التفكير الناقد

مهارات التفكير العليا : المفهوم، الأهمية والتصنيف

تُعد لُغتنا العربية من أعظم لُغات العالم على الإطلاق، واكتسابها يُنمي التفكير، ويعزز قدرات التلاميذ على التدبر وتخيل المواقف التي تواجههم في حياتهم اليومية، وإنَّ تطور الإنسان يبدأ بالمهارات اللُغوية من خلال الاستماع الجيد، وفهم الأفكار والمعاني، وأبرز المعلومات كالأحداث التي تشتمل عليها الرسائل اللُغوية، ومن ثم تنمية مهارات اللغة بشكل عام، حيث ينعكس ذلك على أداء التلاميذ في مهارات اللغة العربية على قدراتهم الإبداعية؛ كقدرتهم على تفسير الحقائق والظواهر، فمن خلال ذلك يمكن للتلاميذ التفكير فيما يسمعون ويقرؤون.

فالتفكير أحد النشاطات العقلية التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، حيث يكمن سر تفوقه في قدرته على التفكير والتخطيط، وفي ضوء ذلك أصبحت عملية تنمية قدرة المتعلم على أنْ يكتسب مهارات التفكير العُليا مطلبًا حيويًا في عمليتي التعليم والتعلم بمفهومهما المعاصر (عبد القادر، 2014م، ص32)، وهذا ما تُؤكده الباحثة من خلال الدور الإيجابي الذي يمكن أنْ تقوم به المناهج والكتب المدرسية في تنمية القدرات المرتبطة بمهارات التفكير المختلفة كأحد أساليب التعليم والتعلم، فالمناهج والكتب المدرسية تتحمل قسطًا كبيرًا من مسؤولية إعداد المتعلمين لحياة تُمكنهم من مواكبة التغيرات السريعة في كل جانب من جوانبها؛ مما يؤكد ضرورة إتاحة الفرصة لاكتساب مهارات تُسهم في تطوير المُتعلم سلوكيًا ومعرفيًا ووجدانيًا، وتزوده بسلاح يمكنه من استيعاب معطيات العصر المليئة بالانفجارات المعلوماتية الهائلة.

فمهارات التفكير لا تنمو بالنضج ولا بالتطور الطبيعي وحده، ولا تكتسب من خلال تراكم المعرفة والمعلومات فقط؛ بل لا بُدَّ أنْ يكون هُناك اتساع في أفق التفكير في التدبر، والاعتماد على معلومات واقعية، وتعلم مُنظم، وتمرين عملي متتابع يبدأ بمهارات التفكير الأساسية، ويتدرج إلى عمليات التفكير العليا، فعندما يكون لدى الفرد هدف واضح يريد تحقيقه، قد يظهر موقف أو مشكلة تتطلب الحل، وفي هذه اللحظة يقوم الفرد بالتذكر واسترجاع المعلومات والخبرات السابقة التي مرّ بها لكي يستطيع التغلب على هذه المشكلة، ووضع الحل المُناسب لها، وذلك بعد دراسة المشكلة دراسة متعمقة، وهنا يظهر نشاط واضح يولد عن طريق الحل الملائم، وهذا النشاط يسمى التفكير (عرار، 2019م، ص53-54).

مفهوم مهارات التفكير العليا

عرف العديد من الكُتاب والباحثين مهارات التفكير العليا بمصطلحات عديدة، مثل: التفكير الناقد، التفكير الإبداعي، التفكير المنطقي، التفكير الاستنباطي، عمليات التفكير الشكلي لبياجيه، ما وراء المعرفي، مهارات التحليل والتركيب والتقويم عند بلوم، التفكير التباعدي، حل المشكلات.

ويعرفها حسين (2016م، ص278) بأنها: العمليات التي يستخدمها الطلبة لحل المشكلات (تحليل، تركيب، تقويم) الناجمة عن التلوث البيئي، وتقاس بالدرجة التي يحصل عليها الطالب في المقاييس المعرفية العليا.

ويعرفها عابد (2014م، ص27) بأنها: مجموعة من المهارات التي تجمع بين مهارات التفكير الناقد الذي يتم من خلاله استخدام قواعد الاستدلال المنطقي في التعامل مع المتغيرات، وتقويم المناقشات والاستنباط، وبين مهارات التفكير الإبداعي الذي يتطلب طلاقة الفكر ومرونته لتوليد أفكار جديدة في البحث عن طرق غير مألوفة لحل مشكلة، وتتضمن المهارات الجانب الإنتاجي للتفكير، والذي يشمل الفهم والتفسير والحكم الجديد في المواقف المختلفة، واتخاذ القرار، وإجراء التحليل، والتخطيط، والتقييم، والوصول إلى الاستنتاجات.

وعرفها شهوان (2011م، ص51) بأنها: مصطلح يشير إلى قدرة الإنسان على التفكير بطرائق واعية؛ بهدف تحقيق أغراض معينة، مثل: التذكر والاستجواب، وتشكيل المفاهيم، والتخطيط والتخيل، وحل المُشكلات، واتخاذ القرارات والأحكام، وترجمة الأفكار إلى كلمات.

أهمية مهارات التفكير العليا

إنَّ تزويد الطلاب بمهارات التفكير أمر مهم، ولا بُدَّ منه لأسباب عدة، منها (العامري، 2019م، ص5):

  • أنها تفيد كلا من المعلم والمتعلم، فهي ترفع من مستوى إيجابية المتعلم وفاعليته؛ مما يسهل عملية التعليم.
  • أنَّ الطلاب بصورة عامة لا يطورون مهارات التفكير ذاتيًا، ويحتاجون لمن ينمي مهاراتهم.
  • تعليم مهارات التفكير للطلبة تعزز لديهم النمو الفكري، وتحقيق المكاسب العلمية.
  • تدريب المعلمين على تعليم مهارات التفكير يحقق مكاسب للطلبة.
  • لا يمكن تعليم مهارات التفكير بصورة منفصلة عن المنهاج، وكلاهما يؤدي إلى تحسين الطلبة بالتآزر بين العنصرين، وغالبًا تؤدي إلى نتائج مفيدة.
  • تؤدي البرامج التعليمية لمهارات التفكير إلى إحداث تحسينات في أداء الطلبة على صعيد اختبارات الذكاء، واختبارات التحصيل.
  • إقامة علاقة إيجابية بين المعلم والطلبة، وتهيئة مناخ الصفوف لتعليم مهارات التفكير، بحيث يتقبل الطلبة المنهج والتجربة والأفكار الجديدة.

تصنيف مهارات التفكير العليا

لقد قسّم غالبية التربويين مهارات التفكير العليا إلى مجموعتين، ويمكن تصنيف مهارات التفكير إلى مستويات حسب درجة تعقيد كل نمط من أنماط التفكير المختلفة في فئتين رئيسيتين على النحو الآتي (الخضري، 2009م، ص39):

المجموعة الأولى: مهارات التفكير الأساسية: وهي تعد مستويات دنيا من التفكير، ولكنها ضرورية للمستويات العليا منها.

المجموعة الثانية: تمثل مهارات التفكير العليا: وهي المجموعة المعقدة من حيث الخطوات المتسلسلة لكل مهارة وطرائق تنميتها، كما تتطلب الاستخدام الواسع والمعقد للعمليات المعقدة العقلية.

وذهب بعض التربويين إلى تصنيف مهارات التفكير حسب درجة تعقيده، وعمق معالجته المعرفية، حيث تمّ تصنيفه إلى نمطين (العتوم؛ والجراح، 2006م، ص26):

  • نمط التفكير السطحي: ويتميز هذا النمط ببساطة موضوعاته التي تشغل تفكير الإنسان، بحيث لا تتطلب جهدًا كبيرًا كما هو الحال في أشكال التفكير الأساسية كالحفظ والتذكر أو الاسترجاع، وحل المشكلات البسيطة، وممارسة التقليد بصورة بسيطة لا تتطلب المعالجة العميقة.
  • نمط التفكير العميق: حيث يمارس الفرد هنا عمليات معرفية معقدة؛ كالاستنتاج، الاستدلال، الإبداع، النقد، التحليل، التساؤل، مع التعمق في دلالات مادة التفكير بهدف الحصول على منتج يتمتع بدرجة عالية من التعمق.

اتجاهات تعليم مهارات التفكير العليا

  • الاتجاه الأول: يشير أنصار هذا الاتجاه إلى تعليم التفكير كموضوع مستقل بذاته، ويورد هذا الاتجاه جملة من الفوائد المترتبة على ذلك، إذ إنَّ الدروس المستقلة تكون أكثر قوة في إكساب مهارات التفكير بسبب احتمالية تدريسها من قبل المعلم بصورة نظامية، حيث تبنى كل مهارة في التفكير على سابقتها، ومن المؤكد أنَّ هذه البرامج تكون قد استخدمت في الكثير من المواقف التعليمية، وبالتالي قد حققت الفائدة المرجوة منها من خلال عمليات الصقل والتطوير التي جرت عليها أثناء التطبيق الفعلي لها.
  • الاتجاه الثاني: يشير أنصار هذا الاتجاه إلى أنَّ التفكير يتطور بصورة أفضل من خلال استخدامه ضمن المنهاج الدراسي المقرر على التلاميذ، إذ إنَّ البرامج المستقلة في تعليم التفكير يكمن ضعفها في أنَّ ما يتعلمه التلاميذ في دروس التفكير من المحتمل ألّا يتم نقله إلى مواد دراسية أخرى، بمعنى أنَّ انتقال أثر التعلم يكون ضعيفًا، كما أنَّ تعلم مهارات التفكير بطريقة مستقلة يجعل العلاقة غير واضحة من المتغيرات الأخرى، بمعنى أنَّ التلميذ لا يجد الربط المفيد بين مهارات التفكير، ومجال تطبيقها في مختلف نشاطاته اليومية، أما برامج الدمج القائمة على دمج مهارات التفكير من خلال محتوى المواد الدراسية فتبدو فيها العلاقة قوية وواضحة، وبالتالي يتمكن الطالب من تطبيق مهارات التفكير بطريقة سهلة وواضحة كلما احتاج إليها.
  • الاتجاه الثالث: يرى أنصار هذا الاتجاه رأيًا وسطيًا في تعليم مهارات التفكير، بحيث يتم تعليم مهارات التفكير بشكل مستقل لأخذ منحنى تكاملي مع محتوى المواد الدراسية المقررة، إذ أشار إلى أنَّ مهارات التفكير تحتاج إلى تعلم مباشر قبل أنْ يطبق في محتوى المواد الدراسية، حيث إنَّ تعلم مهارات التفكير تمكن الطلبة من استبصار العلاقات بين الخطوات المختلفة في عمليات التفكير، وبالمقابل يقوم المعلمون بتعليم مهارات التفكير من خلال المواد الدراسية.

أهمية تعليم مهارات التفكير العليا

هناك أهمية كبيرة لمهارات التفكير العليا في العملية التعليمية نوضحها فيما يلي
(إبراهيم، 2008م، ص48):

  • مساعدة التلاميذ في النظر إلى القضايا المختلفة من وجهات نظر الآخرين، وتقييم آرائهم في مواقف كثيرة، والحكم عليها بنوع واضح من الدقة.
  • تعزيز عملية التعلم والاستماع، ورفع مستوى الثقة بالنفس لدى الطلبة وتقدير الذات بينهم.
  • تحرير عقول التلاميذ وتفكيرهم من القيود على الإجابة عن الأسئلة الصعبة والحلول المقترحة للمشكلات العديدة التي يناقشونها، ويعملون على حلها.
  • الإلمام بكيفية التعلم وبالطرائق والوسائل التي تدعمه، والاستعداد للحياة العملية بعد الدراسة.
  • مساعدتهم في الإلمام بمختلف أنماط التعلم، ومراعاة ذلك في العملية التعليمية، وزيادة الدافعية والنشاط والحيوية.

ترى الباحثة: ضرورة تنمية برامج التعليم المختلفة لمهارات التفكير العليا؛ لأنها تجعل العملية التدريسية تتسم بالإثارة والمشاركة، والتعاون بينهم وبين الطلبة، والتخفيف من التركيز على عملية الإلقاء للمادة الدراسية.

 

 


المصادر والمراجع

إبراهيم، بسام. (2008). التعلم المبني على المُشكلات الحياتية وتنمية التفكير، عمان: دار الميسرة للنشر والتوزيع.

حسين، سيف. (2016). تحليل مُحتوى تدريبات كتب القراءة العربية للمرحلة الابتدائية في ضوء مهارات التفكير العليا الأساسية، (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة بابل، العراق.

 الخضري، ندى. (2009). أثر برنامج يوظف استراتيجيات Seven) Es) البنائية في تنمية مهارات التفكير العليا لمادة التكنولوجيا لدى طالبات الصف السابع الأساسي بغزة، (رسالة ماجستير غير منشورة)، الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين.

شهوان، منورة. (2011). برنامج مقترح في الرياضيات لتنمية مهارات التفكير العليا لدى الطالبات المتفوقات في الصف التاسع الأساسي، (رسالة ماجستير غير منشورة)، الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين.

عابد، شيماء. (2014). دراسة وصفية لدور أدوات التقويم في تنمية مهارات التفكير العُليا لدى طلبة الصف الثامن الأساسي في العلوم، (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة بيرزيت، فلسطين.

العامري، محمد. (2019). مهارات التفكير العليا (تنمية الإبداع)، المملكة العربية السعودية.

عبد القادر، خالد. (2014). “مهارات التفكير العليا المُتضمنة في كتب الرياضيات للمرحلة الأساسية العليا بفلسطين من وجهة نظر المعلمين”، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، 22(1)، ص31-54.

العتوم، عدنان؛ والجراح، عبد الناصر. (2006). تنمية مهارات التفكير: نماذج نظرية وتطبيقات عملية، عمان، الأردن: دار المسيرة للنشر والتوزيع.

عرار، رقية. (2019). “أثر استراتيجية العصف الذهني في تنمية التفكير الناقد في مبحث الدراسات الاجتماعية لدى طالبات الصف الثامن الأساسي”، مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية)، 23(52)، ص11-74.

البحث في Google:





عن رجاء صلاح صندوقة

باحثة بدرجة الدكتوراة، قسم المناهج وطرق التدريس، كلية التربية، الجامعة الإسلامية – غزة، فلسطين

تعليق واحد

  1. صالح بوحلالة

    ما شاء الله وبارك الله فيكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *