التعليم وكورونا

ظاهرة انتشار الندوات والمؤتمرات الإلكترونية في فترة كورونا

مقدمة

لوحظ، خلال الشهرين الماضيين أثناء فترة كورنا، ظاهرة انتشار تنظيم اللقاءات الإلكترونية في مواقع مختلفة من العالم، وفي أوقات على امتداد اليوم، ولوحظ الإقبال الكبير على المشاركة فيها، وجاءت هذه اللقاءات على شكل ندوات، أو مؤتمرات، أو محاضرات، وفي بعض الحالات ورشات عمل أو دورات تدريبية، وتناولت مواضيع مختلفة في المجالات التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغيرها.

تهدف هذه المقالة إلى محاولة استخلاص أبرز معالم هذه الظاهرة، وتحليل سبب الإقبال عليها، إضافة إلى استخلاص ما يمكننا تعلمه منها، والتفكير حول كيفية تطويرها واستثمارها.

أبرز معالم هذه الظاهرة

  • تجاوز الحدود الزمانية المعتادة: كانت اللقاءات والندوات والمؤتمرات تتم عادة في أوقات العمل في ساعات ما قبل العصر أو الظهر، بعيدا عن ساعات المساء، وبعيدا عن الوقت الذي كان يعد خاصا مثل أوقات العطل، وبعيدا عن ساعات ما بعد العمل التي كانت تعد شبه محرمة فيما يتعلق بالاجتماعات واللقاءات. لقد تم تغيير الخارطة الزمنية لمثل هذه اللقاءات، إذ تم عقد الكثير منها ما بعد الساعة الثالثة عصرا أو ما بعد المغرب، وبعضها كان يعقد في ساعات تتجاوز التاسعة مساء.
  • تجاوز الحدود المكانية المعتادة: أتاحت بعض هذه اللقاءات الإلكترونية فرصة المشاركة لأشخاص من خارج المؤسسة أو المدينة أو الدولة، سواء كانت مشاركتهم كمتحدثين أو مشاهدين، أو مستمعين.
  • توافر أشكال مختلفة من تقنيات التواصل: كانت هذه اللقاءات على نحو غير وجاهي (ليس وجها لوجه)، وعبر شبكة الانترنت، باستخدام تقنيات وتطبيقات إلكترونية مختلفة، تتميز بسهولة استخدامها، وإتاحتها مجانا أو بتكلفة قليلة.
  • التعددية والتنوع: تعددت الجهات المنظمة لهذه اللقاءات، سواء كانت مؤسسات عامة، أو خاصة، أو مدنية، وسواء كانت مؤسسات تعليمية أو صحية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكذلك تعددت الموضوعات المطروحة للنقاش؛ مما أتاح للمشاركين المجال للاختيار حسب الاهتمام.
  • تنوع الجمهور المشارك: لوحظ أن هذه اللقاءات جذبت انتباه ومشاركة قطاع عريض من الجمهور، سواء كان مختصا أو غير مختص، ويعود ذلك إلى طرح موضوعات مهمة، وعامة، ومن الأمثلة على ذلك: تأثير الجائحة على التعليم أو على الصحة أو على الاقتصاد، وسبل الحماية من الإصابة، وغير ذلك.

الأسباب الكامنة وراء الإقبال

تعددت الأسباب التي دفعت الأشخاص إلى المشاركة في هذه اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات الإلكترونية، ومن هذه الأسباب:

  • توافر متسع من الوقت لدى الناس: كان معظم الناس يقضون وقتهم في بيوتهم في الليل والنهار أثناء جائحة كورونا يبحثون عما يشغلهم، ويبعد عنهم الملل.
  • مشاركة واسعة للنساء: أتاحت هذه اللقاءات فرصة المشاركة لقطاع واسع من النساء دون أن يغادرن منازلهن، وأزاحت من أمامهن عوائق كثيرا ما كانت تحول دون مشاركتهن، مثل: تأخر وقت اللقاء، أو تنظيمه وقت عودة الزوج والأولاد إلى البيت، أو تنظيمه في مكان بعيد يستغرق وقتا طويلا، أو يحتاج لتغطية تكلفة المواصلات، للوصول إليه.
  • الشعور بقيمة الذات: ساعدت المشاركة في هذه اللقاءات البعض على استعادة الشعور بقيمة ذاته، وفاعليته، واستمراره في الإنتاج.
  • قلة التكلفة أو انعدامها: لا تكلف مثل هذه اللقاءات منظميها أو المشاركين فيها إلا القليل، وأحيانا لا تكلف شيئا، فهي تلا تتطلب السفر أو المواصلات، ولا تحتاج القاعات والضيافة والقرطاسية، وكذلك لا تتطلب الغياب عن العمل أو تعطيله.
  • إتاحة المجال للتشارك: أتاحت اللقاءات الإلكترونية عبر تقنيات التواصل المختلفة المجال للمناقشة وإبداء الرأي، والتشارك في المعلومات والمعارف والخبرات، وطرحت مواضيع الساعة للحوار، سواء تلك المتعلقة بأزمة كورونا أو ما بعدها.
  • الرغبة في كشف الستار عن المستقبل: شارك الكثيرون في هذه اللقاءات بدافع الرغبة في معرفة ماذا سيجري في الغد، وما هي تداعيات ما بعد كورونا، وما هي التحديات الحالية والقادمة، وما هي التغيرات التي يمكن أن تحدث على طريقة العمل، والتعلم، والمعيشة، والآثار على التعليم، والاقتصاد، والسياسة.
  • التعلم بأشكال مختلفة: أتاحت بعض هذه اللقاءات مصادر تعلم متنوعة، وطرقا جديدة للتعلم والتفاعل والحوار والتشارك في الخبرات والمعارف، وساعدت في تطوير مهارات التعلم الذاتي واستراتيجيات التعلم عن بعد، كذلك ولدت الحافز الذاتي لتعلم مهارات استخدام وسائل التواصل وبعض التطبيقات الإلكترونية.
  • إثبات الوجود: إذ بعد فترة سبات قصيرة، وانقطاع عن التواصل والعمل والإنتاج، قام البعض، سواء كانوا أفرادا أو عبر مؤسسات (شركات، جمعيات، منظمات دولية، منظمات غير حكومية،..) بتنظم بعض الأنشطة سواء في مجال التوعية أو التثقيف أو التعليم أو التدريب، من باب “نحن ما زلنا هنا”، اي من باب إثبات الوجود، أو تحسبا للوم أو المساءلة التي قد تحدث بعد عودة الحياة إلى طبيعتها، والخشية من السؤال: أين كنت؟ وماذا فعلت؟
  • الحرية في الاختيار وتحمل المسؤولية: لقد كانت مشاركة معظم الأشخاص في هذه اللقاءات بناء على قرارهم واختيارهم، دون أن يتم تكليفهم أو انتدابهم من قبل المسؤولين عنهم أو الجهات التي ينتمون إليها، وكانوا يشعرون أن ذلك من مسؤوليتهم نحو أنفسهم ومجتمعهم.

أوجه الاستفادة واستمرارها

آمل ألا يتراجع استخدام تقنيات وتطبيقات التواصل الإلكترونية في تنظيم اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات الإلكترونية بعد انحسار فيروس كورونا. وأرى أنه يجب العمل على تعزيز استخدامها والاستفادة منها في تحقيق أمور كثيرة، منها:

  1. زيادة فرص المشاركة والتعلم: يمكن استثمار هذه اللقاءات في تعزيز مشاركة النساء، وكبار السن، والفئات المهمشة والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم الذين كانت مشاركتهم في اللقاءات الوجاهية محدودة جدا، وأحيانا معدومة. كذلك، يمكن استثمارها في تعزيز فرص ومهارات التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة.
  2. تشكيل مجتمعات التعلم: يمكن أن تساعد اللقاءات والاجتماعات عبر وسائل التواصل الإلكترونية في تكوين ما يمكن تسميته بمجتمعات التعلم سواء كانت محلية أو اقليمية أو دولية، وفي موضوعات ومجالات مختلفة، دون أن يحد من مشاركة المهتمين بهذه المجتمعات تقييدات الزمان والمكان.
  3. مواكبة التطورات والمستجدات: يمكن أن تتيح سهولة المشاركة في هذه اللقاءات الفرصة للمهتمين لمواكبة التطورات في مجالات حياتهم الشخصية أو المهنية أو الأكاديمية، ورصدها وتحليلها واستخلاص التوجهات المستقبلية منها.
  4. تقليل نفقات الفعاليات: يمكن تنظيم الكثير من الدورات والمؤتمرات والاجتماعات الإلكترونية دون الحاجة إلى قاعة، أو مواصلات، أو ضيافة كما كان يحدث في اللقاءات الوجاهية حيث كانت معظم موزانة بعضها تخصص لاستئجار قاعة وتوفير الوجبات والضيافة، وأحيانا تكلفة التنقل وتذاكر السفر، وكان ذلك كثيرا ما يؤدي إلى تعذر تنظيم بعض المؤتمرات أو اللقاءات بسبب عدم توافر موازنة كافية لها.
  5. تحقيق أغراض متعددة: يمكن الاستفادة من تقنيات ومنصات التواصل الإلكترونية، وتنظيم اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات عبرها في تحقيق مجموعة من الأغراض في المجالات المختلفة، منها: التوعية، والحوار، والمناصرة، والتعليم، والتدريب.

من جهة ثانية، يتطلب تطوير الاستخدام المثمر والواعي للقاءات الإلكترونية المختلفة العمل على ما يأتي:

  • تنمية التفكير الناقد: من الضروري أن يطور المشاركون قدرتهم على التفكير الناقد، من حيث تقييم المعلومات والوقائع، والتأكد من الآراء المختلفة التي تخص الموضوع محلِّ البحث، وبيان الجانب السلبي والإيجابي، وتحديد المعلومات الصحيحة والمغلوطة، والنظر إلى الموقف من جميع الجوانب، والاحتكام في التفكير إلى مصادر علمية موثوقة.
  • تطوير قدرات المسيرين: لكي تنجح هذه اللقاءات في تحقيق أهدافها، ينبغي العمل على تطوير قدرات مسيري هذه اللقاءات في إدارتها، وفي طرح الأسئلة وتوجيه النقاش والتفاعل، وتوجيه المتحدثين.
  • الانتباه إلى بعض القضايا: يجدر الانتباه إلى التفاوت الواسع في ثقافة ومعرفة وأهداف الجمهور المشارك، وإلى احترام الخصوصية والثقافة المحلية، وكذلك الانتباه إلى التباين في امتلاك تقنيات تكنولوجيا الاتصال ومهارات استخدامها.

البحث في Google:





عن د. وحيد جبران

استشاري تربوي ومدرب مستشار معتمد، دكتوراة في التطوير الإداري، والماجستير في التربية. يعمل حاليا في الاستسشارات والتدريب في مجالات التطوير التربوي والقيادة والتطوير الإداري. رئيس مجلس الإدارة في جمعية المدربين الفلسطينيين، وأحد مؤسسيها. ومدرب معتمد من جمعية المدربين الأردنيين، ومدرب مستشار معتمد من اتحاد المدربين العرب. وفاز بالجائزة الثالثة كمدرب مستشار معتمد في إطار المدرب العربي المتيز 2018 التي أعلن عنها اتحاد المدربين العرب. عمل في عدة مواقع إدارية وتعليمية في وكالة الغوث الدولية. له عدة كتب وأدلة ومواد تدريبية، منها: كتاب في التعلم النشط، ودليل مرجعي في التدريب من 15 فصل، ودليل في التربية المدنية، وكتاب جامعي في أساليب تدريس العلوم في جامعة القدس المفتوحة، ودليلين تحت عنوان مسيرتي في جامعة خضوري فرع رام الله، وغيرها.

3 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك على المقالة،نعم أصبحت ظاهرة المؤتمرات الإلكترونية في ظل هذا الوباء ضرورة لابد منها انا شخصيا استفدت منها كثيرا

  2. ا. د. مجدي يونس

    المقالة تحدثت عن الايجابيات فقط وكأنها دعاية لتلك الندوات والملتقيات .. ولم تذكر لنا المقالة السلبيات الناجمة عن تلك الملتقيات الالكترونية .. ولم تشر أيضاً الى صعوبات ومعوقات المشاركة فيها.
    شكراً لكلتب المقالة.

  3. د منذر العباسي

    روعه كانت دراسة تحليلية متميزة بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *