التربية الرقمية

التربية الرقمية ضرورة في عالم متسارع

مقدمة

تتسارع التكنولوجيا من حيث التقدم والتطور يوماً بعد يوم، فتصبح التقنيات أكثر ذكاء، و الأجهزة أكثر تطورا، لتتجول في حياتنا بكامل الحرية والتحرر، لدرجة أصبحنا معها أسرى في سجون التكنولوجيا المتطورة، و أصبحنا نتحرك وفقاً لما تُمليه علينا تلك الرقميات، بل ونُدير حياتنا وفقاً لما تُنتجه لنا، خصوصا أنها يسرت علينا الكثير من الأعمال الشاقة، و وفرت علينا الكثير من الجهد والوقت، وتلك من أهم إيجابيات التكنولوجيا.

لكن، و بموازاة مع هذا التطور ومخرجاته التأملية العلمية، واستنتاجاته حول المستقبل الذي ستغزو فيه التكنولوجيا الكوكب بأكمله، لابد أن نستحضر عملية التربية الرقمية ، و التي قد يسميها البعض بالـ “المواطنة الرقمية“. لكن بما أننا نخوض في العلوم التربوية فمن الأفضل أن نسميها التربية الرقمية ، فقبل أن نتعرف على التكنولوجيات والرقميات، لابد أن نتعرف على قيمها ومبادئها من حيث التعامل معها واستخدامها ودورها في حياتنا. فعندما يغيب القانون عن أي مؤسسة أو مجتمع سرعان ما يفسد ويضمحل ليسود الظلم والتجاوزات،  و لذلك عندما تغيب التربية الرقمية عن المجتمع الرقمي لا شك أن العشوائية والتجاوزات والتدخلات السيئة هي التي ستسود، بل قد يصل الأمر إلى الإدمان الإلكتروني، مما يجعل الفرد يتأثر بالسلب تجاه الأعمال اليومية والاجتماعية والعملية في حياته، وهذا ما نرفضه و نسعى لمحاربته.

تعتبر التربية الرقمية بمثابة القانون المُنظم للعمل في العالم الرقمي، والتي مع هذا التطور الهائل في عالم التكنولوجيا أصبحت ضرورة لا غنى عنها أبداً، وفي حالة إهمالها سيختلط الزيت بالماء ، وسنندم كثيراً لحدوث العديد من التجاوزات أقلها الجرائم الإلكترونية، فالوقاية دائماً خير من العلاج، ووجود قانون رقمي يُنظم التعاملات التكنولوجية ويضمن احترام الحريات، ويسمح باستخدام التكنولوجيا بما لا يؤثر على حياتنا الطبيعية لهو الأمر الأكثر أهمية في السنوات القادمة.

هكذا إذن، لا نجد بُدا من أن نقول للباحثين في هذا المجال ولغيرهم أيضا :”لا تجعلوا التكنولوجيات الحديثة تستهويكم في بحوثكم دائماً، فهناك ما يستحق الاهتمام ولا يقل أهمية عن التكنولوجيا وهي التربية الرقمية ، التي ستصبح لا محالة أحد أهم الاتجاهات البحثية في العصور القادمة،‟ لذا علينا الشروع في إعداد قانون رقمي يناسب بيئتنا العربية والإسلامية، وقواعد أخلاقية للتعاملات الرقمية، ونضع معايير قيمية لاستخدام و توظيف التكنولوجيا في مؤسساتنا التعليمية، بل ولابد أن تكون ضمن أهم معايير الاعتماد والجودة لتلك المؤسسات التعليمية.

 

1- التربية الرقمية ماذا تعني؟

هي مجموعة من العادات والتقاليد والقيم والمهارات والأعراف والمعارف وقواعد السلوك المتعلقة باستخدام والتعامل مع التكنولوجيات والرقميات الافتراضية المختلفة، وكذا الأفراد، مما يجعلها أداة جيدة لإنجاز المهمات والأنشطة التي يمارسها الإنسان على الجانب العملي والعلمي والاجتماعي، فهي حجر الأساس للمجتمع الرقمي المعاصر. (تامر الملاح، 2016).

التربية الرقمية في العالم الرقمي توازي التربية الاجتماعية في العالم الحقيقي، فلكل مجتمع أعرافه وقيمه، وبما أن المجتمع القادم هو مجتمع المعرفة والرقميات، لذا فإن له قيماً وعادات وتقاليد.

2- التربية الرقمية تنظم العمل

أن تعرف حدودك في العمل هو مفتاح إنجاز المهام، فالتجاوز في استخدام التكنولوجيا أمر مضر صحيا ونفسيا واجتماعيا وعمليا، لذا فإن المتوخى من التربية الرقمية أن تنمي لدى الإنسان قيماً إلكترونية من شأنها أن تجعله يُنظم و يضع قواعد لاستخدام التكنولوجيا في حياته عامة، الشيء الذي يجعله يستفيد منها الاستفادة القصوى.

التربية الرقمية

3- أهمية التربية الرقمية

تنبع أهمية التربية الرقمية من خلال الآتي:

  • التحدي التكنولوجي والتقني الذي نعيشه اليوم.
  • الفروق التربوية والثقافية بين المجتمعات المنتجة للتكنولوجيا والمجتمعات المستخدمة والمستهلكة لها، فليس كل ما لدى الغرب يناسبنا كعرب ومسلمين.
  • ضبط عملية الانفتاح الثقافي التي توفرها التكنولوجيا، فمن الضروري أن تكون لدينا مصفاة  تقوم بتنقية ما نتعلمه من قيم مختلفة من الثقافات والحضارات الأخرى.
  • وضع ميثاق أخلاقي للتعامل مع الأفراد من مختلف الجنسيات والدول، ينبع من أخلاقياتنا المحلية.
  • تعليماً: تمكن المؤسسات التعليمية من توظيف التكنولوجيا بطريقة حكيمة تجعلها تحصل على الاستفادة القصوى مما هو متاح لديها.
  • اجتماعيا: تجعل التكنولوجيات أدوات مساعدة على الحياة، وليست هي كل الحياة.
  • عملياً: تجعل الموظف قادرا على أداء مهام عمله بكفاءة عالية بتوظيف التكنولوجيا في نطاق عمله بطريقة تساعده على الارتقاء بمؤسسته.

4- جوانب التربية الرقمية

تتحدد جوانب التربية الرقمية في الآتي:

  • الجانب المعرفي: والذي يشتمل على كافة البيانات والمعلومات والمعارف المتعلقة بالتكنولوجيا والرقميات، و هذا الجانب متوفر في بيئتنا العربية، بقي فقط وضع ميثاق أخلاقي معرفي للتربية الرقمية.
  • الجانب المهاري: ويشتمل على المهارات التكنولوجية التي يتمتع بها الأفراد، والتي يستطيعون من خلالها تنفيذ أعمالهم من خلال التكنولوجيا، ويكمن دورنا في هذا الجانب في تعليم النشء المهارات التي تساعدهم على التعايش في عالم تغزوه التكنولوجيا.

الجانب السلوكي: ويتضمن الأخلاقيات والقيم التي تُمليها علينا ثقافتنا العربية والتي يجب علينا أن نحولها إلى تطبيقات عملية عند التعامل مع الرقميات، ويكمن دورنا في هذا الجانب في ضبط سلوكيات الأبناء والتلاميذ من خلال ما ينص عليه ميثاق الأخلاقيات الرقمية.

5- التكنولوجيا تُربي الأجيال

يتواصل أبناؤنا وتلاميذنا اليوم مع التكنولوجيا أكثر من تواصلهم مع الأسرة والأهل والمعلمين، لدرجة أصبحت معها تأثير التكنولوجيا عليهم أكبر من التأثيرات الاجتماعية، حيث نشأ الجيل الحالي في عالم تتسارع فيه التكنولوجيات، أصبح معه فريسة لهذا التسارع الهائل، وبالتالي فإن المُتوخى من التربية الرقمية أن تقوم بوضع ضوابط تجعل تلك الأجيال تستخدم التكنولوجيا في النطاق الذي لا يؤثر على حياتهم الواقعية، لأننا إذا تركنا الأمر على مصراعيه سنجد أنفسنا وأبناءنا، بعد سنوات، نسبح في عالم من الرقميات بعيدا عن الواقع، وهذا الأمر غير مقبول على الإطلاق.

البحث في Google:





عن تامر الملاح

باحث و مطور في مجال تكنولوجيا التعليم و التربية، ومهتم بمشكلات التعليم، كلية التربية، جمهورية مصر العربية

15 تعليقات

  1. مقال رائع جدا

  2. محمد عزمي

    موضوع في منتهى الهمية شكرا جزيلا

  3. د. محمود أبو فنه

    أحيّي الكاتب تامر الملاح على مقاله الهامّ،
    وضرورة عدم الإفراط في استخدام التكنولوجيا
    والانغماس في العالم الافتراضيّ على حساب العالم
    الواقعيّ، وأهميّة مراعاة خصوصيّاتنا الثقافيّة والقيميّة.

    • تامر الملاح

      أشكركم على تعليقاتكم الجميلة، ومتابعتكم المميزة.

      • لك جزيل الشكر
        ولكنى اتسأل هل يوجد المزيد من الابحاث العلمية او الكتب عن هذا الموضوع

  4. خلال أيام سوفى تجدى كتاب بعنوان المواطنة الرقمية، تأليف تامر الملاح، دار السحاب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2017، وبه مئات الدراسات والمشاركات.

  5. إبراهيم

    كيف أوثق هذه الفقرة في رسالة ماجستير؟ يتواصل أبناؤنا وتلاميذنا اليوم مع التكنولوجيا أكثر من تواصلهم مع الأسرة والأهل والمعلمين، لدرجة أصبحت معها تأثير التكنولوجيا عليهم أكبر من التأثيرات الاجتماعية، حيث نشأ الجيل الحالي في عالم تتسارع فيه التكنولوجيات، أصبح معه فريسة لهذا التسارع الهائل، وبالتالي فإن المُتوخى من التربية الرقمية أن تقوم بوضع ضوابط تجعل تلك الأجيال تستخدم التكنولوجيا في النطاق الذي لا يؤثر على حياتهم الواقعية، لأننا إذا تركنا الأمر على مصراعيه سنجد أنفسنا وأبناءنا، بعد سنوات، نسبح في عالم من الرقميات بعيدا عن الواقع، وهذا الأمر غير مقبول على الإطلاق. كيف أوثق هذه الفقرة في رسالة ماجستير؟ وشكرا

  6. تامر الملاح

    تامر المغاورى الملاح (2016). التربية الرقمية ضرورة فى عالم متسارع. مقالة، موقع تعليم جديد، متاح على الرابط التالى: وتحط رابط المقالة.

  7. إبراهيم

    جزاك الله خيرا.

  8. اميره اسماعيل حسين سرور

    ما الفرق بين المواطنة الرقمية والتربية الرقمية؟
    ما هي معايير التربية الرقمية لتطوير المناهج؟

    • تامر الملاح

      المواطنة الرقمية، والتربية الرقمية، والحكمة الرقمية، كلها مصطلحات تدل على نفس المعنى وهو المتعارف عليه بالمواطنة الرقمية….هذا بالنسبة للسؤال الأول…
      أما السؤال الثاني:
      يوجد بالطبع معايير كثيرة جداً وقد قمت بتناولها في كتابي المعنون بالمواطنة الرقمية تحديات وآمال… ولمزيد من التوضيخ يرجى التواصل معي بشكل مباشر لمساعدة حضرتك في إتمام الاجابة على أسئلتك لأن مجرد التعليق لا يكفي.

  9. ابوبكر هماش

    اشكرك ع طيبة وسعة قلبك اخونا

  10. محمد العرادي

    كتابك جيد من حيث المباديء التي قام عليها الكتاب المواطنة الرقمية مالها وماعليها في التسارع حول التكنولوجيا التي نخوضها في هذه الايام وما يكون عليها مستقبلا حول تربية النشء في التمسك بالعادات والقيم ضد هذا الغزو الرقمي لذلك لا خوف من ذلك من خلال زرع القيم الاسلامية في هذا الموضوع !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *