الكتابة العربية

تدريس نطق الأصوات العربية       

اللغة العربية تعيش اليوم مأساة بين أبنائها، فهناك تشتت لغوي ذريع تعاني منه المدارس والمعاهد والجامعات، ويُرجح أن يكون السبب هو ضعف المناهج المدرسية، وخصوصا أنها تعرف إهمالا للجانب الصوتي في تدريس اللغة العربية، مما يسبب ضعفا كبيرا للمتعلم على مستوى نطقه للحروف العربية، فيؤدي فيما بعد إلى حدوث خلل في وظيفة المنظومة التعليمية.

إذا هل يجب تدريس نطق الأصوات العربية في المرحلة الابتدائية؟

وهل يسبب إهمال تعليمها مشكلا في النطق لدى المتعلم فيما بعد؟

وما هي خصائص هذه الأصوات التي تجعل من اللغة العربية لغة متميزة؟ والصعوبات التي قد يواجهها المتعلم أثناء تعلمها؟

من بين الدوافع التي جعلتنا نطرح هذه الإشكالات، هو أن جميع اللغات الغربية تتوفر مادة ديداكتيك نطق الأصوات، فتجد طفلا ذو سبع سنوات يتعلم أصوات اللغة وتآليفها بالشكل المعياري، رغم أن هناك تشابها بين الحروف مما يحدث تعقيدا على مستوى النطق، مثلا نطق كل من (é) و (è) و(ai) و(ê) في اللغة الفرنسية. بينما متعلم اللغة العربية يعاني صعوبات في النطق، رغم أن لغتنا تعتبر من أيسر اللغات وأقربها إلى الفطرة، من ناحية الأصوات، فهي اللغة التي تُشغل الجهاز الناطق بجميع إمكاناته ولا يبقى فيها خاملا. يقول ريمون رونار بهذا الخصوص: يعرف مدرسو اللغة جيدا أن الأصواتية مغيبة عموما عن المناهج المقدمة لهم في التكوين، أو بعبارة أخرى، إن برامج التكوين الأولية عمليا لا تعدهم، كما ينبغي للتعامل مع التخصص الذي يحتل مكانة هامة في إشكالية اللغة.[1]

وبما أن علم الأصوات في البداية لم يكن علما بل ملكة لدى اللغويين العرب القدماء، فإنه لم تبدأ الحاجة إليه إلا بعد دخول الأعاجم الإسلام، وتفشي اللحن والخطأ في القرآن الكريم والحديث الشريف، وفي فهم النصوص الدينية، فظهر هذا العلم قبل علم التجويد، لأن هذا الأخير أخذ من علم الأصوات الشيء الكثير.

وكان أول ما قام به علماء اللغة، أنهم اهتموا بمخارج الحروف وصفاتها، فالفراهيدي مثلا   اعتمد فقط على الإحساس، وقام باستخراج مخارج الحروف كلها، من أعمق نقطة في الحلق مرورا بحركات اللسان وحتى أطراف الشفتين، ومن ذكائه أيضا واعتمادا على فطرته قسم اللسان إلى عدة مناطق باعتباره آلة للنطق، أما الجهاز الناطق فيمكن اعتباره الوعاء الذي يتم من خلاله النطق. وقد اهتم اللغويون القدماء أيضا، بالجانب الوصفي إذ حددوا موقع النطق مثلا الحلق، وصفة الحرف مثلا مهموز، وهذا كله لحماية اللغة حتى لا تتأثر بلكنات الأعاجم كما سبق الذكر، فلحماية النصوص الدينية كان لا بد من اعتماد قواعد وقوانين، وهذا العلم أي علم الأصوات سيتقاسمه اللغويون فيما بعد مع علماء التجويد، “الذين كانت دراستهم للأصوات ترتبط بشكل أساسي بمعالجة ما سموه باللحن الخفي، فقد قسموا اللحن إلى قسمين هما اللحن الجلي وهو الخطأ الظاهر في الحركات الخاصة، وقالوا بأنه ميدان عمل النحاة والصرفيين، واللحن الخفي  وهو الخلل الذي يطرأ على الأصوات جراء عدم توفيتها حقوقها من المخارج أو الصفات أو ما يطرأ لها من أحكام عند تركيبها في الكلام المنطوق، وقالوا بأن هذا هو ميدان عمل علماء التجويد، وهو يستلزم في نظرهم دراسة ثلاثة أمور: مخارج الحروف، وصفاتها، وأحكامها التركيبية. وهذه هي عناصر علم التجويد الأساسية.”[2] كان لا بد من تعليم الأعاجم علم الأصوات لقراءة القرآن، لأن جودة التعليم تستدعي الإلمام بالصوت، باعتباره هو العنصر المادي العضوي الذي يشكل حقيقة اللغة، فإذا تم تدريسها دون اعتماد عنصرها الجوهري الذي هو الصوت، فإننا لا نفيها حقها في التدريس، وكأننا ندرسها مبتورة. واللغويون القدماء حافظوا على اللغة العربية بالإلقاء والنطق السليم مع اعتماد المتعلمين السمع في التعلم.

وكما نعلم أن مخارج الحروف في اللغة العربية تستغل منطقة واسعة من الجهاز النطقي ابتداء من الحلق إلى الشفتين[3]، ليس مثل باقي اللغات. واستخدام منطقة الحلق، ينتج عنه وجود نطوق تتسم بالصعوبة بالنسبة للمتعلم الصغير، ومن هذه النطوق العين والغين والحاء والخاء والهاء والقاف، وأكيد، إذا لم يتعلم الطفل هذه النطوق الصعبة في سن مبكرة فسيلازمه هذا المشكل طوال حياته. كما أن نطق الحروف يتم في مناطق متقاربة جدا مما يجعل بعض الحروف متقاربة جدا من ناحية المخرج وتختلف من ناحية الصفة، أو العكس.

ومن خصائص حروف اللغة العربية التي لا توجد في حروف اللغات الأخرى، وتدفعنا إلى تخصيص حصص لتدريسها للمتعلم، نجد:

  • خاصية اللثوية، نسبة إلى لثة الأسنان، ولقربها منها وليس لخروجها منها[4]، وهي التي تخصص الثاء والذال والظاء، لأن نطقها يتم عبر الاحتكاك بين اللسان ومقدمة اللثة، وهي تحتاج للتكرار والتدريب حتى يُتقنها المتعلم لأنها نطقها صعب ودقيق، وهذا التدريب لا يمارسه المتعلم في القسم، ولا توجد حصص مخصصة له في المناهج التعليمية ، بل لا يوجد أي شيء يتعلق بالأصوات، ولا يقوم به المدرسون وإن بشكل تطوعي.
  • خاصيات تتسم بنوع من الدقة، بحيث إذا أهملت صفة في حرف تجد نفسك تنطق حرفا آخر، لأنه في نطقها نعتمد مكانا معينا، مثل صفة الإطباق التي تعني انطباق طائفة من اللسان (وليس كله)، “فاللسان عند النطق يتقعر وسطه، وهذه الحالة لم يذكرها القدماء، بل اكتفوا بالإشارة إلى انطباق ظهر اللسان على الحنك الأعلى”[5]، مع التقاء مؤخرته بالطبق الأعلى، فعند نطق الحروف التالية: (ص، ض، ط، ظ) يصعد الصوت إلى قبة الحنك الأعلى، وينحصر مع الريح بين اللسان والحنك الأعلى، غير أن هذه الحروف تختلف في درجة القوة، فالطاء أقواها في الاطباق وأمكنها لجهرها وشدتها، والظاء أضعفها في الاطباق لرخاوتها وانحرافها إلى طرف اللسان …. والصاد والضاد متوسطتان في الاطباق.[6]

أما صفة الاستعلاء فهي  ضغط الحرف عند النطق به حتى”  يتصعد في الحنك الأعلى، وحروف الاستعلاء سبعة (خ، ص، ض، غ، ط، ق، ظ)”.[7]

وصفة القلقة تحدث بسبب اجتماع صفتي الجهر والشدة في الحرف، وهي عبارة عن اضطرابٍ في نبرة الصوت، حتّى تُسمع له نبرةٌ قويةٌ، وقال تمام حسان وهو يتحدث عن القلقة: ” وحروف القلقة هي (ق، ط، ب، ج، د).[8] ويشترط لحصول القلقة سكون الأصوات المذكورة.

ما يلاحظ، هو أن من يتلقى دروسا في تجويد القرآن يكون نطقه صحيحا للحروف، لأنها تيسر تعليم النطق الصحيح للمتعلم، حيث يعرف أولا من أين ينطق هذا الحرف، وأكيد أنه سيتقن لغته حينها، ويؤديها على أكمل وجه، مما سيؤدي إلى تحسين تعلمها، وهذا ما يدفعنا إلى تأكيد ضرورة تعليم أصوات اللغة العربية للمتعلم في حصص مستقلة. فالمتعلم يجب أن يتعرف صفات الحروف العربية لأنها:

1 – تعطي مميزات لكل حرف بحيث تميز الحرف الذي يشترك معه في المخرج. كالتاء والدال.

2-تساعد على معرفة الحرف القوي من الضعيف. وهذا يُبنى عليه في معرفة ما يدغم وما لا يدغم من الحروف لأنّ القوي لا يدغم في الضعيف.

  • تساهم في تحسين النطق بالحروف وتجميلها بالرغم من اختلاف مخارجها[9].

يجب الانتباه أن اللغة العربية نسق نطقي جد دقيق، لذلك وجب الاهتمام باللثويات والحلقيات لأنها من أصعب النطوق، ومراعاة صفات محددة ودقيقة للحروف أبرزها الإطباق والاستعلاء والقلقة. وتعليم الأطفال كيفية نطق الحروف العربية أكيد سيحسن من وضع اللغة العربية الحالي في مدارسنا، وسيكون مفيدا فقط إذا كان المدرس متمرس، وتتوفر فيه مجموعة من الكفايات أهمها التمكن من اللغة العربية.

[1] Renard, Raymond, apprentissage d’une langue étrangère seconde :2.  La phonétique verbotonale. De Boeck Université, 2002. P :6
[2]الحمد، غانم قدوري، المدخل إلى علم أصوات العربية، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان، الأردن،2004، ط. 1.ص: 47-48
[3]انظر جمال بن إبراهيم القرش، دراسة المخارج والصفات. مكتبة طالب العلم، مصر، 2012، ط1. المبحث الأول
[4] انظر جمال بن إبراهيم القرش، دراسة المخارج والصفات. مكتبة طالب العلم، مصر، 2012، ط1. ص:80
[5] إبراهيم عبود السمرائي، المصطلحات الصوتية بين القدماء والمحدثين، ط1، دار جرير للنشر والتوزيع عمان، الأردن، 2011 ص: 138
[6] ابن الجزري، التمهيد في علم التجويد، تح، غانم قدوري الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1986 ص: 90
[7] ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، شرح وتصحيح عبد المتعال الصعيدي، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده، القاهرة، 1969، ص:31
[8] تمام حسان، مناهج البحث في اللغة، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، 1979، ص: 181
[9] “الكافي لأحكام التّجويد”، www.qurankarim.org،

البحث في Google:





عن سهام محجوبي

حاصلة على ماجستير ديداكتيك اللغة العربية، وباحثة بسلك الدكتوراه تخصص لسانيات تطبيقية، ومهتمة بالتقنيات الحديثة في التعليم، المملكة المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *