المذاكرة في رمضان

المذاكرة في رمضان : كيف يحسن الصيام من الأداء الأكاديمي للطلاب؟

المذاكرة في رمضان

على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الصيام يجعل القيام بباقي الأعمال أمراً مرهقاً، إلَّا أنَّ حياتي كأم لثلاث أطفال ومعلمة لمدرسة في المرحلة الابتدائية جعلني ألاحظ عكس ذلك تماماً.

في البداية، كنت قلقةً قليلاً بشأن تأثير الصيام على قدرات أولادي وطلابي الجسدية والذهنية، خاصةً في الوقت الذي يُطلَب منهم فيه التركيز والإنتاجية في الحصص المدرسية بدون أي غذاء يمدهم بالطاقة. ولكن بعد سنواتٍ من الملاحظة والمتابعة لاحظت شعورهم بمزيدٍ من التركيز في رمضان بالإضافة إلى ازدياد تفاعلهم معي في الأنشطة المدرسية وقدرتهم على استيعاب المعلومات وحفظها بشكلٍ أفضل من المعتاد.

مما دفعني للبحث بشكلٍ أعمق وراء الأمر ومعرفة الجانب العلمي من فوائد الصيام التي لا حصر لها وتأثير الصيام على الأداء الأكاديمي للطلاب.

المزيد من التركيز والانتباه

أظهرت الدراسات أن الصيام يؤدي إلى زيادة مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو بروتين يلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز نمو الخلايا العصبية في الدماغ وبقائها على قيد الحياة. وتم ربط هذه الزيادة في البروتين بتحسين الوظيفة المعرفية للعقل. بما في ذلك التعلم والذاكرة والتركيز المحسن.

بالإضافة إلى ذلك، وُجِدَ أن الصيام يزيد من إنتاج الكيتونات، وهي جزيئات ينتجها الكبد خلال فترات انخفاض مستوى الجلوكوز. وتقوم الكيتونات بتوفير مصدر وقود بديل للدماغ، مما يساهم في تحسين الوظيفة الإدراكية للعقل.

ومنها بشكل عام، يكون الجسم في حالة يقظة عالية، مما قد يزيد من وضوح الذهن وتركيزه، فيتمكَّن الطلاب من استيعاب المعلومات الجديدة بشكل أكثر فعالية والاحتفاظ بها لفترات أطول من الوقت.

وهو ما يدفع العديد من الأشخاص أيضاً إلى تبني نظام الصيام المتقطع كنظام غذائي.

زيادة في الطاقة والقدرة على التحمل

في بداية الصيام قد يعاني الطلاب من الشعور بالتعب وانخفاض مستويات الطاقة. إلَّا أنَّ الدراسات أظهرت أن الصيام يمكن أن يؤدي إلى زيادة الطاقة والقدرة على التحمل وذلك على المدى الطويل. فعندما يكون الجسم في حالة صيام، فإنه يبدأ بتفكيك مخزونه من الدهون لإنتاج الطاقة وتعويض فقد الغذاء، وهو ما يؤدي إلى مستويات طاقة أكثر استدامة على مدار اليوم. وتساعد هذه الطاقة المتزايدة الطلاب على البقاء في حالة تأهب وتركيز أثناء الفصل، مما يؤدي إلى أداء أكاديمي أفضل في النهاية.

إدارة أفضل للوقت

معرفة كيفية استثمار الوقت بشكلٍ فعّال تُعتبر من أهم المهارات الواجب تنميتها عند الطلاب. وخلال شهر رمضان، يتعين على الجميع إدارة وقتهم بشكل لائق لتحقيق التوازن بين العبادات الروحانية والمسؤوليات الدنيوية التي لا تنتهي. وتنمية مهارة تنظيم الوقت للطلاب في أعمارٍ سنية نسبياً صغيرة سيمهد لهم الكثير لحياتهم في المستقبل.

وحتى على المدى القريب سيتم ترجمة ذلك إلى أداءٍ أكاديميٍ أفضل، فمن خلال تعلم تحديد الأولويات وتجنب الملهيات، سيتمكن الطلاب من الاستفادة بشكل أكبر من وقت دراستهم واستغلاله بشكلٍ فعّال لتحقيق نتائج أفضل. كما ستمكنهم أيضاً مهارات إدارة الوقت الفعالة على تحقيق التوازن بين مسؤولياتهم الأكاديمية، مع السماح لهم بمتابعة اهتماماتهم وممارسة هواياتهم المفضلة بدون أن تؤثر على أدائهم الأكاديمي. ومن خلال تحديد أولويات وقتهم بشكل فعال، سيتمكن الطلاب أيضًا من تقليل الشعور بالتوتر والقلق المتعلقين بالأداء الأكاديمي، مما سيؤدي إلى تحسين صحتهم النفسية أيضاً ومنها أدائهم بشكلٍ عامٍ في الحياة.

أنماط نوم محسنة

يوفر رمضان أيضًا فرصة للطلاب لتحسين أنماط نومهم. فيتمكنوا من الحصول على قدر كافي من النوم الغير متقطع بين الإفطار والسحور بما لا يقل عن ٤ ساعات متواصلة حتى يستيقظوا للسحور وصلاة الفجر، وبعدها ينامون بضع ساعاتٍ قبل أن يبدأ يومهم، فيتجنبون النوم لفترات طويلة لأن ذلك يزيد من شعور الجسم بالخمول والنعاس. كما أنَّ وجود أوقات ثابتة ومحددة للنوم والاستيقاظ بشكلٍ يومي يفيد الجسم في التعود على ساعاتٍ بيولوجية معينة للتمتع بنوم أكثر راحة. ولا ضير أيضاً من أخذ قيلولة قصيرة بعد الظهر لمدة ٢٠ دقيقة فتساعد الجسم على استعادة مستويات الطاقة والتركيز.

بناء المرونة والقدرة على التحمل

يساعد الصيام خلال شهر رمضان على بناء المرونة وزيادة قدرة الأفراد على التحمل. فمن خلال الامتناع عن الطعام والشراب خلال ساعات النهار، يتعلم الطلاب كيفية التغلب على الانزعاج وتحدي أنفسهم بالالتزام ببعض الأمور وحتى وإن كانت على غير هواهم ورغبتهم الداخلية كالشعور بالجوع أو العطش. ويمكن رؤية نتائج ذلك بشكل أكبر في مجالات أخرى من حياتهم، مثل مساعيهم الأكاديمية. فمن خلال تعلم المثابرة في المواقف الصعبة، يمكن للطلاب تطوير المهارات التي يحتاجونها للنجاح أكاديميًا وفي وظائفهم المستقبلية كذلك. فتساعدهم المرونة المكتسبة من التغلب على الضغوطات والعقبات بشكلٍ أسهل.

تحسين الصحة النفسية

رمضان هو وقت التأمل الروحي والخلوة مع الله، فيتقرب فيه الإنسان بالأعمال الحسنة والعبادات إلى الله عز وجل، ويجدد إيمانه وروحه به، فيستعيد إدراكه برسالته الأساسية في الحياة وأنَّ الحياة الدنيا ما هي إلَّا مجرد رحلة وستنتهي في يوم من الأيام، وأنَّ المشاكل والأزمات الدنيوية مهما ساءت أو زادت فهي فانية بفناء الدنيا. فيقل التأثُّر النفسي بها والخوف منها ويزداد الشعور بالاطمئنان والراحة في مَعِيَّة الله.

تحسين التغذية

يلتزم المسلمون بوجباتٍ معينة خلال شهر رمضان، وتكون هذه الوجبات مقترنةً بأوقاتٍ ثابتة، مما يساعد على تكوين عادات غذائية صحية بشكلٍ عام. فالتغذية السليمة ضرورية للوظيفة الإدراكية والمعرفية للطلاب. ومن أهم الفوائد التي نستمتع بها غذائياً بدون حتى أن ندركها، هي تناول التمر. فالتمر من أكثر الفواكه تغذيةً للبدن وأكثرها احتواءً على السكريات المفيدة للجسم، فهي تتميز بكونها طبيعية وسريعة الامتصاص، فتذهب مباشرة إلى الدم، ومنها إلى خلايا الجسم دون الحاجة إلى عمليات هضم معقدة. كما أنها تحفظ من الإصابة بالإمساك وتقوم بترطيب الأمعاء وتحفظها من الاضطرابات والالتهابات.

وذلك فقط تأثير الصيام على الجانب الأكاديمي من حياتهم، فيستحقون عن جدارة الاحتفال بعدها بقدوم عيد الفطر جزاء مجهوداتهم. ولكن من المهم للغاية إدراك الطلاب أنفسهم من التأثير المحتمل للصيام على نجاحهم الأكاديمي. ليتمكنوا حقاً من الاستفادة من فوائد الصيام، ويتشجعوا أكثر للصيام عن اقتناع ويتقربوا أكثر إلى الله بالطاعات.

البحث في Google:





عن فريدة أحمد

مدرسة ومدونّة لمختلف تجارب الحياة.

تعليق واحد

  1. فاطمة عبدالله الحسن

    موضوع متميز ومفيد وترتيب المحاور يعكس ترتيب الكاتب في حياته. فقط لو ادرجت نماذج لجدال للمذاكرة وجزاكم الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *