التفكير التأملي

تعلم التكنولوجيا وعلاقته بتنمية التفكير

المفهوم الشائع لمصطلح التكنولوجيا هو التمكن من استخدام الأجهزة الحديثة والتعامل معها بما تحتويه من برمجيات قائمة على الذكاء الإصطناعي وتعتبر هذه النظرة نظرة قاصرة ومحدودة، فالأجهزة الحديثة هي في الحقيقة نتيجة من نتائج التكنولوجيا وليست التكنولوجيا.

والتكنولوجيا تعتبر وسيلة يُعزى وجودها إلى سعي الإنسان الدائم لجعل الحياة أيسر وأبسط، وكذلك لإيجاد حلول للمشكلات التى تواجهه، ولزيادة قدراته على التصدي للطبيعة بقسوتها المعروفة. ومن هنا يمكننا القول إن التكنولوجيا في مضمونها تعتبر وسيلة وليست نتيجة.

التكنولوجيا وفي أبسط تعريف لها هي استخدام المعلومات والمعارف والمهارات بهدف إشباع حاجة الإنسان وزيادة قدراته، وتهتم التكنولوجيا بالحاجات الملحة للإنسان وكذا رغباته والأشياء المرتبطه به ارتباطا مباشرا مثل المسكن وعمارة الأرض، والتقنيات المرتبطة بالغذاء والماء، والسيطرة على الأمراض والأوبئة والفيروسات، وتقنيات الاتصال وغير ذلك.

ومن هذا المنطلق، فإن الإنسان يستخدم ويستغل  معلوماته ومهاراته ليحل ما يواجهه من مشكلات، متعلقة بالطرق التى يسير فيها وكيفية تعبيدها وتمهيدها والحفاظ على مياه الشرب وتطويعها في إيجاد الطاقة الكهربية المستمرة، وفي تطوير الجانب الصحي والطبى بشكل كبير وفي تطوير الزراعة واستصلاح الأراضي وفي تطوير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دائم مستمر.

وتعد التكنولوجيا عملية تجميع الموارد بهدف حل المشكلات، وهي التي تنتج الأشياء لتجعل حياتنا أيسر وأفضل.

وعلى الجانب الآخر أصبح مفهوم تنمية التفكير من المفاهيم التربوية التي تلقى الرعاية والاهتمام عند النظم التربوية الحديثة، حيث لم يعد الهدف الأسمى للتربية يقتصر على إكساب الطالب المعارف والحقائق وملء عقل الطالب بها، بل تعداها إلى تنمية قدرته على التفكير السليم، وأصبح التعليم عندها يقوم على مبدأ تعليم الطالب كيف يتعلم وكيف يفكر.

وقد انتحت الدعوة إلى تعليم مهارات التفكير وعملياته فى النظم التربوية الحديثة مناحي كثيرة، لكل منها فلسفته وتفسيراته الخاصة، فمنها من يدعو إلى تعليم مهارات التفكير بشكل مباشر و يشير أصحاب هذا المنحى إلى ضرورة التدريس الصريح والمباشر لمهارات التفكير من خلال مواد تعليمية إضافية منفصلة عن المقررات الدراسية ويعتمدون فى تبريراتهم لهذا الأمر على أن عمليات التفكير تعلم كغيرها من الموضوعات الدراسية، و أن التعلم والتفكير من الناحية المفاهيمية أمر واحد.

ما المقصود بتعلم التكنولوجيا:

يطلق على فرع التعليم الذي يختص بدراسة التكنولوجيا كنشاط إنساني اسم تعلم التكنولوجيا ويعرف بأنه” دراسة نظم التكييف والتحكم وعناصرها الأساسية التي تشتمل على الأدوات والمواد والمعرفة، والمهارات والطاقة والوقت ورأس المال وتطور هذه النظم وطرق استخدام الموارد لحل المشكلات العملية وكذلك آثار تطور التكنولوجيا على الأفراد والمجتمعات والبيئة”.

وتعلم التكنولوجيا هو منهج واستراتيجية جديدة فى التدريس حيث أن دراسة التكنولوجيا تشمل البحث عن الموارد المتاحة، وعن كيفية تجميعها واستغلالها، وما يمكن توقعه من تجميع وإستغلال هذه الموارد، واقتراح بعض الحلول التى تهدف إلى حل المشكلات التى تواجه الإنسان في مواقف معينة، والاسم الشائع لهذه العملية هو ” حل المشكلات” والشكل  الشائع التالي يوضح نموذجا مبسطا لحل المشكلات من سبع خطوات كما يلي:

 

نموذج بسيط لحل المشكلات من7 خطوات

الفرق بين التكنولوجيا والعلوم:

بنظرة بسيطة وغير متعمقة على التكنولوجيا كعلم وتعلم العلوم الأخرى نجد أنه يوجد تشابه ما بينهم فيجب توضيح الفرق بين العلمين لأنه وفي الحقيقة توجد شعرة بسيطة بين التكنولوجيا والعلوم، وفي السطور القادمة سأحاول توضيح الفرق بين تعلم التكنولوجيا وتعلم العلوم.

فتعلم العلوم يرتبط بالبحث عن إجابة أسئلة تتعلق بطبيعة العالم مثل: لماذا يسقط شئ ما؟ وهل يسقط هذا الشيء بمعدلات يمكن التنبؤ بها مستقبلاً؟ ولماذا تتغير وتتبدل الخلايا؟ ولماذا تتآكل وتصدأ بعض المعادن؟ وبذلك ترجع أهمية العلوم إلى أنها تساعدنا على فهم طبيعة العالم الذى نعيش فيه.

أما تعلم التكنولوجيا فيعتمد على  إجابات لأسئلة تختلف في طبيعتها عن أسئلة العلوم مثل كيفية الاتصال من مسافات بعيدة ومختلفة البعد؟ وكيف يتحقق الدفء في الجو البارد؟ وكيف نتعامل لتخفيف حرارة الجو المرتفعة؟ وكيف نتعامل لرفع حمولة ثقيلة؟ وكيف نحتفظ بالسجلات والمعلومات لفترات طويلة؟ وكيف نستدعي المعلومات بطريقة سريعة ومصنفة؟ وبذلك ترجع أهمية التكنولوجيا إلى أنها تساعدنا في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه الإنسان.

وبذلك نجد أنه بينما تبحث العلوم عن محاولة لفهم العالم، تبحث التكنولوجيا عن حلول للمشكلات التي تواجه الإنسان في هذا العالم وبالتالي ترجع أهمية تعلم التكنولوجيا إلى أنها تساعدنا على فهم العالم الاصطناعي ( العالم الذي صنعه الإنسان) الذى نعيش فيه، وتزداد أهمية تعليم التكنولوجيا نتيجة للتغير السريع في العالم الاصطناعي ولآثاره الكبيرة على صحة الإنسان ورفاهيته.

والتكنولوجيا في الحقيقة تسبق العلوم، فهي قديمة قدم حياة الإنسان ذاته، وحين استخدم الإنسان الأول الحجر في قنص الحيوانات وصيدها ليستطيع أن يأكل ويسد حاجته من الطعام، كان يطبق مفهوماً أولياً للتكنولوجيا من حيث البحث عن حل لمشكلة إشباع حاجته من الطعام عن طريق صيد وقنص الحيوان، والتي كانت تأرقه آنذاك.

فلسفة التكنولوجيا:

لقد أصبح إدخال مادة التكنولوجيا في المناهج الدراسية عنصراً جوهرياً في النظم التعليمية الحديثة، وضرورة لتوفير الإنسان المثقف تكنولوجياً، وذلك نتيجة للتغير السريع فى العالم بفضل إسهامات وآثار التكنولوجيا، وتشمل هذه الضرورة عامة الناس الذين يحتاجون إلى زيادة قدراتهم على تحديد المشكلات، ووضع الحلول لها والتكيف مع التغير التكنولوجي والإسهام فيه، وتقييم أثر التطور التكنولوجي على البيئة والمجتمع.

وقد اختلفت النظرة التربوية الحديثة عن الماضي، فأصبحت النظم التربوية الحديثة تهدف إلى التعلم مدى الحياة والتعلم من أجل صنع القرار، والتعلم من أجل الحياة فى مجتمع متغير ومغاير.

ويعتمد تعلم التكنولوجيا على تطبيق القوانين الفيزيائية، والقوانين الرياضية واستخدام المواد المختلفة في حل المشكلات التكنولوجية، ويتعدى تعلم التكنولوجيا الحدود التقليدية بين النظم المختلفة، ويحاول أن يعكس بدقة دور التكنولوجيا في عالم اليوم.

ويهدف تعلم التكنولوجيا في النهاية إلى تمكين الكم الأكبر من الناس من فهم واستيعاب التكنولوجيا وتطويرها في المستقبل من أجل تحسين طبيعة ونوع الحياة.

الأهداف العامة لتدريس التكنولوجيا في التعليم:

تسعى التكنولجيا في التعليم لتحقيق الأهداف التالية:

  • تنمية التفكير الابتكارى الحر في دراسة وتحديد وتحليل المشكلات.
  • اكتساب بعض المهارات الأساسية في استخدام الآلات والأدوات البسيطة مع تطبيق ومراعاة قواعد الأمن والسلامة في الاستخدام.
  • زيادة ثقة الفرد بنفسه عن طريق المساهمة في الإنتاج.
  • تقليل استخدام الموارد المتاحة (بشرية ومادية) لحل المشكلات البيئية وذلك باستخدام باقي الخامات المستمدة من البيئة الطبيعية.
  • استشعار أهمية التنبإ بالمشكلات قبل ظهورها، واتخاذ الإجراءت الوقائية لتجنب آثارها.
  • تطبيق أسلوب حل المشكلات عن طريق النموذج ذي السبع خطوات للوقاية من الأخطار الطارئة، وتجنب آثارها السلبية.
  • ملاحظة التغيرات التكنولوجية المتلاحقة، وقياس أثرها على المجتمع سلباً وإيجاباً.
  • التعامل الجيد مع الأجهزة والمعدات التكنولوجية، و صيانتها وتطويرها باستمرار.
  • تنوع مصادر التعلم والمعلومات المختلفة، وعدم الاقتصار على الكتاب المدرسي أو المعلم فقط.
  • زيادة العمل التعاوني من خلال العمل بأسلوب الفريق الواحد، والتدرب على أسلوب طرح الآراء، ومناقشة الآخرين، واحترام الرأي والرأي الآخر.
  • جعل التعلم متعة لكل من التلميذ والمعلم حيث يتم العمل في مجموعات عمل صغيرة.
  • تطوير مفهوم محو الأمية من مجرد الإلمام بالقراءة والكتابة، إلى التعامل الجيد مع الكمبيوتر.
  • التعامل بأسلوب النظم (مدخلات وعمليات ومخرجات) وتقييم كل عنصر من تلك العناصر.
  • تعظيم قيمة العمل اليدوي واحترام العاملين به.

ما الطرق والأساليب المتبعة في تدريس التكنولوجيا في التعليم؟

تختلف التكنولوجيا عن غيرها من المواد الدراسية من حيث أهدافها وطرق تدريسها، فمحتوى التكنولوجيا هو مجموعة متكاملة ومتداخلة ومترابطه من الموضوعات التي تنتمي لمواد دراسية متعددة ومختلفة، منها على سبيل المثال الرياضيات والعلوم والفنون والتاريخ والجغرافيا والموسيقى.. وغيرها.. ولذلك نقول إنها لا تعتبر إضافة محتوى جديد أو أعباء إضافية على الطالب، وإنما هي وسيلة لتعلم محتوى باقي المواد الدراسية المقررة في المنهج، وإلى جانب تدريس التكنولوجيا كمادة مستقلة فالمتوقع أن تدمج طرق تدريسها في باقي المواد الدراسية.

يختلف دور معلم التكنولوجيا عن باقي المعلمين من حيث أنه يقوم بدور مختلف كميسر لعملية التعليم، فهو يوجه ويرشد ويقترح… ولكنه لا يلقن ولا يحاضر ولا يهيمن على الموقف التعليمي، وأهم ما يقوم به معلم التكنولوجيا من أدوار هو أنه يقود طلابه إلى البحث العلمي والاستقصاء والاعتماد الكلي على النفس، والتوصل إلى المعلومات والحلول بأنفسهم، فالتكنولوجيا تعلم الطلاب كيف يفكرون، ولا تحدد لهم ماذا يفكرون.

تعتمد أساليب تعليم التكنولوجيا على استراتيجيات تدريسية تركزعلى ما يلي:

  • المشاركه الفاعلة والإيجابية للطالب حيث يعتمد التعلم على العمل والممارسة ومن مزايا هذا الأسلوب أنه يساعد على الفهم العميق للموضوع، كما أن ما يتعلمه الطالب بالممارسة يبقى ولا يسهل نسيانه بسرعة.
  • التعلم التعاوني وفيه يعتمد الموقف التعليمي على العمل فى مجموعات صغيرة، يعلم الطلاب فيها بعضهم البعض ويتحملون مسؤولية جماعية لنتائج التعلم، وتؤدي هذه الاستراتيجية إلى بناء وزيادة ثقة الطالب في نفسه واعتياده العمل مع الآخرين وتقبل الرأي والرأي الآخر، والقدرة على المناقشة البناءة ورفض الخلافات بطرق حضارية بعيداً عن التعصب والتمسك بالرأي أو اللجوء إلى أسلوب العنف، ويتمثل التعاون في الموقف التعليمي أيضاً في تطوير العلاقة بين المعلم والطلاب حيث يطرحون أفكارهم وآراءهم للمناقشة ويقوم المعلم بالتوجيه والإرشاد.
  • ربط التعلم بواقع الحياة، حيث تتناول المشكلات التكنولوجية مواقف من الحياة الفعلية التي يعيشها الطالب أو يسمع عنها ويوجه المعلم الطلاب لاختبار الحلول العلمية والمنطقية للمشكلات التي تعرض عليهم عن طريق تفعيل نموذج حل المشكلات ذي السبع خطوات.
  • تنمية مستويات التفكير العليا، فيتم تدريب الطلاب على التركيز على التفكير الإبداعي، والتفكير الناقد وحل المشكلات والقدرة على الاختراع وتوليد الأفكارالجديدة واستخدام قواعد البيانات للتوصل إلى مزيد من المعلومات، وهذا من شأنه التوصل إلى الإتقان والقدرة على التنافس.
  • الملاحظة المستمرة، وتعتمد في الأصل على التقييم الذاتي، والجماعي، مع الاهتمام بأسلوب الأداء وطريقة التفكير وليس على كم الحفظ أو تجميع وترديد المعلومات والحقائق والأرقام.

في الأخير يجب القول أن تعلم التكنولوجيا لا يعتمد  على الأجهزة والأدوات المرتفعة الثمن ولا تتطلب معامل معقدة وتجهيزات خاصة بل يمكن تدريس التكنولوجيا بأبسط الإمكانات وفي جميع البيئات والمستويات.

 

 


المراجع:

جابر عبد الحميد جابر، (2003): الذكاءات المتعددة والفهم تنمية وتعميق دار الفكر العربى، القاهرة.

جابر عبد الحميد جابر، (2005) حجرة الدراسة الفارقة والبنائية، عالم الكتب، القاهرة.

كوثر حسين كوجك، (2007) اتجاهات حديثة فى المناهج وطرق التدريس، عالم الكتب، القاهرة.

كوثر حسين كوجك، (2012): البورتفوليو فى التعليم و التعلم : رؤية شاملة، عالم الكتب، القاهرة

محمد عطية خميس، (2003) منتوجات تكنولوجيا التعليم ،القاهرة ، دار الكلمة.

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

تعليق واحد

  1. البيان للاستشارات الأكاديمية

    محتوى قيم
    شكرا لكم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *