القراءة في العالم العربي

كي لا تبقى القراءة واقعا مريرا في العالم العربي

القراءة في العالم العربي

إنّ تدني الإقبال العام على القراءة مشكلة كانت ولا تزال تثقل قطاع الثقافة والتعليم في العالم العربي. إذ يشير تقرير اليونسكو الصادر عام 2008 إلى أنّ أعلى نسبة للأمية تتواجد في الوطن العربي، والقراءة في العالم العربي تأتي في المرتبة الأخيرة بالنسبة لاهتمامات المواطن،  حيث يبلغ معدّل القراءة عند الفرد 6 دقائق سنويّا مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا وأميركا. إضافة إلى أنّ الطفل الأميركي يقرأ تقريبا 6 دقائق في اليوم بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنويا.

كما تشير دراسات أخرى إلى أنّ كتابا واحدا فقط يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما يصدر كتاب واحد لكل 500 إنكليزي، و لكل 900 ألماني. ويرجع الباحثون ومن بينهم الدكتور ناصر جاسر الأغا هذا الواقع إلى عدد من الأسباب أبرزها : قصور مناهج التعليم والتربية في الوطن العربي وضعفها واعتمادها على الحفظ والتلقين، عدم تغيير أساليب تنمية مهارات القراءة في المرحلة الابتدائية فالثانوية فالجامعيّة، عدم تشجيع أفراد الأسرة الطفل على القراءة والتفكير منذ الصغر، منافسة وسائل الإعلام المختلفة للكتاب وخاصة الفضائيات والإذاعات، قلّة الدعم المالي لإنشاء المكتبات العامّة و دعم الكتاب ليصبح رخيص الثمن وفي متناول الجميع وغيرها من الأسباب…

في المقال التالي، سوف نسلّط الضوء على الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه الأهل في مواجهة واقع القراءة في العالم العربي وتغييره، إضافة إلى المبادرات الفردية التي من شأنها المساهمة في تشجيع الأطفال على القراءة وتوفير الموارد اللازمة.

1- بين الفقر والقراءة، علاقة ترابطيّة معقّدة

القراءة في العالم العربي

بحسب الدكتور محمد الششتاوي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، يعتبر الفقر من أكبر الآفات التي يعاني منها العالم العربي اليوم، حيث تعيش أغلب المجتمعات العربية في حالة من الفقر. والعلاقة بين الفقر والأميّة وتدنّي مستويات التحصيل والأداء العلمي والأكاديمي والانكباب على القراءة علاقة ترابطيّة معقّدة،  فقد أشارت الكاتبة جيسيكا لاهاي في مقال كتبته لصحيفة “الأتلانتيك” (The Atlantic) إلى أنّ السبب الحقيقي الكامن وراء ما يسمّى بـ” هوّة الكلمة ” أو (Word Gap)، وهي عبارة تستعمل للإشارة إلى التفاوت في تعلّم القراءة والتعبير الشفهي بين الأطفال في العائلات الميسورة والأطفال في العائلات ذات الدخل المحدود، لا يتعلّق بالدخل ولكن بالحصول على المعلومات. فالأهل ذوي الدخل المحدود يميلون – بنسبة قد تصل أحيانا إلى 50٪ – إلى الاستخفاف بقدرتهم على التأثير على التطور الذهني والمعرفي لدى أطفالهم. وقد أكّدت لاهاي إلى أنّ معظم الأهل يميلون إلى استثمار وقتهم وجهودهم في تعليم أطفالهم القراءة متى أدركوا تأثيرهم العميق على نموّهم الذهني. كما ركّزت لاهاي على أهميّة الوقت الذي يقضيه الأهل في قراءة قصص قبل النّوم لأطفالهم مشيرة إلى أنّ الآباء ذوي الدخل المرتفع يقضون في النهار الواحد نصف ساعة أكثر من الآباء ذوي الدخل المحدود في التفاعل المباشر مع أطفالهم وقراءة قصص قبل النوم، وأنّه بحلول سنواتهم الخمس، يكون الأطفال من العائلات الفقيرة قد سمعوا 30 مليون كلمة أقل من أقرانهم الأغنياء. وقد أكّدت لورا ميلر أنّه بحسب الدراسات الحديثة، فإنّ الطريقة الفضلى لتعليم الأطفال حبّ القراءة هي أن يكبر الطفل بصحبة بالغين غالبا ما يقرؤون من أجل المتعة. هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من الكتب في المنزل  ومساعدة الأطفال على التعرّف على النوع القصصي الذي يفضلونه. وقد ذكّرت الكاتبة أنّ الأطفال كغيرهم من الأفراد يملكون ذوقهم الخاص في ما يتعلّق بالقراءة وغيرها، لذلك فلا يمكن للأهل أن يفرضوا عليهم القصص التي أحبّوها في طفولتهم . واعتبرت ميلر أنّ تلبية ذوق الطفل من أهمّ المحفّزات التي قد تشجعه على حبّ المطالعة.

2- “هل المشكلة أن الأطفال لا يقرؤون الكتب، أم أنّ المشكلة أنّ لا أحد يقرأ الكتب لأن ثقافتنا أصبحت مضادّة للأكاديميا والفكر ؟”

القراءة في العالم العربي

بالنسبة للكاتب والاختصاصي في مجال التعليمجوردن شابيرو” (Jordan Shapiro) هنا يكمن السؤال المفصليّ إذ يلعب الأهل دورا أساسيا في تشجيع أطفالهم على المطالعة. هذه الحقيقة يدعمها “ذا كومون سانس ميديا ريبورت” (The Common Sense Media Report) الذي يسطّر العلاقة المباشرة بين تصرّف الأهل ونسبة القراءة لدى الأطفال مشيرا إلى أنّ 57% من أهل الأطفال الذين يقرؤون بشكل دائم يخصصون يوميا وقتا للقراءة مع أبنائهم. إلّا أنّ التشجيع على القراءة له أسلوبه أيضا. فتؤكّد لورا ميلر أنّ أسوأ الطرق لتشجيع الطفل على القراءة يكمن في دفعه إلى الإحساس بأنّ القراءة فرض واجب يخلو من المرح. كما يشير كين بوستون إلى أنّ المرحلة المفصليّة في تعليم الأطفال هي مرحلة الصف الثالث حين يتحوّل الطفل من تعلّم القراءة إلى القراءة من أجل التعلّم. فحبّ القراءة والتمكن من الأحرف والمفردات لا بدّ أن يتمّ خلال مراحل التعليم المبكّرة أي منذ الحضانة والصفّ الأوّل فالثاني.

3- تثقيف الآباء والأمّهات من تثقيف الأبناء

القراءة في العالم العربي

من أجل أن يتمكن الأهل من مشاركة أطفالهم متعة القراءة، لا بدّ لهم من أن يكونوا قادرين على ممارستها أوّلا. و من هذا المنطلق، تقوم جمعيّةريد غلوبال” (READ Global) ببناء المكتبات العامّة في المناطق الريفيّة المهمّشة حيث ترتفع معدّلات الأميّة ليس بين الأطفال فحسب، بل بين البالغين والنساء أيضا. فبحسب تينا سيابيكا، المديرة التنفيذية لـ”ريد غلوبال” تواجه النساء والأمّهات بشكل خاص عوائق كبيرة في ما يتعلّق بالتعليم ومحو الأميّة مشيرة إلى أنّ ما يقارب الـ493 مليون امرأة حول العالم تعاني من الأميّة ويعيش نصفهنّ في جنوب آسيا. ونادرا ما تحظى هؤلاء النساء بفرصة للتعلّم في الصغر ممّا يؤدي إلى الزواج والإنجاب في سنّ مبكّرة. وتؤكّد سيباكا على أنّ عددا كبيرا من الفتيات لن يدخلن يوما المدرسة لأنّ الأهل لا يرون فائدة في تعليم البنات. هذا الواقع ليس ببعيد عن العالم العربي حيث تتفاوت نسب انخراط الفتيات في الأنظمة التعليمية من بلد إلى آخر. ويبلغ أعلى معدل لالتحاق الإناث بالتعليم في الإمارات 76 في المائة، يليها البحرين 68 في المائة، تم لبنان 62 في المائة، بينما يبقى المعدّل  في مصر 45 في المائة والسعودية 49 في المائة واليمن 25 في المائة. وبذلك يكون متوسط معدل التحاق الإناث بالتعليم في الدول العربية 49 في المائة فقط. و في نفس الإطار، يمكن للمكتبات العامّة أنّ تشكّل أماكن مجانيّة ومحايدة و آمنة للنساء و مختلف أعضاء المجتمع حيث يمكنهم تعلّم القراءة وتطوير مهاراتهم وقدراتهم الاجتماعية والمعرفية وغيرها.

4- المكتبة المنزلية

القراءة في العالم العربي

ليس بالضرورة أن تكون المكتبة العامّة الناجحة هائلة الحجم أو أن تقوم على مبادرة جماعيّة واسعة النطاق. فبحسب صحيفة “ذا باتر إنديا” (The Better India) أطلقت “بريتي غاندي” (Priti Gandhi)، معلّمة من القطاع العام في الهند ومديرة المدرسة الإعدادية “غانديناغار” (Gandhinagar) مبادرة فرديّة تهدف إلى غرس عادة المطالعة لدى طلبة المدارس الحكومية من خلال إنشاء مكتبة منزلية، و مشروع ” زاوية القراءة ” لأولئك الذين لا يستطيعون شراء الكتب. تقوم الفكرة على تأمين عُدّة مطالعة للطلّاب. في البداية، اشترت غاندي حقيبة من الألومنيوم ووضعت فيها 20 كتابا. تغطي الكتب مختلف المواضيع والمواد، وأعطيت تلك الحقيبة لطالب لمدة شهر، وبمجرد انتهاء الطالب من قراءة الكتب أعاد الحقيبة في نهاية الشهر. وقد تطوّرت هذه الفكرة تدريجيا إلى أن أصبحت نشاطا منتظما. وباتت المدرّسة تملك حوالي 54 عدّة مطالعة توزعها على الطلاب على أساس شهري. وقد لاحظت غاندي أنّ هذه التجربة كان لها أثر إيجابي كبير على الأداء الأكاديمي للطلّاب الذين باتوا منكبّين أكثر على دراستهم بعدما أصبحوا يملكون الموارد اللازمة للاطلاع على المواد العلميّة والتعمّق بها.

البحث في Google:





عن ريم كريمة

مسؤولة علاقات عامّة وشبكات تواصل اجتماعي، باحثة ومحرّرة مهتمّة بتكنولوجيا التعليم والابتكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *