جائحة كورونا والتكنولوجيا والتعليم وعلاقتها بالبيئات التعليمية

أنعم الله عز وجل علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فالناظر والمتمعن في آيات الكون يعي ذلك جيدا، ولعل من النعم التي أنعم الله بها على النظم التعليمية هي التكنولوجيا والأدوات التكنولوجية المتوفرة الآن.

وحتى لا تصبح تلك النعم نقمة فسأجيب على بعض الأسئلة في هذا المقال البسيط، وهي كما يلي:

هل التكنولوجيا هدف أم وسيلة؟

وقبل الإجابة على ذلك يجب أن نرى الموضوع بنظرة شاملة فهناك وجهات نظر مختلفة.

فعلي سبيل المثال يرى معظم متخصصو التكنولوجيا كالمبرمجين وغيرهم أن الهدف الأساسي هو تطوير الأدوات التكنولوجية وبيئات التعلم المختلفة وإضافة الأدوات الجديدة التي قد تساعد البشر في حياتهم اليومية وتوفر عليهم الجهد والوقت والمال، أي أن التكنولوجيا هدف بالنسبة لهم وهذا أمر جيد.

أما وجهة النظر الأخرى في هذا الوقت هي كيف يمكن أن نجوّد ونحسن عملية التواصل مع الطلاب لننفذ الأهداف التربوية العامة والخاصة التي تهدف إليها المنظومات التعليمية المختلفة، وفي سبيل ذلك يمكن أن يتم استخدام الأدوات التي تناسب هذا الهدف.

فلا يجب أن نغرق في الأدوات التكنولوجية الموجودة بالآلاف على حساب جودة التعليم، فما يهمنا كيف تصل المعلومة للطالب ويتحصل عليها بجودة عالية.

أي أن المطلوب هو اختيار الأفضل مما هو موجود حسب المعطيات الخاصة بكل معلم، فما يصلح مع معلم قد لا يصلح مع آخر وما يصلح مع طالب قد لا يصلح مع ظروف طالب آخر. وما يهمنا في الوضع الحالي ووجود جائحة كورونا هو التعليم نفسه، لذلك هذا يضطرنا لطرح سؤال آخر ألا وهو:

هل المنتجات التعليمية للشركات الكبرى مثل مايكروسوفت أو جوجل أفضل أم بناء بيئة تعليمة خاصة؟

عند الإجابة على هذا التساؤل نجد فريقا يؤيد منتجات شركة مايكروسوفت وآخر مؤيد لمنتجات شركة جوجل، و نحن لسنا هنا بصدد الحكم على هذه الشركات العملاقة، ومن هو الأفضل، فالعديد من الدراسات والأبحاث مثل بحث صالح وآخرون (2019) وحسين (2020) وظفت تلك الأدوات المختلفة وكل منهما أثبت فعالية المنتج المستخدم، ولكن لا ننسى أننا عندما نستخدم منتجا معينا نضعه في الحالة المثالية ونهيئ له الظروف لينجح، وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا لماذا لا نبادر ونبني الأنظمة التعليمية الإلكترونية الخاصة بنا والتي تتناسب مع ظروف كل بيئة.

ونجيب على ذلك في سطور قليلة، فليس من المستحيل بناء أنظمة تعليمية إلكترونية خاصة بكل بيئة، وإن تطلب ذلك بعضا من الوقت والمال، فما تقدمه شركة مايكروسوفت وجوجل ليس مجانا حتى إن كان يبدو كذلك.

فنفط العصر الحالي هو البيانات، ونحن باستخدامنا لتلك المنتجات نقدم خدمة لا تقدر بمال، فنضع جميع بيانات الطلاب والمعلمين بين يدي تلك الشركات لتقوم بتحليلها ومعرفة عقلية المستخدمين والاستفادة من ذلك، إما بالترويج لسلع معينة أو في بيع تلك البيانات لجهات تحسن استخدامها.

ونذكر أنه ليس ببعيد عن أذهاننا فضائح تسريبات بيانات المستخدمين للعديد من تلك الشركات العملاقة التي كنا نظنها محصنة.

وعليه  ما أعرضه هو توضيح وجهات النظر المختلفة ولفت نظر القارئ أن ما نحتاجه الآن هو التركيز على تجويد التعليم بما يخدم العملية التعليمية التعلمية مستخدمين في ذلك أفضل الأدوات التكنولوجية المناسبة لكل بيئة ودون إغراق الطالب والمعلم بالأدوات الإلكترونية دون حاجة.

فما يلزمنا ويخدم الهدف العام للتعليم فأهلا وسهلا به وما هو غير لازم في هذه المرحلة فلنأجله لمرحلة أخرى، دون أن نغفل التحذيرات التي تصدر من متخصصي أمن المعلومات من المعلومات الرقمية وخطورتها، وهذا يضعنا أمام سؤال آخر ما التحديات التي تواجه النظم التعليمية عند إنشاء بيئة تعليمية إلكترونية خاصة (محلية)؟

لاشك أن إنشاء بيئات التعلم يواجه العديد من التحديات ولعل أهمها ما يلي:

– تحديات تقنية

فتحتاج البيئات التعليمية لتوفر العديد من الإمكانات وأهمها الخادم (السيرفر) الذي سيقوم باحتواء البيئة، وربما تكون المعضلة الكبرى في هذا الموضوع هي التقنيات التي سيتم استخدامها، فالتقنيات العادية المعروفة لا تستطيع تحمل ضغط المستخدمين على الخادم، وهذا يتطلب الاستعانة بفريق من الخبراء والتقنيين في مجال الشبكات لحل هذه المعضلة، والتي بالمناسبة قد تجاوزتها الشركات الكبرى مثل فيسبوك وجوجل وغيرهم.

لذلك ليس من الصعب تجاوز هذه المشكلة، أما الشق الثاني الذي يجب الالتفات إليه في موضوع الخادم فهو الحفاظ على أمنه وحمايته من الاختراق، وهذا أيضا يتطلب الجهد والاستعانة بالمختصين في مجال الحماية وأمن المعلومات.

فوقوع بيانات الطلاب والمعلمين من كلمات المرور وغيره ليس بالأمر البسيط، ولكن هذا كله يجعلنا نسعى جاهدين للتطوير وتنمية المهارات التقنية لدى الدوائر التقنية المسؤولة عن الجزء التقني في النظم التعليمية، من خلال إلحاقهم بالدورات المطلوبة لذلك، فليس معنى وجود عائق أن نلغى الفكرة كاملة، وإنما ما يجب علينا فعله هو البحث عن حلول واضعين أمام أعيننا أن مسألة أمن المعلومات هي مسألة تتدخل فيها العديد منا العوامل وأن الشركات الكبرى كما ذكرنا سابقا ليس بمأمن من الاختراق.

– تحديات بشرية

ولعل ما يواجهنا في هذا التحدي هو الإرادة، فليس من السهل تغيير القناعات وقبول الجديد وبالذات أن عقدة الأجنبي تطارد الكثير، وهنا يأتي دور الإقناع من المختصين التقنيين وغيرهم، لإقناع القائمين على الموضوع أن البيئة الخاصة ستلبي الحاجات التعليمية للبلاد في ظل الوضع الصحي العام، لأنها بنائها سيتم وفق متطلبات واحتياجات النظام التعليمي، وهنا أيضا يجب أن لا نغفل أن في كلتا الحالتين سواء كانت البيئة محلية المنشأ أم جاهزة فإننا بحاجة لإقناع الكادر البشري من تربويين ومعلمين بقبول الجديد وجدية التدرب والالتحاق بالدورات التدريبية اللازمة لذلك التحول، وهذه المهمة ضرورية في هذه المرحلة، وصحيح أنها ليست بالسهلة لكنها ممكنة، وبالذات عندما يتم ربطها بالحوافز والمكافآت المادية والمعنوية.

أما من ناحية أولياء الأمور وجمهور الناس فلا يهمهم البيئة محلية أم جاهزة، فالمهم أن تلبي البيئة الاحتياجات التعليمية وأن تراعي معايير الجودة، وأيضا في كل الحالات معضلة إقناعهم بجدية الأمر ونفعه في ظل التحديات الجديدة والحالة الوبائية العامة في البلاد يجب أن تتولاه الأقسام الإعلامية الخاصة بالنظم التعليمية، لتوضح نفع الأمر إليهم، ويجب التركيز على أن البديل عن عملية التعليم واستخدام البيئات التعليمية الإلكترونية هو الجهل، كما يجب التركيز على  مخاطر الارتهان بالحلول الأجنبية.

– تحديات مادية

بالطبع هذا التحدي لا يمكن أن نغفله وبالأخص أنه ليس بالبسيط، وما يهمنا وما سأتناوله منه موضوع التكلفة الإجمالية لإنشاء بيئة تعليمية إلكترونية خاصة (محلية) فقط.

إن تكلفة إنشاء البيئات التعليمية التي تستطيع استيعاب هذا العدد الكبير من الطلاب وحركات مرورهم على الخوادم (السيرفرات) ليس بالقليل، ولكن عزيزي القارئ سأطرح عدة أسئلة عليك لتعرف هل يمكن تجاوز هذه العقبة أم لا؟

أولا: برأيك ما التكلفة المادية لاستخدام بيئة تعليمية جاهزة لتستوعب العدد الكبير من المستخدمين؟

ثانيا: ما المخاطر الأمنية على الدولة من تسليم بياناتها لجهة خارجية؟

ثالثا: ما التكلفة التشغيلية التي توفرها الأنظمة التعليمية الآن بتعطيل المدارس؟

رابعا: ما المخاطر الصحية المحتملة بالتوجه نحو التعلم الوجاهي، وترك موضوع التعلم الإلكتروني برمته؟

خامسا: هل تجربة البيئات التعليمية الخاصة (المحلية) ودخول المنافسة العالمية في مجال التعلم الإلكتروني تستحق المخاطرة أم لا؟

كل ذلك من أسئلة وغيرها عند إجاباتها يجعلنا نقف أمام قناعة أن تكلفة إنشاء المدارس الحقيقية كبير جدا، وأن التعلم الوجاهي في أفضل حالاته لا يستوعب الأعداد الكبيرة من الطلاب، وأن التكلفة التشغيلية للمدارس عند توفيرها تجعلنا نبني العديد من البيئات التعليمية الخاصة (المحلية)، وأن مخاطر أمن المعلومات تجعلنا نحافظ على بياناتنا في سيرفراتنا المحلية، وأن تجربة الدول الأجنبية في ذلك والشركات الخاصة الأجنبية تجربة يجب أن تدرس وتكون دافع لنا في توفير بيئتنا الإلكترونية الخاصة بنا.

وبعد تعريجنا بالشيء اليسير حول بعض التحديات التي تواجه النظم التعليمية عند إنشاء بيئة تعليمية إلكترونية خاصة (محلية)، وجب على التنويه أن هذه التحديات الثلاثة إن تمت السيطرة عليها وحلها بالحلول المرضية والآمنة سيتم التحول الرقمي للبيئات التعلمية الخاصة بشكل مُرْضٍ للجميع وبما يخدم مصلحة النظم التعليمية والجمهور.

المراجع:

  • صالح، أميمة وأبو الهدى، حسام الدين والدسوقي، محمد إبراهيم(2019). بيئة تدريب مقترحة قائمة على مواقع جوجل لتنمية بعض المهارات الإلكترونية لمعلمي التعليم العام، مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، جامعة الفيوم – كلية التربية، جمهورية مصر العربية.
  • حسين، عبير سليمان ماجد(2020). فاعلية برنامج تدريبي في تنمية مهارات استخدام برمجيات الرياضيات التفاعلية برمجية جيوجبرا Geo Gebra ومايكروسوفت ماث Microsoft Math في التدريس والاتجاه نحوها لدى معلمات الرياضيات، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المركز القومي للبحوث غزة.

البحث في Google:





عن مهند يوسف صيام

بكالوريوس علوم حاسوب وماجستير مناهج وطرق تدريس، معلم حاسوب وتكنولوجيا المعلومات، ومهتم بتعليم الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتقنيات التعليم.

تعليق واحد

  1. أمل أحمد الحازمي

    مقال جدًا مفيد ويركز على نقاط مهمة وحساسة افدتنا الله يجزاك خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *