التربية على المواطنة

متطلبات إدماج التربية على المواطنة في التعليم المدرسي

ازداد الاهتمام بمجال التربية على المواطنة بحكم المغايرة والخصوصية القومية أو الدينية أو بحكم اختلاف الثقافات وصراع البقاء، وقد بدا واضحاً هذا المفهوم حين أصبحت كلمة مواطن ترمز إلى الاشتراك الفعال على قدم المساواة مع جميع المواطنين المنتمين للمجتمع الديمقراطي. وفي القرن الحادي والعشرين شهد مفهوم المواطنة تطوراً نحى به منحاً عالمياً وتحددت مواصفات المواطنة الدولية على النحو التالي:

  1. الاعتراف بوجود ثقافات مختلفة.
  2. احترام حق الغير وحريته.
  3. الاعتراف بوجود أديان مختلفة.
  4. فهم وتفعيل أيديولوجيات سياسية مختلفة.
  5. فهم اقتصاديات العالم.
  6. الاهتمام بالشؤون الدولية.
  7. المشاركة في تشجيع السلام الدولي.
  8. المشاركة في إدارة الصراعات بطريقة سلمية.

وبذلك يمكن القول أن مواصفات مواطن القرن الحادي والعشرين يمكن فهمها بشكل أفضل في صورة كفاءات، تنميها مؤسسات المجتمع لتزيد من فاعلية الارتباط بين الأفراد على المستوى الشخصي والاجتماعي والمحلي والقومي والدولي، ومواجهة المشكلات والتحديات كأعضاء في مجتمع عالمي واحد. ويستند هذا المنحى في إرساء مبدأ المواطنة العالمية على ركيزتين.

الأولى: عالمية التحديات في طبيعتها كعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والامتلاك غير المتساوي لتقنيات المعلومات وانخفاض الخصوصية، والتلوث البيئي، وتهديد السلام.

الثانية: الإيمان بأن هناك أمماً ومجتمعات ذات أديان وثقافات وأعراف وتقاليد ونظم مختلفة.

وعلى اعتبار أن المواطنة تكمن في قلب الحياة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، ولكي يتمكن الأفراد في المجتمع وضمن حياتهم اليومية من ممارسة السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل ديمقراطي في مجتمعاتهم، فإن عليهم بالأساس أن يكونوا على وعي كاف بمعنى المواطنة وأبعادها ومرتكزاتها، ومن ثم تكون لديهم القدرة على ممارسة مبادئ الديمقراطية في حياتهم اليومية بحيث تكون الديمقراطية جزءاً من الثقافة المجتمعية السائدة بين الحين والآخر.

متطلبات التربية على المواطنة

تشير معظم الدراسات إلى أن نقطة الانطلاق الرئيسية لمناقشة موضوع التعليم من أجل المواطنة أو التريية على المواطنة بشكل جاد على المستوى الوطني يجب أن تتمثل بالأساس في تقديم تفسير متكامل لطبيعة مفهوم التنوير المدني (أو السياسي).

وعليه، شهد العقدين الماضيين اهتماما كبيرا من جانب بلدان العالم والهيئات والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني بتطبيق العديد من مبادرات تفعيل برامج التعليم من أجل المواطنة تمثلت في أربعة مجالات رئيسية هي:

1- بلورة معالم مجموعة من الأهداف المتسقة والواضحة المعالم والمقبولة على نطاق واسع لوضع أطر العمل وصياغة المعايير المطلوبة لتفعيل التعليم من أجل المواطنة.

2- توفير و/أو تصميم مواد للمناهج والمقررات الدراسية يمكن أن تدعم عمليات التدريس والتعلم المستخدمة في برامج التعليم من أجل المواطنة.

3- تطبيق برامج فعالة ومتطورة للتنمية المهنية للمعلمين، في مستويي ما قبل وأثناء الخدمة.

4- تمويل مشروعات البحث والتطوير الهادفة إلى تدعيم وضع السياسات والبرامج العملية المناسبة للتطبيق العملي فضلا عن تلك المرتبطة بعمليات التدريس والتعلم المستخدمة في برامج التعليم من أجل المواطنة.

ولهذا قبل الأخذ بصيغة التربية على المواطنة، يجب التأكيد على:

  • أن التربية على المواطنة يجب ألا تترك للمصادفة، بل يجب أن تكون هدفاً رئيساً للتعليم وضرورياً لصالح الديمقراطية والتعايش السلمي.
  • إن التربية على المواطنة يجب تدريسها بشكل صريح ومنتظم بداية من رياض الأطفال وحتى نهاية التعليم قبل الجامعي (وحتى الجامعي) سواء كوحدات ومقررات منفصلة أو كجزء من مقررات أو مناهج أخرى.
  • إن التدريس الفعال للتربية على المواطنة يستلزم الاهتمام بالمحتوى وكذلك المهارات والقيم والمبادئ الأساسية الضرورية للمشاركة الكاملة في النظام الديمقراطي والالتزام العقلاني نحو هذا المجتمع.

متطلبات تمثيل قيم المواطنة كتربية في المدرسة

إن مسؤولية الفرد في المجتمع تعني التزام مبادئ المواطنة وفضائلها الأساسية كعوامل أساسية داعمة لحماية وتطوير الديمقراطية الدستورية، ومن أهم المبادئ التي ينبغي أن تحرص مؤسسات التربية على تنميتها: ( الانضباط والكياسة، والمرونة، والتسامح، والتقدير الكامل لشرف العطاء في خدمة المجتمع).

فمجتمع المدرسة بمثابة البيئة الملائمة والحاضن النشط لتنمية قيم الانتماء، من خلال ما يوفره للطلاب من ثقافة واعية وصحيحة حول مفاهيم الديمقراطية، والعدالة والمساواة والاطلاع على تجارب الأمم التي قطعت شوطا في التقدم الاجتماعي والاقتصادي. وثمة مجموعة من العوامل والمتغيرات التي تعمل على دفع الطلاب إلى الاهتمام بالعمل الوطني والأنشطة السياسية في المجتمع الفلسطيني، أهمها الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، فوجود كثير من الطلاب في مكان واحد فترة طويلة من الوقت، مع تشابه الاهتمامات يعد حافزا قويا للنشاط التنظيمي الواحد ذو الاهتمام الواحد.

وهناك مدخلين لتعليم المواطنة هما:

  • المدخل الأول: الذي يقوم على أساس علاقة الفرد بالمجتمع، ويؤكد هذا المدخل على حرية الفرد وتعد المواطنة أحد مصطلحات “حقوق الإنسان”، إذ يكون على الفرد واجب الدفاع عن حقوقه وحرياته متى علم بها.
  • المدخل الثاني: وهو الذي يقوم على أساس الدمج بين الطموحات الذاتية للفرد ومتطلبات المواطنة العامة، حيث يرى هذا المدخل أن فعالية النشاط الفردي في المجتمع يتوقف على مدى معايشة الفرد لقضايا المجتمع ومشكلاته، بما يعني تدريب الأفراد على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمشكلات الفرد.

إن التربية الفعالة على المواطنة تستلزم أساسا صلبا يستند إلى معرفة وفهم الأساس الفلسفي والتاريخي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي لطبيعة العلاقة بين الفرد ومن حوله، كما يجب أن تقدم للطلاب الفرص لتطبيق ما يتعلمونه وتنمية المهارات الضرورية للمواطنة وكذلك إن كان لهذه التربية أن تدعم المشاركة السياسية والاجتماعية فعليها أن تتعهد الميول والاتجاهات الداعمة لمشاركة الأفراد.

وعليه فإن التربية الإجرائية على المواطنة تتألف من ثلاثة أفرع، هي:

  • المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية.
  • الاندماج المجتمعي.
  • الثقافة السياسية.

ويتم تدريس هذه الأفرع من خلال: المفاهيم والقيم والميول، والمهارات والاستعدادات وأشكال المعرفة والفهم.

المفاهيم والمبادئ
–      الديمقراطية والأوتوقراطية

–      الدستور وسيادة القانون

–      القانون وحقوق الإنسان

–      التعاون والصراع

–      العلاقة بين الفرد والمجتمع

–      المواطنة والمسؤوليات المدنية

–      العلاقة بين الحقوق والمسؤوليات

–      المساواة والتنوع

–      القوة والسلطة

–      الخير العام

     القيم والميول
–      الإيمان بالكرامة الإنسانية

–      الاهتمام بالفرص المتساوية

–      الاهتمام بحقوق الإنسان

–      الاهتمام بحل النزاعات

–      الاهتمام بالخير المشترك

–      الاهتمام بالبيئة

المهارات والاستعدادات
–      التعبير عن الآراء الشخصية المتعلقة بقضية معينة

–      استخدام الخيال لتقدير وجهات نظر الآخرين والتعبير عن الآراء المتعارضة

–      فهم العالم كمجتمع عالمي يتضمن قضايا مشتركة مثل: (التنمية المستدامة- الاعتماد الاقتصادي المتبادل- السلام والتفاهم الدولي…)

أشكال المعرفة والفهم
–      المعرفة الاجتماعية بما في ذلك المعرفة بالمجتمع وظروفه ومشكلاته.

–      المعرفة الأخلاقية.

–      المعرفة السياسية بما في ذلك القضايا المرتبطة بالحكومة والقانون والدستور.

–      المعرفة الاقتصادية بما في ذلك القضايا المرتبطة بالخدمات العامة ونظام الضرائب والوظائف وغيرها….

–      المعرفة البيئية وعلاقة البيئة بالتنمية المستدامة.

لقد نجحت الكثير من الجهود في التركيز على مفهوم وبرامج التربية من أجل المواطنة قدر الإمكان، على أساس أن هناك حاجة ماسة إلى أن يتبنى المواطنون الصالحون قيم ومبادئ مجتمعهم. كما تتضمن بعض خصائص وسمات المواطنة الجيدة: المشاركة في العملية السياسية، والرغبة في الالتزام بمساعدة الآخرين من خلال القيام بأعمال مناسبة، مثل: المشاركة في العمل التطوعي وخدمة المجتمعات المحلية.

ومن هنا، نجد أن التفعيل والارتقاء ببرامج التعليم من أجل المواطنة يجب أن يتجاوز بشكل كبير مجرد الاقتصار على البيئة المدرسية للطلاب من أجل التركيز على المجتمع المعاصر ككل (تحقيقا لمقولة مدارس بلا أسوار) أي منفتحة على مجتمعاتها المحلية، وذلك لتقوية العلاقة بين الطلبة ومجتمعاتهم المحلية. فالمهارات التي تقدم للطلاب داخل الفصول الدراسية تعد بالضرورة قابلة للتطبيق العملي على نطاق واسع، حيث إنها تهدف بالأساس إلى تزويد الطلاب بالقدرة على تحمل المسؤولية والمشاركة في مدارسهم نفسها بما يمكن من زيادة مشاركتهم في الجمعيات والمؤسسات المدنية والمجتمعية المختلفة فضلا عن الحياة السياسية في المجتمع.

وبذلك، نجد أن الأفراد المؤهلين لدخول حلبة المنافسة في سوق العمل يعدون بالضرورة مستفيدين من تلك المزايا السابقة، ولكن قيم وممارسات المواطنة الجيدة التي يتعامل معها كل من المعلمين والطلاب أنفسهم- في إطار جهودهم الهادفة إلى صقل مهاراتها وقيمها لدى الطلاب- هي التي تنجح فعليا في إعدادهم للاضطلاع بالأدوار الهامة المرسومة لهم في المجتمع الذي ينخرطون فيه بعد تخرجهم من المؤسسات التعليمية المختلفة.

 


مراجع

المعمري، سيف بن ناصر (2006).  تربية المواطنة: توجهات وتجارب عالمية في إعداد المواطن الصالح، ط1، مسقط، الجيل الواعد.

جاب الله، عبدالحميد صبري(2005). ” تطوير التربية للمواطنة في العالم العربي في ضوء الاتجاهات العالمية “، مجلة التربية، قطر، السنة 34، العدد152.

غيث، محمد عاطف ( 1995).  قاموس علم الاجتماع ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية .

عبدالرحمن سليم الشمري (2001). المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية..

علي ، عزة فتحي (2003).  نموذج مستقبلي لمنهج التربية المدنية في المدرسة الثانوية: المحتوى، الأنشطة، وسائل  التقويم، طرق التدريس، مكتبة كلية التربية، الكويت.

لطيفة حسين الكندري (2007). نحو بناء هوية وطنية للناشئة، الكويت: المركز الإقليمي للطفولة والأمومة.

هلال، فتحي ، وآخرون( 2000). تنمية المواطنة لدى طلبة المرحلة الثانوية بدولة الكويت، الكويت: وزارة التربية، مركز البحوث التربوية والمناهج.

البحث في Google:





عن د. محمود عبد المجيد رشيد عساف

أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي المساعد، عضو اتحاد الأكاديميين الفلسطينيين، ونقابة المدربين الفلسطينيين، عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وعضو الاتحاد الدولي للغة العربية، وعضو هيئة تحكيم المجلة العربية لضمان جودة التعليم الجامعي باليمن، وممثل مجلة الدراسات المستدامة الصادرة عن الجمعية العلمية للدراسات المستدامة في العراق 2020 م. مدرب معتمد لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال القانون الدولي الإنساني، وممثل فلسطين في الدورة الإقليمية لتكوين المكونين في مجال القانون الدولي الإنساني في العامين 2017، 2019 في تونس والمغرب. حاصل على منحة وزارة التربية والتعليم العالي للبحث العلمي للعام 2014، وجائزة الأمانة العامة لمجلس الوزراء للإبداع والتميز2020، ومنحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر البحثية 2020، وجائزة الأستاذ الدولية للإبداع الفكري الدورة الأولى 2021-2022، والمركز الأول في جائزة الياسين الدولية للبحوث العلمية عام 2022. له (15) كتاب في مجالات التربية والتعليم العالي، (3) كتب أدبية (روايات) ونشر (85) بحثا في مجلات علمية محكمة

تعليق واحد

  1. د. محمود أبو فنّه

    موضوع مهمّ وضروريّ في حياة الأفراد والدول.
    كلّما نجح التعليم في إكساب الخريج المعارف
    والقيم والمهارات للمواطن، تصبح الحياة أفضل!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *