تحبيب الرياضيات للطلاب

5 استراتيجيات لتحبيب الرياضيات للطلاب

لطالما كانت علاقة الطلاب بالرياضيات علاقة حذرة ومبهمة، فهي مقرر يربطون بينه وبين الذكاء ويرتفع مستوى القلق لديهم منها كل ما اقترب موعد الاختبار، ولكنهم يدركون أن فيها من الجمال ما لا يستطيعون التعبير عنه.

سنعمد في هذا المقال إلى عرض عدة استراتجيات قد تسهم بتخفيف القلق تجاه الرياضيات في بداية العام الدراسي.  

أ- الرياضيات بنيتها والقلق منها

تم تعريف الرياضيات بطرق متعددة فمنهم من ربط تعريفها بالقول أنها علم تراكمي ومنهم من قال أن الرياضيات ترتبط بدراسة البنية والفضاء والتغيير وآخرون عرفوها بأنها علم يجعل اللامرئي مرئياً. ويتم طرح السؤال الآتي: هل تفسر الرياضيات كل شيء؟

يبدأ الطالب بالتعرف على الرياضيات في طفولته وذلك حين يدرك فكرة الأعداد ومفاهيم الأحجام والمسافات، وفي المدرسة تبدأ دراسته لها منهجياً وتستمر هذه الدراسة وتتطور طيلة مسيرته التعلمية.

وقد يكون طالبا ذكيا، لكنه لسبب ما يضطرب في اختبارات الرياضيات أو حين يتم تطبيقها اليومي في البيت أو عند البقال أو حين يذهب لشراء حاجياته، وهذا الاضطراب أو القلق أو الرهاب المبكر يمكن أن يتضخم مع الزمن، وتظهر بذلك مواقف سلبية تجاهها، فيتجنّبها وفي النهاية تقل كفاءته. وخلال المدرسة ومع ظهور ما سنسميه قلق الرياضيات (math anxiety) يعمد الأهل لمساعدة أبنائهم في حل واجبات الحساب وغيره من فروع الرياضيات، وتتسائل أذهان الأهل حول مدى تطور تحصيل أبنائهم للمعارف الرياضية وهل مساعدتهم لهم هو أمر ايجابي؟

إن قلق الرياضيات حالة شائعة، ومن الممكن وقبل انطلاق العام الدراسي وخلال الحصص التدريسية الأولى أن يعمد المعلم إلى استراتجيات قد تساهم في تقليل ذلك القلق وفق استراتجيات علمية واضحة سنعرضها لاحقاً ولكن لا بد من عرض بنية الرياضيات بشكل سريع.

ترتكز الرياضيات على بنى ثلاث وهي:

  • التعريفات: مهمتها تحديد المفاهيم والتصورات الأولية التي تشكل المادة الخام لدراسة الرياضيات .
  • المسلَّمات: هي القضايا التي يفترضها عالم الرياضيات ويضعها كأساس ينطلق منه في عملية البرهنة دون أن يقيم عليها برهاناً.
  • البديهيات: وهي القضايا الواضحة التي تستمد صدقها من ذاتها ولا تحتاج إلى برهنة.

تحبيب الرياضيات للطلاب

ب- اللوزة الدماغية

يتكون دماغ الإنسان من العديد من الأجزاء المختلفة، وهذه الأجزاء هي التي تتحكم في استجابة الشخص في العديد من الأمور، هذا فضلا عن أن تضرر كل منطقة من هذه المناطق تؤثر على جزء من أجزاء الجسم، كالذاكرة أو الحركة وغيرها.

اللوزة هي كتلة من الخلايا  في الدماغ على شكل حبة اللوز، وتقع في عمق الفص الصدغي للدماغ، وهي المسؤولة عن تحديد الذكريات المخزنة، حيث يتم تخزين الذكريات في الدماغ، و من المعتقد أن هذا التحديد يعتمد على مدى الاستجابة العاطفية الهائلة التي يحدثها الحدث. وتشارك اللوزة في الاستجابات الذاتية المرتبطة بالخوف والإفرازات الهرمونية، وقد أدت الدراسات العلمية لتلك المنطقة الدماغية إلى اكتشاف موقع الخلايا العصبية في اللوزة، التي تكون مسؤولة عن تكييف الخوف، وتكييف الخوف هو عملية تعلم جماعية نتعلمها من خلال التجارب المتكررة للخوف من شيء ما.

تحبيب الرياضيات للطلاب

لقد توصل العلم إلى أن التوتر أو الخوف يعيق تدفق المعلومات عبر اللوزة في الجهاز الطرفي الدماغي إلى قشرة الدماغ الأمامية وتوجه أيضاً المدخلات الحسيّة إلى المناطق الذاتية والانعكاسية في المنطقة السفلية من الدماغ، وهذه الأجزاء هي التي تجعل الجسم مستعداً لمواجهة الخطر المحتمل. وحين يشعر الطلاب بالتوتر فإنهم لا يستطعيون استخدام أدمغتهم في تخفيف التوتر الناجم عن عدم القدرة على فهم الرياضيات. والنجاح في الاختبارات يرتبط ارتباطاً عضوياً بتغيير المواقف السلبية تجاه الرياضيات وهذا التغيير لا يحصل بساعة واحدة أو يوم واحد ولكنه يحتاج إلى شهور في بعض الحالات وخصوصا لدى الطلاب الذين يشعرون بحالات من العجز واليأس من الرياضيات. وخلال الحصة التي يشعر الطلاب فيها بالقلق يكون احتمال وصول المعلومات إلى أدمغتهم وخصوصاً إلى منطقة التفكير الواعي ومناطق الذاكرة طويلة المدى ضعيفاً وعندئذ لن يتعلموا شيئاً.

ج- خمس استراتيجيات لتحبيب الرياضيات للطلاب

ما سنطرحه هو خمس استراتجيات لتحبيب الرياضيات للطلاب وعكس السلبية تجاه هذه المادة والقلق منها إلى إيجابية أولية يبتدأ بها المعلم ومن ثم يقفز بعدها إلى استراتجيات تجعل من التحدي مفهوماً قابلاً للتحقيق والتخطيط له.

1- استراتجية الإجتماع مع الأهل

من الأشياء التي تساهم في نقل آثار سلبية عن الرياضيات هي تلك العبارات التي يطلقها الأهل فيما خص الرياضيات والصعوبات التي واجهتهم أيام المدرسة، لذا لا بد من جلسات يقيمها المعلم مع أولياء أمر الطلاب يشرح لهم فيها أهمية الرياضيات والاستراتيجية التي سيعتمدها مع أبنائهم وما هي التدخلات التي يجب أن يقوم بها الأهل في أوقات محددة وما هي العوامل المؤثرة في عمليتي التعلم والتعليم؟

يمكن أن يقترح المعلم طرقاً تمكن الأهل من المشاركة الإيجابية وأن يكونوا مناصرين للرياضيات مع أن لهم موقف مسبقاً منها، فعليهم أن يعلموا أن عمل أدمغة أولادهم وتقبلهم للتعلم يتعزز عند تقدير الارتباط الذي ينشأ بين الموضوع المدروس وموضوع مهم لدى الطالب.

2- استراتيجية إعادة الاختبار

السلبية الحقة التي تجعل الطلاب لا يحبون الرياضيات هي العلامات المتردية التي يحصلون عليها في الاختبارات، وهنا على المعلم التشديد على أن الهدف من دراسة الرياضيات ليس العلامات ولا نتائج الاختبارات، بل إن العلامات بحد ذاتها ليست هدفاً لأن التقييم والتقويم هما وسيلتان لمعرفة عمق الفهم والمعرفة التي حصلها الطالب. إذا من الجيد إن أرادوا علامات مرتفعة أن تتاح لهم الفرصة ثانيةً لأن تحسن العلامات يستند بقوة إلى المعرفة التأسيسية المرتبطة بالمفاهيم الأولية والأنماط، وبذلك تمنحهم الإعادة تصويب مكامن الخلل لديهم وتجعلهم أكثر اعتماداً على أنفسهم، و يتم تحقيق هدف مهم هو عملية التخطيط الذاتي للنجاح والتعلم المستقل المستمر، غير أن هذه الفرصة الثانية لا يجب أن ترتبط بكافة الاختبارات لأنه عند ذلك ستظهر مفارقات منها عدم تحمل المسؤولية من قبل الطلاب أنفسهم ولذلك من الممكن الإستعاضة عن إعادة الاختبار بأفكار أخرى كجعل الطالب المقصر يساهم بعملية التدريس في الصّف أو شرح المفاهيم لزملائه أو القيام بإيضاح المهارات المطلوبة لحل تمرين محدد، وعندها يتم دعمه وتحسين علامات اختباره لأن الهدف من العملية التعلمية قد تحقق.

3- استراتيجية وصف أهمية الرياضيات

من مفاتيح النجاح في مادة الرياضيات تلك القدرة على جعلها وسيلة أولية لحل المشاكل اليومية ولذلك لا بد من أسر خيال الطلاب بالرياضيات وزيادة اهتمامهم بها بدل أن يتم اعتبارها مادة دراسية مهملة أويتم ربط الاهتمام بها لأن درجاتها عالية في سلم الاختبارات.

يقع على عاتق المعلم أمر وصف الرياضيات وإبراز أهميتها ليس بالجمل الإنشائية فقط ولكن عبر سرد روايات في تاريخ الرياضيات لأن تاريخها هو تاريخ العلم والتطور بالإضافة إلى التشديد على أهمية التفكير الرياضي والتي تتجلى في أن الرياضيات:

  • تزود الطلاب بالمعرفة الرياضية اللازمة لإعدادهم للحياة.
  • تكسب الطلاب أساليب التفكير السليمة وتنميه )التفكير الاستنباطي، التفكير الاستقرائي، التفكير التأملي، التفكيرالتجريدي، التفكير العلمي، التفكير الناقد، التفكير الإبداعي،…)
  • تنمي مهارات ضرورية لدى الطلاب (مهارة إجراء العمليات الرياضية، المهارة في القياس، المهارة في استخدام الأدوات الهندسي، المهارة في حل المشكلات)
  • تكسب الطلاب اتجاهات إيجابية وتكون لديهم عادات مرغوب فيها: كالدقة، التنظيم، الترتيب، الثقة بالنفس، الموضوعية، التعاون……
  • تقدير وتذوّق النواحي الجمالية والفنية في الرياضيات.
  • دور الرياضيات في التطوّر الحضاري للبشرية، وتقدير جهود علماء الرياضيات في تطوّر الفكر الرياضي.

4- استراتجية بداية العام الدراسي والرؤية الشاملة

عند بداية العام الدراسي وفي الحصة الأولى على المعلم أن يضع احتمالية أن بعض الطلاب لديهم سلبية سابقة تجاه الرياضيات ولذلك لا بد من إدراك مكامن السلبية وابتكار طرق لمعالجتها إما بالتحدث مع كل طالب لا يحبذ الرياضيات ويشعر تجاهها بضيق بشكل منفرد أو من خلال المناقشات الصفيّة التي تختزن الكثير من الصدق والديمقراطية في التعبير.

وكذلك على المعلم تحفيز الطلاب على الإجابة على الأسئلة من النوع الآتي:

  • ما الذي جعلك تشعر بالنفور من المدرسة؟
  • هل لديك امتعاض من الرياضيات وما سببه؟
  • هل تذكر مواقف تفتخر بأنك قمت بها في المدرسة؟
  • هل ساعدت زميلاً في فهم معلومة وبماذا شعرت بعدها؟
  • هل تفقد الاهتمام بالتعلم وما هي عوامل ذلك؟

5- استراتيجية تقييم المدرس من قبل طلابه

في أغلب الأوقات يكون للتقارير ونتائج الاختبارات آثار سلبية وقد تسبب توتراً عالي الدرجة على الطلاب، لذلك من الأجدى على المعلم أن يشرح لطلابه آلية احتساب علامات (نقاط) الاختبار رغم أنّ المعلم يكون قد عرض توزيع العلامات (النقاط) بطريقة واضحة على ورقة الاختبار ولكن عملية  الشرح وتوضيح مكامن الخلل التي قد تعرض الطالب  لحذف بعض العلامات هي وسيلة من وسائل دراسة الخطأ الذي قد ارتكبه الطالب في ورقة اختباره.

لا بد من منح الطلاب الفرصة لتحديد عدة نقاط رصدوها في المعلم لما في ذلك من أثر بالغ الأهمية لتلك الرابطة التي يجب أن تكون قوية بين المعلم وطلابه حيث أنهم سيبقون عاماً كاملاً في غرفة الصّف يتشاركون عملية التعليم والتعلم، ومن من النقاط المهمة: العدل، التنظيم، الوديّة، اللطف، المعرفة بالمادة المعطاة، آلية شرح الدرس، سرعة شرح الدرس، حسن الاستماع للطلاب، الفكاهة،…….

وفي الختام على المعلم أن يعمد إلى مساعدة طلابه في بناء موقف إيجابي من الرياضيات لأن ذلك سيسهم بجعلهم مهتمين بدراستها وتصبح الدافعية لديهم محفزة لأن يكونوا متميزين فيها، حيث أن تقديرهم لأنفسهم عامل مهم وتعرضهم للتجارب والفرص التي تلهمهم عبر قياس الأمور من حولهم والاستفسار عنها وتحليلها سيرغبهم في اكتساب المعرفة والأدوات الرياضية المطلوبة لتحقيق أهدافهم وعندها ستغلق أبواب السلبية و سيستمتع الطلاب بحصص الرياضيات ويبدأون استعمالها بشكل سلس. 

البحث في Google:





عن علي محمد عيسى

أستاذ مادة الرياضيات في مرحلة التعليم الثانوي – لبنان

2 تعليقات

  1. شكراا لك استاذ علي علي الملاحظات الجميلة جداا

    اخوك الاستاذ حمد الظفيري

  2. بوستة الرضى

    شكرا للأستاذ الفاضل على هذه المساهمة التنويرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *