، لأنه دائما يوصي بهذه التوصية للمعلم عندما يناقشه في ضرورة ترك مساحة زمنية بين السؤال وإجابة الطالب.

أخي المشرف التربوي :

1- إذا قدمت توصياتك وتوجيهاتك لمعلميك بطريقة تظهر أنك مفتش ومتصيد للأخطاء وأن هذا عملك وأنت مجبر عليه، سوف تفشل في إلهامهم، قد يكون من الممكن أن تنتهي من تنفيذ مؤشرات أدائك المكلف بها: زيارات صفية ومداولات …إلخ، ولكن سيكون من الصعب عليك أن تمتع نفسك ومعلميك في مثل هذه البيئة المميتة للعقل.

2- عند الدخول في أي حوار مع معلميك تسلح بطاقة قوية -عن مادتك الدراسية وعن استراتيجيات تدريسها والجديد في ذلك- وستجد أن معظم المعلمين ينقادون لك ويغمسون أنفسهم فيما تدعوهم إليه. عندما تتوافر لديك الطاقة والنشاط والشغف بدورك الإشرافي وأهمية التعليم والتعلم كرسالة، فإنك تعطي نفسك الفرصة لتلهم بعض المعلمين وتساعد الأغلبية العظمى على تطوير الكفاءة التي نريدها لكل واحد منهم، وعندما تفعل ذلك ستكون أكثر نجاحاً كمشرف، ولسوف تستمتع بمهنتك التي اخترتها بشكل كبير.

3- اغرس الطاقة والنشاط والحماس أثناء قيامك بعملية الإشراف، بل وكن مصدرا للعدوى في ذلك.

4- اختر كلماتك بحذر. فبدلاً من أن تقول: “هذه الاستراتيجية صعبة جداً” قل لهم: “أتوقع منكم أن تستمتعوا بأداء هذه الاستراتيجية. إنه تحد حقيقي، وسيكون لديكم كل أسباب الفخر بأنفسكم عندما تتقنونه”.

5- لا تروج لبضاعتك وتدفع المعلمين لشرائها بقوة السلطة، بل بقوة الحماس لها والشغف بأثرها.

وقد خرجت من عمق خبرتي بقاعدة:

إن أردت أن تعلمني شيئاً فمن الضروري أن أحس بأنه مهم بالنسبة لك وأنت متحمس له

البحث في Google:





عن د.أيمن أصلان

المدير التنفيذي لمركز صناعة القيادات. مستشار وخبير تربوي متخصص في مجال الإشراف التربوي.

4 تعليقات

  1. بارك الله جهودك استاذي الفاضل وان شاء الله تصل لنا باقي سلسلة المقالات

  2. مريم غنيم

    نفع الله بك د.أيمن ،وبارك فكرك وعلمك وخبرتك، وأدام عليك النفع لغيرك.
    دمت قياديًا ملهمًا فاعلًا محفّزًا متسق القول والفعل.

  3. إيهاب عابد

    بوركت جهودكم دكتور. أيمن أصلان. توصية بمداد من ذهب تعكس عمق خبرة وبلاغة تعبير وصدق رسالة. نفع الله بعلمكم وزادكم الله علما ورفع الله قدركم رفعة.

  4. اتمنى لك الخير معلومات جدا مهمة ومفيدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *