التعليم بالأجهزة المحمولة

أهم ما ينبغي معرفته عن نظرية التعلم الاجتماعي و التعلم بالملاحظة

ترى نظرية التعلم الاجتماعي بأن الأشخاص يتعلمون سلوكات جديدة، من خلال التعزيز أو العقاب، أو التعلُّم بالملاحظة والنمذجة، وكلما كانت النتائج أكثر إيجابية ومرغوبة للسلوك الملاحظ، تزداد فرصة تقليد وتبني ذلك السلوك.

وللتعلم بالملاحظة عدة مصادر منها التفاعل المباشر مع الأفراد المحيطين، أو غير المباشر، من خلال وسائل الإعلام المختلفة كالسينما والتلفاز، ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة للقصص والشخصيات الخيالية أو الأسطورية.

1- مفهوم التعلم الاجتماعي

يطلق عليها البعض “نظرية التعلُّم بالملاحظة” أو “التعلُّم بالتقليد” أو “بالنمذجة”؛ وهي حلقة الوصل بين النظريات المعرفية والنظريات السلوكية، ويعود سبب التسمية إلى أن النظرية تنطلق من افتراض رئيس بأن الإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بمن حوله، وأنه يتعلم من ملاحظة السلوك وتخزينه، ثم استرجاعه عند الحاجة وتقليده؛ وهو ما يسمى ” التعلُّم الكامن “.

2- ظهور النظرية

ظهرت نظرية التعلم الاجتماعي في الوقت الذي عجزت فيه النظرية “السلوكية الراديكالية للتعلم” عن تفسير السلوك الإنساني، لإهمالها العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية، الأمر الذي استدعى وجود نظريات بديلة؛ ومنها “السلوكية الاجتماعية المعرفية” والتي تدرس تأثير عوامل مجتمعة على السلوك وهي “البيئة والسلوك والعوامل الشخصية”.

– تجارب باندورا  

استخدم باندورا عدداً من التجارب ليضع نظريته، ومنها لعبة المهرج، حيث طُلب من شخص بالغ ضرب الدمية أمام مجموعة من الأطفال، وكانت النتيجة في ثلاثة سلوكيات مختلفة:

  • الأطفال الذين شاهدوا المعتدي مُعاقَباً كانوا الأقل ميلاً لضرب الدمية.
  • الأطفال الذين شاهدوا المعتدي دون عقاب كانوا يميلون لضرب الدمية.
  • الأطفال الذين شاهدوا المعتدي يتم تعزيزه كانوا الأكثر ميلاً لضرب الدمية.

3- المبادئ الأساسية للنظرية

لاحظ باندورا خلال تجاربه أنه كلما زاد حب الأشخاص للنموذج “الشخص الذي يتم تقليده” فإن تأثيره عليهم يكون أكبر؛ وأن التعزيز يشكل دافعا قويا لتذكر السلوك وممارسته لاحقاً؛ مع التأكيد على دور العمليات المعرفية في التعليم، وعليه وضع عدداً من المبادئ الأساسية لنموذجه:

  • مبدأ الحتمية التبادلية: يشير إلى التفاعل بين مكونات ثلاث: “الشخص والسلوك والبيئة” فأحيانا العوامل الشخصية هي التي تنظم السلوك، وفي أحيان أخرى يتأثر الشخص بالبيئة، والعمليات المعرفية لها دور في التحكم الشخص والسلوك والبيئة.
  • مبدأ العمليات الإبدالية: إن تعلُم السلوك يمكن أن يكتسب على نحو بديلي، من خلال ملاحظة النماذج دون الحاجة لمرور الفرد بالسلوك نفسه، فيتم التعلُّم دون المرور بتجربة مباشرة بالثواب والعقاب، حيث أن مبدأ المحاولة والخطأ غير كاف لتعلم السلوك بل يجب ملاحظته.
  • مبدأ العمليات المعرفية: لا يحدث التعلُّم بالملاحظة على نحو أوتوماتيكي، وإنما بشكل انتقائي، ويتأثر التعلُّم بالعمليات المعرفية للملاحظ، وفقاً للثواب والعقاب، وتتدخل العمليات الداخلية كالاستدلال والتوقع والإدراك. فالسلوك الملاحظ يخضع للمعالجة المعرفية لتفسيره وتحديد الشكل الأفضل له.
  • مبدأ عملية التنظيم الذاتي: ينظم الأشخاص سلوكهم على ضوء النتائج المتوقع تحقيقها من جراء القيام بذلك السلوك، إذ أن توقع النتائج يحدد إمكانية تعلُم السلوك، أو عدمه كما أن للتوقع دوراً رئيساً في ممارسة السلوك واستخدامه.

4- مراحل التعلُّم بالملاحظة :

أ- مرحلة الانتباه Attention

الملاحظة غير كافية للتعلم، بل يجب أن ينتبه المتعلم للسلوك الملاحظ، حيث يتأثر الانتباه، بخصائص النموذج المؤثرة من حيث التقبل والسيطرة والكفاءة، ناهيك عن الأمور المشتركة بين الملاحظ والنموذج، بالإضافة إلى خصائص الملاحظ، فالأشخاص الذين يمتلكون فهماً أعمق للذات، يُعتبرون الأقل ميلا للانتباه للسلوك نظرا لميلهم للاستقلالية والتميز، ولا نغفل عن مدى تأثر الانتباه بالمستوى الاجتماعي والذكاء والجنس، كما أن الأطفال الأكبر سنا لديهم القدرة أكثر من الأصغر على الانتباه ومتى عليهم ذلك، كما أن وجود دافع للتعلم يزيد من الانتباه للسلوك.

ب- مرحلة الاحتفاظ Retention

يحتفظ الأشخاص بالسلوك، ويتم تذكره بسبب حفظه في الذاكرة عن طريق عمليات الترميز، كما تساعد الممارسة والتكرار لفترات طويلة على الاحتفاظ بالسلوك، لذلك على المتعلم أن يحتفظ بالمعلومات ويخزنها في الذاكرة ويقوم بترميزها خلال ملاحظة النموذج، حتى يتمكن من تذكرها واسترجاعها عند الحاجة.

ج- مرحلة الإنتاج الحركي Motor reproduction 

تتطلب مرحلة الأداء قدرات لفظية وحركية، لتحويل التعلُّم إلى سلوك قابل للقياس، فبعد ملاحظة النموذج، والاحتفاظ بالسلوك وتخزينه في الذاكرة، على المتعلم ترجمة السلوك الملاحظ والمخزن، إلى عملية الإنتاج الحركي للسلوك، الذي يمكن قياسه، والذي يتطلب قدرة جسدية لدى المتعلم.

د- مرحلة التعزيز  Reinforcement  

يقصد بالتعزيز، الإجراء الذي يتبع السلوك المرغوب ويزيد من احتمالية تكرار السلوك، وهناك التعزيز الإيجابي؛ وهو تقديم مثير مرغوب بعد السلوك المرغوب لضمان تكراره، أما التعزيز السلبي؛ فهو إزالة مثير غير مرغوب بعد السلوك المرغوب لتكراره حدوث السلوك المرغوب.

وفي مرحلة التعزيز لن يتقن الفرد السلوك ما لم تكن لديه الدافعية الذاتية لتعلمه، كما أنه لن تكون هناك عملية تعلُم متقنة تماما كالنموذج، ما لم يلقى ذلك السلوك القبول والتعزيز المناسب.

وأما عن دور التعزيز في التعلُّم بالملاحظة، فإن تعزيز السلوك يؤدي لتعلم السلوك وتكراره، أما العقاب، فهو إجراء غير مرغوب يؤدي لتقليل تكرار السلوك غير المرغوب ومنه تعريض الفرد لمثيرات غير مرغوبة للتقليل من تكرار السلوك، أو حرمان الفرد من التعزيز أو الأشياء المرغوبة لديه للحد من تكرار السلوك غير المرغوب.

5- نواتج التعلُّم بالملاحظة  

لعل من أبرز نواتج التعلُّم بالملاحظة، تعلُم أنماط سلوكية جديدة، وهو أمر متوقع من الجميع خاصة الأطفال، لانعدام خبراتهم مقارنة بالبالغين، أما عند البالغين فيزداد تعلُم السلوك في حال تفاعلهم مع بيئة جديدة.

ومن نواتجه أيضاً، أنه يتم التوقف عن سلوك عند معاقبة النموذج لقيامه بالسلوك، بينما يتم القيام بالسلوك وممارسته في حال حصول العكس، كما يمكن تسهيل ظهور السلوك الذي تم تعلمه من قبل، حتى بعد إهماله أو نسيانه، بمجرد مشاهدة نموذج يقوم به، مما يجعل من السهل العودة للسلوك مرة أخرى.

6- نقد نظرية التعلُّم الاجتماعي

تتلخص فكرة التعلُّم الاجتماعي بأن البيئة الخارجية تقدم للأشخاص نماذج كثيرة من السلوك الذي يقوم الفرد بتقليدها، حيث ربطت بين المدرسة السلوكية والمعرفية، بين سلوك الأفراد والعمليات المعرفية لديهم.

إلا أن هناك العديد من الأسئلة غير المجابة حول النظرية، والتي ما زالت بحاجة لإجابات مقنعة، كإغفال باندورا التحدث عن أهمية الذكاء والقدرات والدوافع والبناء المعرفي في استقبال أشكال السلوك الملاحظ، كما لم يقم بتحديد العوامل التي تقف خلف اختيار السلوك الملاحظ، أضف إلى ذلك أن النظرية لم تحدد أيهما الأكثر أهمية في اكتساب السلوك الملاحظ، التعزيزات الخارجية التي يحصل عليها الفرد من الآخرين، أم التعزيزات الداخلية الذاتية.

كما ترى أن تعديل السلوك يتم بناء على ما يشاهد الفرد من سلوك أو ما يتوقع من مكافأة في حال قلّد ذلك السلوك، وأن عدم قدرة الأطفال على تقليد السلوك كما يجب يعود لعامل النضج الذي لم يكتمل لديهم وهذا ما أهملته المدرسة السلوكية.

و بكلمات أخرى تم انتقاد النظرية لتركيزها على السلوكات الظاهرة، على الرغم من قناعة باندورا بأهمية ودور العوامل المكمونة، ولعل السبب يعود لتشدّده ضد التحليل النفسي، مما جعله يتجاهل مشكلات إنسانيّة كالصراعات وغيرها.

ولكن علينا ألا نغفل دور وأهمية النظرية في تفسيرها لأسباب الاختلاف في أشكال التعلُّم بين الأطفال العاديين والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، رغم أن كليهما يشاهد السلوك ويحاول تقليده من خلال التفاعل الاجتماعي، كما ويمكن استخدامها في العلاج النفسي وتعديل السلوك، إذ أنه عند الملاحظة يتعلم الفرد مبادئ السلوك، مما يتيح له فرصة التغيير والتنويع في الاستجابات، بل والتعديل عليها بما يتناسب وطبيعةَ الموقف الذي يتعرض له، وهو ما يطلق عليها “النمذجه المجردة” أو الأشكال ذات المرتبة الأعلى من أشكال التعلُّم الاجتماعي، والتي يسعى فيها الفرد إلى الوصول إلى السلوك الأكثر قبولاً في المجتمع، ويبتعد عن السلوك غير المقبول اجتماعياً.

المراجع

  • أبو جادو، محمد علي صالح (2000) علم النفس التربوي. الطبعة الثانية. دار المسيرة عمان: الأردن.
  • الخطيب، جمال(2003) تعديل السلوك الإنساني. مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى
  • الزغول، عماد (2003) نظريات التعلُّم . دار الشروق . عمان : الأردن.
  • هنداوي، علي، والزغول، عماد(2002) مبادئ أساسية في علم النفس، الطبعة الأولى، دار حنين للنشر والتوزيع – مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.

البحث في Google:





عن د. إيناس عبّاد العيسى

بكالوريوس في الكيمياء والرياضيات والفيزياء، دبلوم عال في أساليب تدريس الرياضيات والعلوم. ماجستير في الإدارة من جامعة ليڤريول- بريطانيا، دبلوم عال في الإرشاد التربوي من الجامعة العبرية. ماجستير ثان في التربية من جامعة بيرزيت. دكتوراه في فلسفة التربية وقيادة المؤسسات التربوية. تعمل محاضرة في عدد من الجامعات والكليات والمؤسسات التربوية منها جامعة القدس المفتوحة، كلية المقاصد الجامعية، جامعة النجاح الوطنية، جامعة القدس، مركز إرشاد المعلمين، مركز إبداع المعلم وغيرها .. ناشطة مجتمعية، عضو مجلس أمناء وعضو هيئة إدارية في عدد من المؤسسات المحلية والدولية، سفيرة للعمل التطوعي في المنظمة الدولية للعمل التطوعي. لها عدد من المؤلفات في التربية وعلم الاجتماع والإدارة والقيادة. بالاضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات المنشورة بالعربية والإنجليزية ومنها مترجمة للفرنسية والعبرية في عدد من المجلات المحلية والعالمية. القدس. فلسطين

تعليق واحد

  1. منى أحمد صادق سعد

    مقال جميل ومفيد لمن هم في المجال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *