المنهج الخفي

الطبقة الاجتماعية والمنهج الخفي في البيئة المدرسية

في المجتمعات الرأسمالية، حيث غياب العدالة الاجتماعية، ليس من المستغرب وجود مدارس تخص الأغنياء منهم، وأخرى تخص الطبقات المعدومة، وتكون الأولى دون شك أفضل من تلك الموجودة في التجمعات الفقيرة، بل إن لكل منها دورها في إعداد الطلاب لمهنهم المستقبلية، والأدوار المتوقعة منهم.

ومن ناحية أخرى، فإنه لمن الملفت للنظر معرفة بأن مدى الاختلاف في المدارس لا يكمن في الموارد التي تمتلكها المدرسة وحسب، وإنما هو اختلاف في أساليب التعليم وفلسفات التربية.

خلصت الباحثة جون أنيون في مقالتها إلى أن بعض جوانب التعليم، ترى وجود منهج خفي في المدارس، بني هذا المنهاج على مهارة الطالب ووضعه الاقتصادي والاجتماعي، مع ملاحظة أن كل أبناء طبقة يتم تدريسهم، وتحضيرهم وإعدادهم بطريقة ومنهج وأسلوب ينسجم مع تصورات المجتمع لهم مستقبلاً، سواء من حيث الوظائف أو المناصب أو التوقعات المطلوبة منهم، أو المكانة التي سوف يحتلها كل طالب، وما نوع وطبيعة المواقع المهنية لهم ضمن الرتب المتاحة في السلم الاجتماعي، حيث يتم تحضيرهم ليكونوا نماذج جديدة من آبائهم، ويمارسون ذات الأعمال إلى حد بعيد.

المنهج الخفي

يقصد به العمل والآلية التي تتبعها المدرسة، أو المعلمين أو الإدارة، في تعليم الطلاب وتدريسهم، والتي لا تكون معلنة ولا مكتوبة، رغم أن دورها يكمن في تعزيز الفروقات الاجتماعية بين الطلاب، إذ يتم تدريسهم وفقاً للطبقات الاجتماعية التي يأتون منها، وبحسب الوضع الاجتماعي الذي يرتب الطلاب استناداً إلى الثروة والخصائص الاجتماعية بما فيها العرق والنوع والدين.

السلّم الاجتماعي

حتى تتمكن الباحثة أنيون من الحديث عن المناهج المختلفة، التي تتبعها المدارس المتنوعة في طبقاتها الاجتماعية، فقد أشارت إلى الطبقات الاجتماعية المختلفة التي قامت بتعريفها باستخدام أمثلة من المهن التي يمارسها أولياء أمور الطلاب في المدارس المدروسة، حيث وزعت في أربع طبقات مختلفة هي:

  1. مدارس أبناء الطبقة العاملة

عائلات الطلاب في تلك المدارس يعيشون تحت خط الفقر، أو في الحد الأقرب منه، ومعظم أهالي الطلاب هم من العمال غير المهرة.

الطلاب في تلك المدارس يجيدون تنفيذ واتباع فلسفة تربوية معينة، حيث لا يتم تشجيعهم على طرق حل المشكلات، او التعلم بالاكتشاف، أو حتى التعلم الذاتي، أو بذل أي مجهود من قبل المعلمين في تقديم التعليم بطرق، أو استخدام استراتيجيات مدروسة، وحديثة، وإبداعية.

كما يتم تقييم الطلاب من خلال تنفيذهم التلقائي للهيكلية المتبعة في الحل، سواء كانت صحيحة أم لا، وليس على أساس إعطائهم للجواب الصحيح، أو الطرق الإبداعية التي يمكن اتباعها، أو حتى التفكير خارج الصندوق.

تتميز تلك المدارس بعدم وجود تواصل تراكمي بنّاء بين المعلمين والطلاب، فالقرارات التي كان يتخذها المعلم لم تكن مبررة للطلاب، ولم يكن المعلم ملزما بتبريرها أصلاً، فمثلاً لم يكن هناك التزام بقرع الجرس في موعده المحدد، سواء لبداية الحصة، أو نهايتها، الأمر الذي كان يدفع الطلاب للتساؤل: “في أي حصة نحن؟”، “متى حصة التربية البدنية؟”. وغالباً ما كانت نبرة المعلمين فيها إلقاء أوامر على الطلبة بدل طلب الإذن مثلاً، اذ لم يستخدم المعلمون، ولا الطلاب كلمات مثل: “لو سمحت، هل تستطيع، شكراً، الخ…”

  1. مدارس أبناء الطبقة الوسطى

تنتمي مهن أهالي هؤلاء الطلاب، أما إلى أصحاب المهن ذات الدخل الجيد كالنجارين والحدادين وعمال البناء، أو قد يكونون من أصحاب المهن الأقل دخلاً  كالعاملين التابعين للدولة، مثل رجال الإطفاء أو الشرطة أو المعلمون.

يتم في تلك المدارس تقييم الطلاب وقدراتهم على القيام بواجباتهم المدرسية، وذلك حسب قدرتهم على إعطاء الإجابة الصحيحة، بصرف النظر عن الآلية أو التقنية التي اتبعها الطالب في الوصول إلى الإجابة وحل المسألة، وفيما إذا كان قد فهم السياق فعلاً أم لا.

نمط السيطرة وفرض النظام في تلك الطبقة الاجتماعية من المدارس يتراوح ما بين الشد واللين في بعض الأحيان، إلا إذا كانت قرارات المعلمين مبنية على أساس قانوني، معتمدة على اللوائح والأنظمة التي تحكم المدرسة.

  1. مدارس أبناء الطبقة المهنية الراقية

معظم الذين يرتادون تلك المدارس ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية الأكثر رقياً، ويعد دخل العائلة لهؤلاء الطلاب مرتفع جداً، إذا ما قورن بدخل جميع عائلات الطبقة الوسطى.

يتسم عمل الطلاب في هذه المدارس بأنه نشاط إبداعي يتم بشكل مستقل، حيث يتوجب على الطلاب التعبير عن الأفكار والمفاهيم وتطبيقها. فالهدف في تلك المدارس لم يكن فقط التأكد من أن الطلاب يستطيعون عمل مهمات محددة، وإنما فهمهم الجيد لتلك المفاهيم. أما ما يتعلق بضبط الصف وفرض النظام المدرسي، فالنمط السائد هو مزيج من التفاوض الدائم والحرية في التعبير. والمعلمون لا يقومون بإعطاء الأوامر، إلا في حال عدم تمكنهم من السيطرة المطلقة على الطلاب.

  1. مدارس أبناء النخبة

معظم أهالي الطلبة (الآباء) هم من المدراء التنفيذيين في كبرى الشركات أو من النخب العاملة في البورصة العالمية Wall Street.

في تلك المدارس يتم العمل على تعزيز القدرات الفكرية والتحليلية، والتفكير المنطقي والتعلم بالاكتشاف. فالطلاب لا يتعلمون في تلك المدارس آلية حل المشكلات فحسب، بل يتعلمون المفاهيم الأساسية التي تندرج تحت إطار التطبيقات العملية للمعرفة في مختلف السياقات التعليمية.

طلاب تلك المدارس يميلون للعمل الدؤوب، مع ملاحظة حبهم للمدرسة، وما يصاحبها من فعاليات مختارة، فهم يتمتعون بحس المسؤولية، مع وجود مساحة من الحرية في استخدام الموارد والمرافق المدرسية الكثيرة والمتنوعة الموجودة في المدرسة. كما يتعامل المعلمون معهم باحترام واضح، ولا يقللون من أهمية أي منهم ويتم مناداة كل طالب باسمه.

كما لم يكن ضرورياً أن يطلب الطالب إذناً لمغادرة الصف وقتما يشاء، علماً بأن على الأساتذة التواجد بشكل مستمر تحت تصرف الطلاب، في أي وقت سواء أكان ذلك خلال الدوام الرسمي للمدرسة، أو بعد نهايته، أو حتى خلال العطل الرسمية والمناسبات، وفي أي وقت يشعر الطالب بحاجته إلى طلب المساعدة.

إن الفروقات في المدارس الأمريكية المختلفة، تظهر واضحة ومتباينة سواء على الصعيد الأكاديمي، أو التربوي أو التعليمي أو مستوى السلوك والانضباط والحوار واستراتيجيات التعليم، حيث نجد أن العملية التربوية أو الوظائف المتوقعة، في السياقات الاجتماعية الطبقية المختلفة، يدفعنا للاستنتاج بأن المنهج الخفي في العملية التعليمية، ما هو إلا تحضير استراتيجي ضمني لعملية إعادة الإنتاج في المجتمع الأمريكي وبطريقة مبرمجة، فالمناهج المختلفة وأساليب التدريس المتباينة، وآليات التقييم المتبعة مع الطلاب، تعمل معاً لتشكل القدرات والمهارات الفكرية والسلوكية المختلفة في كل سياق اجتماعي طبقي، مما يسهم في بناء علاقات محددة بين الطلبة من جهة الموارد الفيزيقية والقيمية الرمزية، وبين السلطة والعمل من جهة أخرى، حيث تعمل المدرسة على تكريس القيم السائدة وإعادة انتاجها من جديد، فما يحدث داخل جدران الصف، له انعكاساته الاجتماعية ومساهمة واضحة حقيقية في إعادة انتاج العلاقات الطبقية وغير العادلة داخل المجتمع الرأسمالي.

 


 المراجع

Anyon ,J. (1980) Social Class and hidden Curriculum of work . Journal of Education 1(5), 162

Kauffman ,D. , Moore , S. ,Kardos , S. , Liu , E. , Peske , H. (2002) Lost at Sea : New Teachers Experiences with Curriculum and Assessment . Teachers College , 104,273-300

البحث في Google:





عن د. إيناس عبّاد العيسى

بكالوريوس في الكيمياء والرياضيات والفيزياء، دبلوم عال في أساليب تدريس الرياضيات والعلوم. ماجستير في الإدارة من جامعة ليڤريول- بريطانيا، دبلوم عال في الإرشاد التربوي من الجامعة العبرية. ماجستير ثان في التربية من جامعة بيرزيت. دكتوراه في فلسفة التربية وقيادة المؤسسات التربوية. تعمل محاضرة في عدد من الجامعات والكليات والمؤسسات التربوية منها جامعة القدس المفتوحة، كلية المقاصد الجامعية، جامعة النجاح الوطنية، جامعة القدس، مركز إرشاد المعلمين، مركز إبداع المعلم وغيرها .. ناشطة مجتمعية، عضو مجلس أمناء وعضو هيئة إدارية في عدد من المؤسسات المحلية والدولية، سفيرة للعمل التطوعي في المنظمة الدولية للعمل التطوعي. لها عدد من المؤلفات في التربية وعلم الاجتماع والإدارة والقيادة. بالاضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات المنشورة بالعربية والإنجليزية ومنها مترجمة للفرنسية والعبرية في عدد من المجلات المحلية والعالمية. القدس. فلسطين

تعليق واحد

  1. موضوع في القمة نتمنى أن تعرضوا موضوع النسبوية الثقافوية لمشال جون يبرتلو ودوره في الاخفاق المدرسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *