فيروس كورونا

فايروس كورونا و المساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ

“جائحة فايروس كورونا -كوفيد 19- عمّقت عدم المساواة الرقمية وعدم الوصول للمحتوى الرقمي مما يسبب حرماناً للطلاب في استمرارية التعلم في حالات الطوارئ”

أجبرت جائحة فايروس كورونا -كوفيد 19- حكومات دول العالم على إغلاق المؤسسات التعليمية مما تسبب في حرمان 89% (أكثر من 1.5 مليار متعلم) من 188 دولة من الوصول إلى المؤسسات التعليمية لتلقي التعليم الوجاهي (اليونسكو، 2020). قامت العديد من تلك المؤسسات بخوض تجربة كبيرة غير مخطط لها وهي التدريس عن بعد في حالات الطوارئ Emergency Remote Education (خليف، 2020) من أجل الحد من انتشار الفايروس. التحول المفاجئ للتدريس عن بعد في حالات الطوارئ أدى إلى صدمة وتوتر لدى الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية، سواء كانت على الصعيد الشخصي أو المهني، لما تحتاجه العملية من جهود مضاعفة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار النفسي بسبب تفشي الوباء، بالإضافة إلى عدة معيقات غير عادية لطلاب المدارس والجامعات: كعدم توفر الوقت المناسب، ضعف البنية التحية، عدم ملائمة المحتوى الرقمي، الخ (عفونه وآخرون، 2020).

التفاوت بين الدول من حيث التطور التكنولوجي واستخدام التكنولوجيا في تطوير شتى المجالات في تلك المجتمعات أدى إلى عدم المساواة الرقمية والعدالة الاجتماعية سواء بين الدول مع بعضها البعض أو داخل الدول نفسها. فلقد أسقطت الفرضيات القائمة على أن التكنولوجيا الرقمية تساعد بعض الشيء في تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية، حيث أنه في الواقع تعمقت اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ.  المساواة الرقمية والحق في الوصول إلى التعليم إحدى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (الأمم المتحدة، 2015). كذلك أشار آدم بيكرز وآخرون (2018) أنّ تحقيق المساواة الرقمية في التعليم وخاصة التعليم العالي يعتبر تحدياً كبيراً مما يعيق اعتماد الأدوات الرقمية في التعليم العالي في جميع أنحاء العالم.

ولتحقيق هدف المقالة، وهو تسليط الضوء على تعميق اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ بسبب فايروس كورونا، تم تحديد مفهوم المساواة الرقمية في كونها: الفرص المتكافئة في الوصول إلى التكنولوجيا كأجهزة وبرمجيات بالإضافة إلى تكافؤ الفرص في الحصول على تعليم رقمي متساو من خلال سهولة الوصول إلى محتوى رقمي ذو جودة عالية وتفاعلي قائم على التفاعل ما بين عناصر العملية التعليمية التعلمية الرقمية والتي تختلف كلياً عن الفجوة الرقمية حيث أنني لن أتطرق إلى مفهوم الفجوة الرقمية لقناعتي بوجود العديد من المقالات والأبحاث تم التطرق اليها.

إنّ عملية التحوّل والتي تم تسميتها التعليم عن بعد/التعلم الإلكتروني وغيرها، ليس لها علاقة بالتعلم عن بعد وإنما هي عملية استغلال التكنولوجيا في التواصل مع عناصر العملية التعليمية فيما بينهم. التعلم عن بعد هو عبارة عن عملية معقدة تبدأ من التخطيط لتصميم المقررات بناء على احتياجات الفئة المستهدفة ومن تم تصميم عملية التقييم ثم نشر المقرر. إنّ العملية التعليمية الحالية عن بعد لم تغير شيئا من واقعها باستثناء استخدام التكنولوجيا، فالمصدر الأساسي مازال هو المحاضر كما مايزال المتعلم مستمعاً لا يشارك إلا القليل من خلال المهمات أو الواجبات والسبب في ذلك يعود إلى التحول المفاجئ بسبب الجائحة. لذلك كشف نظام التدريس عن بعد في حالات الطوارئ عن اللامساواة في تقديم الخدمات التعليمية بين الطلاب والطالبات من جهة، وبين المعلمين والمعلمات من جهة أخرى، وكذلك الأهالي وأولياء أمور الطلاب، إذ أن القرار بتفعيل التدريس عن بعد جاء استجابة لحالات الطوارئ، اتّخذ بشكل ارتجالي وفوري دون العودة إلى المعلمين أو أعضاء الهيئات التدريسية في مؤسسات التعليم العالي. لقد تم الانتقال إلى النظام الجديد خلال أقل من أربع وعشرين ساعة وذلك بشكل فوري دون أي فترة انتقالية تجريبية أو بشكل تدريجي، لم يتم التأكد من جاهزية المعلمين والبنية التحتية في بيئة التدريس الخاصة بهم ولا بالطلاب “البيت”، لم تكن التعليمات واضحة ولا الأهداف، فالرؤية الضبابية كانت تكتنف الموضوع، لم يتم تحديد آلية التعلم والتقييم ووضع الخطط المناسبة لهذه المرحلة. نتيجة لتلك الضبابية وعدم وضوح الرؤية، أدى إلى الفوضى في نشر وبث المواد التعليمية والتي غالبيتها ذات جودة تعليمية منخفضة جدا، لا ترقى لأن تكون محاولات جادة لتقديم الدروس. البيانات الرسمية التي تدعو إلى التعليم عن بعد “التدريس عن بعد في حالات الطوارئ” تدعو إلى تحقيق المساواة والعدالة للطلبة في الوصول للمادة التعليمية والتكنولوجيا. في Horizon Report  العام 2018 (Adams Becker et al.، 2018 ، تم التأكد من أن الإنصاف الرقمي يمثل تحديًا كبيرًا ، مما يعوق اعتماد التقنيات الرقمية في التعليم العالي في جميع أنحاء العالم.

في فلسطين موضوع المقال، أشارت الإحصائيات العالمية للإنترنت لغاية شهر أبريل من عام 2019، أن66.3%  من الفلسطينيين يملكون إنترنت سواء كان من خلال أجهزة الهواتف الذكية أو داخل البيت (1). قامت الحكومة الفلسطينية بإعلان حالة الطوارئ مما أجبر المؤسسات التعليمية على الانتقال الى التدريس عن بعد من أجل الاستمرار في التواصل مع الطلبة وتقديم الخدمات التعليمية أسوة ببقية دول العالم كما تم الإشارة سابقا.

انعدام الفرصة الشرعية للطلاب للاستمرار في التعلم بسبب عملية التحول المفاجئ من التعلم الوجاهي إلى التدريس عن بعد في حالات الطوارئ، جعلنا بعيدين عن تحقيق المساواة في التعليم للطلاب وندور في حلقة مفرغة.

كشف انتشار فايروس كورونا عن طبقات جديدة من عدم المساواة الرقمية في التدريس عن بعد في ظل الطوارئ التي قد تعيدنا إلى المربع الأول في الفجوة الرقمية الشاملة.  يتصدى قادة المؤسسات التعليمية في فلسطين وأيضا في الدول المجاورة للتحدي غير المتوقع المتمثل في توفير التدريس عن بعد في حالات الطوارئ باعتباره وسيلة التعليم الوحيدة لأسابيع وشهور، وربما ما تبقى من العام الدراسي. من خلال العمل ضمن مجموعات بحثية لدراسة واقع التدريس عن بعد في حالات الطوارئ سواء في التعليم العام أو العالي، تم الكشف عن مجالات متنوعة في اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ والتي تشمل:

  • الأجهزة والبرامج والاتصال بالإنترنت

ليس لجميع العائلات العدد الكافي من الأجهزة التكنولوجية مقارنة مع عدد الأبناء الملتحقين في المدارس والجامعات وأحيانا الأب أو الأم أو كلاهما ملتحق ببرنامج الدراسات العليا في الجامعات. إنّ افتراض أنّ كل طالب لديه التكنولوجيا اللازمة والوقت والتحفيز والدعم للمشاركة في التعلم عن بعد ليس ببساطة واقعيا.

  • محتوى هادف وعالي الجودة وملائم ثقافيًا باللغات المحلية

المحتوى المقدم عبر التدريس عن بعد في حالات الطوارئ لا يناسب الطلبة ولا يلبي الحد الأدنى من توقعات الطلبة من التعليم عن بعد ويعود ذلك إلى عدم توفر الوقت المناسب للمحاضر/المعلم من التدريس.

  • إنشاء وتبادل المحتوى الرقمي التفاعلي مع الزملاء

انعدام ثقافة تبادل الملفات التعليمية الرقمية ذات الجودة العالية بين المعلمين أو المحاضرين، مما يحرم نسبة كبيرة من الطلاب من الوصول إلى المحتوى المناسب.

  • المعلمون الذين يعرفون كيفية استخدام الأدوات والموارد الرقمية

نسبة كبيرة من المعلمين غير قادرين على استخدام الأدوات الرقمية في التدريس مما ينعكس سلباً على ضبط الصف الرقمي عبر التدريس عن بعد في حالات الطوارئ.

  • عدم قدرة أولياء الأمور على متابعة أبنائهم في النموذج الجديد للتعليم

إنّ عدم قدرة أولياء الأمور على مساعدة الأطفال في واجباتهم المدرسية في المنزل تعتبر قضية لامساواة مهمة جدا وخاصة أنّ العديد من العائلات تقوم بمساعدة أبنائها على الواجبات المدرسية في التعليم التقليدي. هذا يمثل تحدياً كبيراً آخر لعملية المساواة الرقمية.

  • عدم المساواة في المراحل التعليمية

يتم التركيز في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ على طلبة الثانوية العامة حيث تم تخصيص قنوات على اليوتيوب مع قلة التركيز على المراحل التدريسية الأخرى وخاصة طلبة المرحلة الابتدائية.

  • التركيز على فروع محددة للثانوية العامة

يتم التركيز على الفروع العلمية والأدبية وتجاهل الفروع الأخرى في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ.

  • عدم المساواة في تقديم المواضيع “المواد”

يتم التركيز في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ على موضوعات محددة وتجاهل أخرى كالتركيز على المواد العلمية وأحيانا اللغات وعدم التركيز على المواد الإنسانية.

حلول مقترحة

– للتقليل من أثر اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ، يفضل استخدام المصادر المفتوحة التي تتيح إنشاء محتوى رقمي تفاعلي متجاوب  Responsive أي أنّه يظهر بشكل طبيعي على شاشة أي جهاز دون نقص أو تغيير في الجودة. بالإضافة إلى التصميم المتجاوب، يجب أن يكون المحتوى بأكثر من صيغة فيديو، بث مباشر اونلاين، قابل للتوزيع على DVD، بالإضافة إلى ذلك بث دروس عبر الفضائيات أو التلفزيون المحلي من أجل ضمان وصول المادة التعليمية لجميع الطلبة بغض النظر عن أماكن السكن.

-الوصول إلى المعلمين المؤهلين تربوياً وتكنولوجياً من أجل تقديم الدروس التعليمية ويتم ذلك عبر بث مركزي وبصيغ مختلفة لضمان وصول المحتوى إلى جميع الطلاب في أماكن سكنهم.

– استخدام التكنولوجيا البسيطة وتبسيط المفاهيم وأوراق العمل سيساعد أولياء الأمور على متابعة أبنائهم ومساعدتهم، حيث لا بد من توفر نشرات توعية لأولياء الأمور لمعرفة كيفية الوصول إلى المواقع التعليمية الرقمية في حال توفرت لديهم التكنولوجيا المناسبة.

الخلاصة

حقوق الملكية امر مهم جدا وكذلك أخلاقيات التدريس عن بعد في حالات الطوارئ وهي أمور لا يمكن التغاضي عنها في تحقيق المساواة الرقمية في التعليم عن بعد. إنّ مفتاح توفير فرص التدريس عن بعد في حالات الطوارئ والتي فرضتها جائحة فايروس كورونا بشكل عادل ومتساوٍ لجميع الطلاب هو التعرف على احتياجات كل طالب واعتبار كل طالب حالة فريدة. والانتقال في نظام التعليم من التعليم الجماعي “لجميع الطلاب” إلى شخصنة التعليم (Personalized) باعتبار كل طالب حالة فريدة. سيكون هذا الانتقال أثقل من التحول إلى التدريس عن بعد في حالات الطوارئ. ولكن من خلال تعميق اللامساواة الرقمية في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ، واعتبار المساواة الرقمية جزءا مهم لابد من معالجته، سيتم تعلم دروس قيمة ستساعد المعلمين على خدمة الطلاب بشكل أكثر فعالية في بيئة التدريس عن بعد الجديدة. فايروس كورونا ليس فقط تهديدا على صحة الإنسان ويشكل خطرا على حياته وإنما أيضا أثر على الحق في التعليم لدى الأطفال والشباب والبالغين.

 

 


المراجع

  • الإحصائيات العالمية للإنترنت في العالم:

https://www.internetworldstats.com/stats5.htm

  • اليونسكو(2020)، التعليم عن بعد في جائحة فايروس كورونا.

https://en.unesco.org/covid19/educationresponse

البحث في Google:





عن د. زهير ناجي خليف

حاصل على دكتوراه في تكنولوجيا الأنظمة التعليمية وماجستير في التصميم التعليمي من الولايات المتحدة الأمريكية، يعمل محاضرا في جامعة النجاح الوطنية ومستشارا للتصميم التعليمي في عدة شركات. عضو هيئة التحرير في مجلة التكنولوجيا والمعرفة الالكانية. باحث في مجال دمج وتوظيف التكنولوجيا في التعليم العالي والعام. قام بنشر أكثر من 20 بحث في مجلات عالمية محكمة. نابلس، فلسطين.

تعليق واحد

  1. ملياني عبد الله البيداغوجي

    مقال جاء في وقته،بارك الله في الباحث.سأشاركه عبر الفيسبوك،لينتشر في الجزائر و خارجها،أنا في الجزائر في مهنة تفقد أداء المعلمين،وةتوجيههم،و تقييم أدائهم(مفتش التعليم الإبتدائي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *