نظرية الذكاءات المتعددة الجوهرة الثمينة للمنهاج المدرسي

لا شك أن النجاح في الحياة البشرية بحاجة ماسة إلى ذكاءات مُتنوعة؛ حيثُ إن نظرية الذكاءات المتعددة تهدف إلى كيفية استخدام الأفراد لذكاءاتهم المُختلفة بطُرُق غير تقليدية. وهذه المُحاولة العلمية لفتت الانتباه إلى كيفية إعمال عقل الإنسان مع البيئة المُحيطة بكُل ما تحتويه من أشياء وأفراد وإلى تحديد الذكاء المُناسب للتوظيف المعرفي حيثُ تعتمد نظرية الذكاءات المُتعددة على قُدرتها الفائقة للتطبيق على أرض الواقع، وذلك من خلال استعمالها لمجموعة مرنة من طرائق التدريس المُختلفة، وإعادة بناء وتطوير المناهج الدراسية بما يتفق مع تلك القُدُرات، فضلاً عن ذلك اعتمادها على قاعدة أساسية سامية في العملية التعليمية وهي التدريس من أجل الفهم والاستيعاب؛ وبتطبيق هذه القاعدة تتجمع عند الطلبة العديد من المهارات، والخبرات الإيجابية التي تُساعدهم على النجاح حتى بعد تخرجهم.

جُذور نظرية الذكاءات المُتعددة:

تعُود نظرية الذكاء المُتعدد إلى عام (1997م) عندما طلبت مُؤسسة فان لير (Van Leer) من جامعة هارفارد (Harvard) الأمريكية القيام باستقصاء علمي يهدف إلى تقديم المعرف العلمية، والقُدُرات الذهنية لدى الأفراد وإظهار مدى تفعيلها في مواقف الحياة المُختلفة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف شُكّل فريق بحثي من مجموعة من الأساتذة والباحثين في الجامعة من تخصُصات مُختلفة قامُوا بأبحاث استغرقت سنوات عديدة؛ حيثُ تم البحث في المجالات المعرفية والذهنية، واستقصاء مدى تفعيل هذه الإمكانات في الواقع التطبيقي، وقد تعمدَّ هؤلاء الباحثون البحث في التاريخ الإنساني، والعُلُوم الفلسفية، والعُلُوم الطبيعية، والإنسانية. كما نظَّم هؤلاء الباحثون سلسلة من اللقاءات العلمية الدورية تناولُوا فيها دراسة وبحث قضايا النمُو الإنساني في الثقافات البشرية المُتنوعة (نوفل، 2007م، ص56).

أهمية استخدام نظرية الذكاءات المُتعدة في المنهاج المدرسي:

وتتمثل فيما يأتي (إبراهيم، 2011م، ص58):

  1. إمكانية التعرف على القُدُرات العقلية بشكل أوسع من خلال الرسم والمُوسيقى والتقاط الصُور الطبيعية أو الفوتوغرافية؛ فكُل ذلك يمثل أنشطةً حيويةً تسمح بظهُور نماذج، وأنماط تربوية وتعليمية جديدة.
  2. تقديم أنماط جديدة للتعلم تقُوم على إشباع احتياجات الطلبة ورعاية الموهوبين والمُبتكرين؛ بحيث يكُون الفصل الدراسي عالمًا حقيقيًا للطلبة خلال اليوم الدراسي، وحتى يُصبح الطلبة أكثر كفاءةً ونشاطاً وفاعليةً في العملية التعليمية.
  3. تزايد أدوار ومُشاركة الآباء والمُجتمع في العملية التعليمية؛ حيث يحدث ذلك من خلال الأنشطة التي يتعامل بها الطلبة مع الجماهير، ومع أفراد المُجتمع المحلي خلال العملية التعليمية.
  4. قٌدرة الطلبة على تنمية مهاراتهم وقدراتهم المعرفية، ودافعهُم الشخصي نحو التخصص المُحبب لديهم، واحترامهم لذويهم.
  5. التوصل إلى شكل (بروفيلات) الذكاءات المُتعددة لدى الطلبة في مدارسنا، والتعرف على أهم ملامح هذه (البروفيلات)؛ مما يُسهل عملية تقييم الذكاءات المُتعددة لدى هؤلاء الطلبة مما يُمكن معهُ وضع البرامج المُناسبة لصقل قُدُراتهم وزيادة مهاراتهم المُتنوعة.

لتوظيف الذكاءات المُتعددة في المنهاج المدرسي يتوجب ما يأتي (عبيد؛ وعفانة، 2003م، ص69):

  • تطوير المنظومة المعرفية للمنهاج بما يتلاءم مع جميع الطلبة من خلال مُخاطبة الذكاءات المُتعددة التي يمتلكهُا الطلبة، أو يظهرون قوة فيها، والكف عن التعامُل معهم فقط على أساس الذكاء الذي لا يمتلكُونه، أو الذي يظهرون ضعفاً واضحاً فيه بل ينبغي الاهتمام بالأنواع التي يمتلكونها، ومُحاولة تنمية تلك التي لا يمتلكُونها، أو يظهرون ضعفاً مُحدداً فيها.
  • مُراجعة نظام التقويم الذي يقيس ما لا يعرفهُ الطلبة أكثر مما يعرفهُ، إذ تسعى الاختبارات إلى قياس جوانب معرفية دُنيا، وإهمال جوانب معرفة تتصف بقُدُرات عُليا، وبالتالي يكُون التقويم قاصراً على أساليب مُحددة للقياس، ولم يرقَ إلى المفهُوم الحقيقي لمعنى التقويم؛ لذا ينبغي أن يكُون التقويم مُنْصَباً على الأنواع المُختلفة من الذكاء دون استثناء.
  • التوسع في مضمون المنهاج ليشمل تعددية في المواد والأنشطة التعليمية بما يقابل ويتناغم مع التعددية في القُدرات العقلية بحيثُ يتسع لمُكونات المنظومة المعرفية من عمليات معرفية لطيف من المجالات، والأنشطة المُجتمعية، والمُتوقعة. ولا يعني ذلك أن كُلَّ متعلمٍ يدرس جميع المُقررات المطروحة، بل على واضعي المناهج ومُنفذيها أن يعيدوا هيكلية المنهاج، وإدارتها بحيثُ تسمح بمُرونة الاختيار والتشعُبات والتنوع، وذلك بالتكافؤ في المُستوى، وليس بالتطبيق في المضمون، وفتح القنوات بين التشعبية والتنويعات بما يُتيح التواؤم الطردي مع مواقع القُوة في قُدُرات المُتعلم اللُّغوية والرياضية والبصرية والمكانية والإيقاعية المُوسيقية والحركية والجسدية، وقُدرات الاتصال بالذات والتعامُل مع الآخرين، والتفاعل المُنتج مع مصادر ومُكونات الطبيعة.
  • تعديل النظام المدرسي بحيثُ يكُون هُناك مراكز مُتعددة تُنمِّي أنواع الذكاءات المُتعددة وتصقلها، بحيثُ تتضمن المدرسة الواحدة ثمانية مراكز أساسية تعدُّ مصادر لإكساب المُتعلمين القُدُرات المُتنوعة من الذكاءات. وأن يكُون المُتعلم في هذا النظام مُتحركاً، والمُعلم ثابتاً، فيذهب المُتعلم من مركز إلى آخر داخل المدرسة طبقاً لنوعية الذكاء المطلُوب إكسابه وتنميته أو صقلُه، وأن يبقى المُعلم ثابتاً في مركزُه يعدُّ المصادر المُختلفة، والأنشطة المطلوبة لكُل صف من صُفُوف المدرسة.
  • تعديل أدوار المُعلم في العملية التعليمية؛ حيثُ يقُوم المُعلم بالتحضير للأنشطة والمواد التعليمية اللازمة لتنمية الذكاء المطلُوب مع مُراعاة تدريب المُتعلمين على استخدام المواد التعليمية وتوجيههم اتجاه الأهداف المنشودة؛ لذا فإن دور المُعلم في هذه الحالة مُوَّجه ومُرشد، وليس شارحاً أو مُفسراً للجوانب المعرفية التقليدية. وبالتالي فإن طُرق التدريس المُستخدمة في هذا المجال مُتنوعة، ولتنمية الأنواع المُختلفة من الذكاء يُمكن للمُعلم استخدام العديد من طُرق التدريس من أهمها ما يأتي: المُناقشة والاكتشاف، والتعلم التعاوني، وحل المُشكلات والتعلم الذاتي ولعب الأدوار ومُخططات المفاهيم والتدريس بُمُساعدة الحاسُوب وغيرها.

المراكز التي تعتمد عليها المعرفة المدرسة في نظرية الذكاءات المُتعددة (عبيد؛ وعفانة، 2003م، ص45):

  • مركز الرياضيات: يتضمن هذا المركز الوسائل التعليمية، والمصادر اللازمة لتنمية الذكاء الرياضي، مثل: ألعاب الرياضيات والألغاز، ومصادر تعلم حل المُشكلات.
  • مركز اللُغة: يتضمن هذا المركز مصادر وأنشطة تعليمية تعلمية تتعلق بتنمية النُطُق والاستماع والكتابة والقراءة وتحليل المُفردات، سواء أكان ذلك للغة الأُم أو اللغة الأجنبية.
  • مركز الأشغال: يتضمن هذا المركز مصادر تُساعد المُتعلم على تركيب وبناء نماذج مُعينة، وعمل أشكال ومُخططات بهدف تنفيذ مهام وأدوار مسرحية مُعينة، أو القيام بتدريبات رياضية، أو جسمية مُحددة.
  • مركز المُوسيقى: يتضمن هذا المركز نماذج لأناشيد مُرتبطة بالمنهاج، وتدريب المُتعلمين بالتدريب عليها وتأليفها.
  • مركز المشاريع: يتضمن هذا المركز التركيز على الذكاء الشخصي للمُتعلم بحيثُ يُتقن عمل مشرُوعات ذاتية ويكتشف خططا، ويبحث ويُفكر بصًورة فردية في موضوعات المنهاج المُقررة.
  • مركز العُلُوم: يتضمن هذا المركز مصادر وأنشطة بحيثُ يستطيع المُتعلم من خلالها ابتكار معايير لتصنيف الموارد البيئية والتمييز بين عناصرها سواء كانت حيوانات أو نباتات أو صُخُور أو مواد بترولية، ومعرفة التفاصيل الدقيقة لمُكوناتها وتراكيبها.
  • مركز التواصُل: يتضمن هذا المركز تعليم كيفية التعامُل مع الآخرين من خلال التدريب على أساليب المُناقشة والحوار واكتساب مهارات التعلم الذاتي والمُشاركة الفعّالة.

 


المراجع:

إبراهيم، نبيل. (2011). الذكاء المتعدد، ط1، عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع.

عبيد، وليم؛ وعفانة، عزو. (2003). التفكير والمنهاج المدرسي، الكويت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع.

نوفل، محمد. (2007). الذكاء المتعدد في غرفة الصف النظرية والتطبيقي، ط1، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.

البحث في Google:





عن رجاء صلاح صندوقة

باحثة بدرجة الدكتوراة، قسم المناهج وطرق التدريس، كلية التربية، الجامعة الإسلامية – غزة، فلسطين

2 تعليقات

  1. محتوى رائع وقيم
    جزيل الشكر لكم.

  2. البيان للاستشارات الاكاديمية

    موفقين دوماً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *