المنهج الخفي

المناهج الخفية ودورها في العملية التربوية

يعتمد المنهج المدرسي في بنائه على أربع أسس: هي الأساس المعرفي، الأساس الديني، الأساس النفسي، والأساس الاجتماعي. ويتكون عادة من أربع مكونات هي: الأهداف، المحتوى، الأنشطة، والتقويم. فإذا كانت الأهداف واضحة ومحددة بجميع مستوياتها فإن ذلك يظهر في المحتوى المقدم للطالب، والأنشطة والخبرات التي يكتسبها، وبالتالي يتم قياس مدى تحقق هذه الأهداف في مرحلة التقويم.

ولكن المتأمل للواقع التربوي يجد أن الطالب يكتسب معارف ومهارات وقيم واتجاهات تؤثر على سلوكه وتساهم في بناء شخصياته وذلك بدون قصد أو تخطيط. وقد أطلق التربويون على هذا النوع من المناهج اسم المناهج الخفية .

وقد تعددت مسميات المنهاج الخفية فقد سميت بالمناهج الصامتة، أو الضمنية، أو المستترة، أو المناهج الموازية، أو غير الرسمية وكلها تشير إلى نفس المفهوم. [1]

ونظراً لاختلاف المجتمعات والنظريات التي يتبناها أنصار هذا المنهج؛ فإنه لا يوجد تعريف دقيق للمناهج الخفية، فقد عرفها ivan illich بأنه المناهج المتكونة من السلوك والقيم والمعاني التي تدرس للطلبة بواسطة المُدَرس أو المدرسة من غير تخطيط، كما عرف المنهج بصورة أخرى حيث قال إن المنهج هو مخرجات المدرسة غير الأكاديمية [2]. ومن أنصار هذا التعريف Jackson وهو أول من نادى بهذا النوع من المناهج [3].

أما الموسى فقد عرف المناهج الخفية بأنه: “تلك المعارف والقيم والأفكار والأنظمة التي يتعلمها الطالب داخل المدرسة بدون تخطيط من المنظّرين أو المديرين أو المدرسين، نتيجة الاحتكاك بالأقران، أو نظام المدرسة، أو طرق التدريس المستخدمة، أو الفهم الذاتي للمعرفة [4].

كما عرف اللقاني المنهج الخفي بأنه: “المنهج غير المخطط له والذي يؤثر في سلوكيات الطالب بجوار المنهج المعلن، من خلال البيئة المدرسية التي يعيشها الطلاب أو المؤثرات الخارجية الأخرى سواء أكان بوعي منه أو بغير وعي، ويساهم بطريقة فعالة في تنمية بعض الاتجاهات والقيم، التي قد تتعارض أو تتفق مع المنهج المعلن” [5].

ومن خلال هذه التعريفات يتضح أن للمنهج الخفي خواص تختلف عن المنهج الرسمي، فالمنهج الخفي يتميز بأنه منهج غير مخطط ولا مكتوب وبذلك فهو غير قابل للقياس، متغير بحسب الظروف وتَغَيُرْ التنظيمات والأفكار والاتجاهات السائدة في المجتمع، فالمناهج في المناطق العربية تختلف عن المناهج الأوروبية أو الأمريكية، وحتى المناهج العربية فهي تختلف من منطقة لأخرى بحسب تاريخها وتقاليدها وعاداتها، كما يتميز المنهج الخفي بأنه متعدد المصادر فقد يتم من خلال المعلم أو المدير أو الأقران في المدرسة أو من خارج المدرسة كالوالدين والأسرة أو من خلال وسائل التواصل المختلفة.

وقد أثرت تطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة لا سيما في ظل الثورة الرقمية وانتشار الهاتف المحمول في أيدي الطلاب والمراهقين، فقد أكدت الدراسات وجود آثار سلبية لهذه التطبيقات على سلوك الطلاب [6] [7]؛ لذلك لا بد أن يكون للمدرسة دور في توجيه سلوك الطلاب وذلك عن طريق ما يعرف بالمناهج الخفية . 

وللمناهج الخفية دور مهم في العملية التربوية فهي تساعد على اكتساب بعض المعارف غير المخطط لها أثناء الحصة من خلال النقاشات في الحصة الدراسية أو الإذاعة المدرسية، كما أنها تنمي القيم والاتجاهات، وتساعد في عمليات التطبيع الاجتماعي؛ إذ أنها توائم بين ما يتعلمه الطلاب وبين الثوابت والمتغيرات في المجتمع، وقد يُحدث المنهج الخفي تحولا في سلوك الطالب فقد يغير من العادات والطباع والأفكار سواء بالسلب أو الإيجاب.

ومما لا شك فيه أن المنهج الخفي أكثر تأثيرا على الطلاب من المنهج الرسمي النظامي، فالمنهج النظامي ينتهي دوره بانتهاء الدراسة أو التخصص وقد تبقى المعلومة أو أجزاء منها في البناء المعرفي حسب أهميتها لدى الطالب وطريقة اكتسابها، أما المناهج الخفية فهي تسلط الضوء على الرسائل الضمنية التي يتلقاها الطالب بشكل غير مباشر من خلال توجيهات المعلمين أو الاقتداء بهم، أو بالأقران المتأثرين بأشخاص مختلفين من بيئات وثقافات مختلفة. فقد أشار Gordon [8] إلى أن المنهج المستتر ذو فعالية وتأثير أقوى في تشكيل التلاميذ من المنهج الصريح؛ ذلك لأنه يؤدي دورا في تربية التلاميذ دينيا واجتماعيا وسياسيا.

 إن ضبط المنهج الخفي وتوجيهه للحد من آثاره السلبية على الناشئة مطلب أساسي في العملية التربوية ومهمة يجب على المربين تحقيقها وذلك من خلال التكامل بين المنهجين الرسمي والخفي، والتأكيد على دور المعلم القدوة في تنشئة الجيل والتأثير عليهم. وذلك لا يكون من خلال توجيهات المعلم فحسب، بل من خلال سلوك المعلم وردود أفعاله تجاه المواقف اليومية، وكذلك المصطلحات التي يتداولها، وتعتبر مجمل التصرفات الطبيعية العفوية التي اعتاد ان يفعلها المربي بلا وعي منه، بشكل موروث أو مكتسب شكل من أشكال المنهج الخفي.

وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن المناهج الخفية تعتمد على النظرية الإنسانية حيث يقترح ويلسون عدة معايير لبناء البرامج الإنسانية منها: أن تكون الحاجات الأساسية للفرد هي المنطلق الرئيسي للمعلومات والمعارف اللازمة لاتخاذ القرار، التربية الإنسانية تضع أمام الفرد العديد من البدائل وتزيد من اختيارات المتعلمين [9]. كما ذكر ميلر 1983 أن البرامج المبنية على النظرية الإنسانية ليس لها آلية واضحة ليمكن تقويمها ومدى تحقق أهدافها [10]. وهذا ما يميز المنهج الخفي.

وقد يرتبط هذا المنهج بنظرية التعلم الاجتماعي لباندورا حيث تفترض هذه النظرية إن الإنسان كائن اجتماعي يعيش ضمن مجموعة أو مجموعات من الأفراد يتفاعل معهم ويؤثر ويتأثر بهم وبذلك فهو يلاحظ ويكتسب سلوكيات وعادات واتجاهات يتعلمها من خلال الملاحظة والتقليد أثناء الممارسة والمعايشة، ولا تظهر تلك السلوكيات والتغيرات مباشرة وإنما تستقر في البناء المعرفي للفرد وتظهر في الوقت المناسب، مع ملاحظة أن التعلم في هذه الحالة يكون انتقائياً وذلك يعتمد على خبرات الفرد، ودوافعه، وبيئته، وأهدافه. 

“ويعد المنهج الخفي صورة للقيم الشائعة في المجتمع، وهذا يعنى أن المدرسة ليست مكانا للتعليم الأكاديمي فقط، بل مكانا لنقل القيم التي يعمل المعلمون -بوصفهم أعضاء في المجتمع- على نقلها إلى الطالب، وهذه القيم والتوجيهات تمثل محتوى المنهج الخفي”[11].

ومع صعوبة ضبط هذا المنهج إلا أنه يمكن توظيفه بشكل إيجابي والحد من سلبياته عن طريق تكوين الوعي لدى المعلمين بأهمية التعامل الإنساني مع الطلاب وتوجيههم للأفضل فكريا واجتماعيا ودينيا وبناء مناهج ذات صلة بواقعهم وتأهيل المعلمين ليكونوا قادرين على أداء واجبهم وظيفيا وانسانيا، تنمية الوازع الديني لدى الطلاب تقوية الإرادة التركيز على المستويات العليا في التعليم كالتحليل والنقد والتقويم التركيز على مهارات تطوير الشخصية [12].

 


المراجع:

1- فلاته (إبراهيم): “المنهج المستتر ودوره في العملية التربوية في المدرسة الابتدائية”، مطابع بهادر، مكة المكرمة .1418

2-10 العزاوي، فايزة محمد فخري: “المنهج الخفي فلسفته وتطبيقاته التربوية مجلة البحوث التربوية والنفسية”، مجلد 2006، العدد 9 و10، 48-69، 2006.

4- الموسى عبد الله: ” المنهج الخفي نشأته، مفهومه، فلسفته، مكوناته، تطبيقاته، مخاطره مجلة جامعة ام القرى”، 12، 1، 97-114، 2000.

5- اللقاني (أحمد حسين) والجمل (علي أحمد): ” معجم المصطلحات التربوية المعرفة في المناهج وطرق التدريس”، عالم الكتب، مطبعة أبناء وهبة حسان القاهرة، 2013.

6- أبو سريع (هبة صالح) محمود، (مصطفى مرتضى علي) وحسن (محمد محمود محمد): ” مواقع التواصل الاجتماعي وانعكاساتها الاجتماعية والبيئية على المراهقين – دراسة مقارنة بين البنين والبنات في بعض المدارس الرسمية للغات مجلة العلوم البيئية”، 44، 2، 2018. 

7- العمري، عبد الرحمن عبد الله: “الأبعاد الاجتماعية لاستخدامات المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي دراسة وصفية على عينة من طلبة المرحلة الثانوية بمدينة جدة مجلة جامعة الملك عبد العزيز”، 26، 3، 139- 171، 2018.

11- علام (عباس): “المنهج الخفي” استرجعت بتاريخ 16/9/ 2023، على الموقع التالي https://kenanaonline.com/users/abbasallam/posts/205038

12 العجمي (غزيل محمد): ” المنهج الخفي وتأثيره في العملية التعليمية بدولة الكويت. مجلة القراءة والمعرفة”،21، 235، 8-49، 2021.

 

3- Jackson (P): “Life in classrooms”, New York: Holt, Rinehart, and Winston Inc. 1968

8- Gordon, David: “The Concept of the Hidden Curriculum Journal of Philosophy of Education”,16, 2, 187-198, 1982.

9-. Wilson (John), Robeck (Mildred): “psychological Foundations of learning and teaching”, McGraw- Hill Book Company, London,1974.

البحث في Google:





عن ناديه أبو زاهره

باحثة ومعلمة في التعليم العام - بكالوريوس علوم وتربية تخصص كيمياء - ماجستير مناهج وطرق تدريس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *