المسكوت عنه في البرامج التدريبية

تُعد الأساليب الإشرافية بمختلف أنواعها متطلبات شَرطية لعملية الإشراف التربوي، وبما أن الهدف الرئيس لها هو دعم المعلمين، فإن أسلوب البرامج التدريبية من الأساليب الأساسية لتحقيق ذلك. وبهذا يكون امتلاك المشرف التربوي لمهارات التدريب ضرورة للتعامل مع ما يكشفه من الاحتياجات المعرفية والمهارية لدى المعلمين وما يمكن أن يكسبهم من قناعات واتجاهات.
وقد تطور مفهوم التدريب في الأدبيات مع تطور نظريات التعلم، فكان من الطبيعي أن ندرب حسب النظرية السلوكية أثناء انتشارها، بهدف تعديل سلوك المعلم لتحسين ممارسته للمهارات المستهدفة من خلال إعطائه المعارف ونمذجة الأداءات المراد إكسابها له، ومع تقدم الدراسات في علم النفس التربوي رُفضت النظرية السلوكية كنظرية يمكن أن يتعلم بها الإنسان وأصبحت الشماعة التي علقنا عليها جميع إخفاقاتنا السابقة؛ لنتلقف النظرية البنائية وننادي بها ونتبناها في المناهج وطرق التدريس… وبِغضّ الطرف عن كيف تمت ممارستها في واقع مناهجنا وطرق تدريسنا لها، فنحن حتى الآن لم نُنادِ بها في ممارسة المفاهيم المرتبطة بعملية التعلم كالتدريب، ناهيك عن تبنيها أو ممارستها فيه، فالمتتبع للممارسات الإشرافية خلال البرامج التدريبية يجدها تجتر بقايا النظرية السلوكية بتدريب يركز على تقديم المحتوى في قالب من الإلقاء الخالي من التأثير في البُنى المعرفية لتبني المطروح والاقتناع به، كضمان لممارسته والحشو بالحسنات التدريبية من ألعاب وأنشطة خارج إطار الهدف، والتي تضيع الهدف الأساسي وتجعل من البرامج التدريبية من وجهة نظر الكثير من المعلمين وقتا مستقطعا للراحة من جو المدرسة المملوء بالحصص والضوضاء و… ليعود منه المعلم في الغالب بخفي حُنين، لهذا رأيت أن من الضروري أن أُقَعِّد للتدريب تبعا للنظرية البنائية وهو التدريب المعرفي قبل أن نناقش الأسباب التي أدت إلى واقع التدريب في ميداننا التربوي والحلول المقترحة.

التدريب المعرفي

التدريب المعرفي يعتمد على قدرة المدرب (الوسيط) على التوسط (التدخل) في عمليات تفكير المتدرب ومدركاته واعتقاداته وافتراضاته لتحسين قدرته على التعلًم الموجه ذاتياً من خلال الإدارة الذاتية و المراقبة الذاتية والتعديل الذاتي ومن أهم عناصر التدريب المعرفي ما يلي:

1- مهارات طرح الأسئلة التي تشغل التفكير وتغيره.
2- قدرات توظيف الاستجابات غير التقييمية وغير اللفظية لتوطيد الثقة والانشغال الفكري وإشاعة الألفة.
3- الخرائط العقلية التي يشق المدرب طريقه ضمنها وبينها.
4- المعتقدات ومنها أن جميع السلوكيات تحددها تصورات المرء وأن تغيير التصور متطلب لتغيير السلوك.
والمُلاحِظ لعمليات التدريب المعرفي يجد التوسط سمة غالبة عليه وهي تهدف إلى تعديل قدرة شخص آخر كي يصبح ذاتي التدريب.
وسنتطرق هنا إلى دور الوسيط وهو:
التوسط بين الشخص وبين حدث أو مشكلة أو صراع أو تحدٍ أو موقف آخر، بهدف تحسين التعلم الموجه ذاتياً لدى الشخص الآخر من خلال التأثير على الدماغ. فكيف يؤثر التوسط على الدماغ؟
إن للتعلم التوسطي خاصية التفاعل التي لا تغير فقط بنية سلوك الفرد، ولا تغير فقط كمية ونوعية مخزونه المعرفي، بل تغير بنية ووظيفة الدماغ نفسه بطرق ذات معنى. والتوسط يعين الشخص الآخر على إدراك العمليات التلقائية التي تحدث داخل الدماغ في دائرة الوعي أو الشعور.

maskoute

ومن خلال ما سبق، نقول أن التوسط يحقق نجاحاً ملحوظا عن طريقة توجيه سلوكيات ومعتقدات المدرب المعرفي، والتي يمكن طرحها في النظريات الأربعة التالية:
1- مجموع ما يكونه الفرد من معان، أو أفكار تستقر في داخله على مستوى الوعي وعلى مستوى اللاوعي، ويعمل كمحك للتصورات والقرارات والسلوك.
2- عندما تعطى هذه المعاني شكلاً في اللغة، فإنه يصبح بالإمكان الوصول إليها لكلا طرفي التفاعل اللفظي.
3- من خلال التفاعل اللفظي (التوسط)* يمكن صقل وإثراء وتعديل هذه المعاني وما يتصل بها من تصورات وقرارات وسلوكيات.
4- من خلال التدريب المعرفي، يتم صقل وتعديل معاني الفرد وقراراته وسلوكياته، مع ما يرتبط بها من نتائج حسنة في الأداء.
ولتوظيف ما سبق نحتاج إلى معرفة من يمكن أن يكون وسيطاً؟
إن حل مشكلات الآخرين (العمل كمستشار في التدريب) قد يبدوا مفيدا وله عدة إيجابيات، وهي:
• قد تُحَلُّ المشكلة بسرعة وبفاعلية.
• سيكون الحل منسجماً مع معتقداتك وقيمك أنت.
• ربما تشعر بالرضا من كونك ذا فائدة للآخرين.
• قد ينظر الآخرون لك كقائد فاعل.
لكن هذه الإيجابيات قد تُواجَهُ بانعدام الفائدة لدى الآخر. وعلى العموم، فمن سلبيات العمل في التدريب كمستشار ما يلي:
• قد يكون للمشكلة التي تم حلها جوانب أعمق لم يتم حلّها.
• قد يؤدي إلى اعتماد الآخر على المستشار في حل المشكلات.


في الأخير وبعد أن استعرضنا لمحة عن التدريب المعرفي، نجد أنه من الضروري طرح أهم أسباب ما يشوب واقع التدريب من نقائص وسلبيات، والتي يمكن حصرها في نقطتين رئيسيتين:
– عدم اعتماد معايير دقيقة في اختيار المشرف التربوي، بسبب إكراهات كثيرة منها سد العجز في الإطار الإشرافي، وهذا يحتاج من المسؤولين عن عملية التكليف للعمل الإشرافي مراجعة الأولويات والحزم في تطبيق المعايير حتى لا يتحمل مسؤولية العمل الإشرافي أفراد لا يملكون القدرات ولا المهارات اللازمة للعمل كمدربين.
– الركود والانقياد للمألوف في ميداننا التربوي، والتسليم للمتوارث وتعطيل التفكير والبحث والمعرفة والتجريب، فالمشرف الحديث العهد بالمهنة يستنسخ العمليات الإشرافية التي كانت تُمارس من قبل، ويسلم بها دون أدنى تفكير في مدى صحتها ومواكبتها للمستجدات التربوية. وليس أدل من أولوية هذا السبب في توليد المشكلة من معالجة القران الكريم له في أكثر من موضع قال تعالى: {بلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} وقال تعالى { …. فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}، فقد استنكر عز وجل الاتباع دون تفكير والتسليم دون معرفة وحث على تحفيز العقل والبحث عن الحقيقة، فنحن المسلمون مطالبون دينيا باستخدام عقولنا وعدم التسليم الأعمى، وهذا -في نظري- هو الحل الناجع لجميع مشكلات التعليم التي نعاني منها في معظم البلاد الإسلامية، ولم نفطن له حتى الآن! وفطن له منذ زمن غيرنا فتقدموا وأصبحوا رواد المعرفة والمتحكمين بها، وأصبحنا المنتظرين لما يُرمى لنا من فُتاتها.

البحث في Google:





عن حنان محمد الصميلي

رئيسة قسم الأحياء بإدارة الإشراف التربوي وأخصائية التقويم بالإدارة، حاصلة على ماجستير في المناهج والإشراف التربوي ومدربة معتمدة للحوار الوطني ومدربة محترفة من شركة بيرسون الأمريكية ومدربة مستوى متقدم في البحث العلمي في مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله "موهبة".

4 تعليقات

  1. ربيع ربيع

    وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر…

  2. محمد الحبيب اكناو

    موضوع جيد جدا. شكرا على التقاسم

  3. ممتازززززززززززز

  4. فؤاد السالمي

    موضوع جميل جدا لكن الواقع أن المشرف التربوي يرشح وليس من ضمن المعايير ما يخص التدريب ثم يرمى في الميدان ويطالب بتنفيذ برامج تدريبية وكأن حاله كقول الشاعر(القاه مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *