الكفاءة الاجتماعية

الكفاءة الاجتماعية للطلاب في ظل انتشار جائحة كورونا

مقدمة:

المدرسة مؤسسة تربوية واجتماعية وتعليمية؛ فالمدرسة ليست مجرد مكان يتعلم فيه الطالب، بل تؤثر على الطالب من خلال سلسلة المواقف الحياتية والتفاعلات الاجتماعية التي يتعرض لها الطالب بدءًا من لحظة دخوله للمدرسة ووقوفه في طابور الصباح واستماعه لبرامج الإذاعة المدرسية، وحضوره داخل الصف الدراسي وامتثاله للقوانين الصفية، ومناقشاته وتفاعلاته مع زملائه ومعلميه سواء في الأنشطة الصفية واللاصفية. كل تلك التفاعلات تؤثر على شخصية الطالب وتؤهله للتعامل مع مجتمعه في شتى مراحل حياته.

وقد تركت أزمة جائحة كورونا تأثيرها على الكفاءة الاجتماعية للطلاب؛ نظرًا لتعليق الدراسة لأكثر من مليار ونصف طالب، فضلًا عن إغلاق المنشآت الاجتماعية وفرض حظر التجول في معظم البلدان ووجود التباعد الاجتماعي في جميع الأماكن وهو ما أثر بالسلب على الكفاءة الاجتماعية للطلاب.

يتناول المقال الحالي مفهوم الكفاءة الاجتماعية ومهاراتها ومظاهر اكتساب هذه الكفاءة لدى الطلاب وتأثير جائحة كورونا عليها.

تعريف الكفاءة الاجتماعية Social Competence

تعد الكفاءة الاجتماعية مظلة لجميع المهارات الاجتماعية التي يحتاجها الفرد لكن ينجح في حياته وعلاقاته الاجتماعية. فالشخص ذو الكفاءة الاجتماعية ينجح في اختيار المهارات  المناسبة لكل موقف، ويستخدمها بطرق تؤدي إلي نواتج إيجابية [1].

وترى ويندي [2] (Wendy 1999)  أن الكفاءة الاجتماعية تعني إجادة مهارات اجتماعية تسهل وتيسر التفاعل الاجتماعي، وفهم عواطف الفرد وعواطف الآخرين وإدراكها، ومعرفة المفاهيم الدقيقة لموقف لنتمكن من التفسير الصحيح للسلوكيات الاجتماعية والاستجابات الملائمة لها، وفهم الأحداث الشخصية والتنبؤ بها.

ويشير فابير وآخرون إلي أن الكفاءة الاجتماعية هي قدرة الفرد على التفاعل بشكل فعال مع المحيطين به، وهي تشمل القدرة على إيجاد مكان مناسب للفرد في المواقف الاجتماعية، وتحديد السمات الشخصية والحالات الانفعالية للآخرين بنجاح، وانتقاء الوسائل المناسبة لمعاملتهم وتحقيق هذه الوسائل أثناء التفاعل. وتتطور الكفاءة الاجتماعية في الوقت الذي يتعلم فيه الفرد كيف يتصل بالنشاط المشترك مع الآخرين ويشارك فيه [3].

ويعرف جابر عبد الحميد جابر و علاء الدين كفافي (1993) الكفاءة الاجتماعية بأنها بعد وجداني يتمثل في التعاطف والتواصل مع الآخرين والفهم المتبادل للمشاعر الوجدانية، وتكوين العلاقات الشخصية المرضية معهم، بحيث يكون الفرد مستمعاً جيداً لهم، وقادراً على تعرف اهتماماتهم، وتقدير مشاعرهم وتفهمها [4].

ويشير فريد النجار ( 2003) إلى أن الكفاءة الاجتماعية هي القدرة على الاحتفاظ بعلاقات مرضية مع الآخرين [5].

ويرجع الاهتمام بمهارات الكفاءة الاجتماعية Social competence Skills إلى كونها عاملاً مهماً في تحديد طبيعة التفاعلات اليومية للطالب مع المحيطين به في مجالات الحياة المختلفة، والتي تعد في حالة اتصافها بالكفاءة، من عوامل التوافق النفسي على المستويين الشخصي والمجتمعي [6].

وتشير الأدلة النظرية والواقعية، إلى أن هناك حداً أدنى من مستويات التفاعل الاجتماعي ينبغي أن يتوفر لكل شخص، فإذا حرم منه يصبح أقرب إلى الشعور بالوحدة النفسية ويتهدد توافقه النفسي. “وأن انخفاض مهارات الكفاءة الاجتماعية يؤدي إلى فشل الحياة الاجتماعية، وتكرار الضغوط والمشاق، وفشل العلاقات المتبادلة بين الأشخاص”[7].

ويعرف جراهام، الكفاءة الاجتماعية بأنها “القدرة على التفاعل بنجاح وفاعلية مع الآخرين، بالشكل الذي ييسر تحقيق التوافق مع البيئة، ويساعد في إنجاز الأهداف الشخصية والمهنية، وذلك من خلال تكوين علاقات إيجابية لها طابع الاستمرار، تمكن الفرد من التأثير في الآخرين [8].

ويعرفها  أسامة الغريب (2003) إجرائياً على أنها “نسق من المهارات المعرفية والوجدانية والسلوكية، التي تيسر صدور سلوكيات اجتماعية تتفق مع المعايير الاجتماعية أو الشخصية أو كليهما معاً، وتساهم في تحقيق قدر ملائم من الفعالية والرضا، في مختلف مواقف التفاعل الاجتماعي مع الآخرين [9]. وتنعكس مظاهر الكفاءة في كافة صور مهارات التواصل الاجتماعي، وتأكيد الذات، وحل المشكلات الاجتماعية، والتوافق النفسي الاجتماعي للفرد”.

خصائص الطلاب ذوي الكفاءة الاجتماعية :

يرى مجدي حبيب (2003) أن الطلاب مرتفعي الكفاءة الاجتماعية أكثر قدرة على مواجهة المواقف الاجتماعية، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، وانفتاحاً مع الآخرين أكثر من الأفراد منخفضي الكفاءة الاجتماعية [10].

ويمكن إيجاز هذه الخصائص في أربعة عناصر هي [11] :

  • المعرفة
  • الرغبة
  • أنشطة جيدة قابلة للتكيف
  • فطنة اجتماعية

مظاهر ضعف الكفاءة الاجتماعية لدى الطلاب:

إن الأفراد الذي يعانون الشعور بالنقص وعدم الكفاءة الاجتماعية يقللون من شأن أنفسهم ولا يستطيعون مقاومة القلق الناجم عن أحداث الحياة اليومية وضغوطها، ويبحثون باستمرار عن المساعدة النفسية [12].

مهارات الكفاءة الاجتماعية لدى الطلاب:

يذكر كازدن (Kazdin 2000) مجموعة مهارات مكونة للكفاءة الاجتماعية هي تأكيد الذات، ومهارات المواجهة، ومهارات التواصل، ومهارات تنظيم المعرفة والمشاعر [13].

ويرى مجدي حبيب (2003) أن مكونات الكفاءة الاجتماعية تشمل خمسة عناصر هي [14] :

  1. القدرة على تأكيد الذات
  2. الإفصاح عن الذات
  3. مشاركة الآخرين في نشاطات اجتماعية
  4. إظهار الاهتمام بالآخرين
  5. فهم منظور الشخص الآخر

تعقيب على الكفاءة الاجتماعية:

يرى الكاتب أن مهارات الكفاءة الاجتماعية التى أشار إليها الباحثون السابقون متشابهة إلى حد كبير على  الرغم  من اختلاف المسميات، فمحتواها ينصب على النقاط التالية:

  • التفاعل مع الآخرين.
  • القدرة على التواصل مع الآخرين (الزملاء).
  • القدرة على التعبير عن النفس.
  • مشاركة الزملاء في أنشطتهم الاجتماعية.
  • إظهار الاهتمام بالآخرين.
  • فهم الأشخاص الآخرين.

الآثار المترتبة على الطلاب جراء جائحة كورونا:

تشير العديد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن التباعد الاجتماعي الذي سببته جائحة كورونا أثرت على المجتمعات. ففي دراسة أجراها [15] (Ahmed Messaoudene و Mourad belmahi 2020) توصل  الباحثان إلى النتائج التالية:

1- يزيد التباعد الاجتماعي من الخلافات العائلية اليومية بنسبة 70.05٪ ويتضاعف ثمان مرات لدى الأفراد الذين يمارسون التباعد الاجتماعي أكثر من الأفراد الذين لا يمارسونه. و 80.91٪ من السكان الذين يمارسون التباعد الاجتماعي لديهم خلافات عائلية يومية. بينما 71.73٪ من السكان الذين لم يمارسوا التباعد الاجتماعي لم يواجهوا أي نزاع عائلي.

2- العنف المنزلي اليومي لدى الأفراد الذين يمارسون التباعد الاجتماعي يزيد ثلاث مرات عن أولئك الذين لا يمارسونه. لذا فإن 52.28٪ من السكان الذين يمارسون التباعد الاجتماعي لديهم حالات يومية من العنف المنزلي. في حين أن 15.21٪ فقط من السكان الذين لم يمارسوه لديهم حالات يومية من العنف المنزلي.

3- الأشخاص الذين لم يمارسوا التباعد الاجتماعي يزورون جيرانهم مرتين أكثر من أولئك الذين مارسوه.

4- الأفراد الذين يمارسون التباعد الاجتماعي أجروا مكالمات هاتفية يومية بين أفراد الأسرة أقل بثلاث مرات من الذين لم يمارسوه.

كذلك تشير دراسة [16]  Abdulrahman EssaAllily , Abdelrahim  Fathy Ismail  ,Fathi Mohammed Abunasser Rafdan and  HassanAlhajhoj Alqahtani  إلى تسبب الدراسة عن بعد في بعض المشكلات الاجتماعية للطلاب مثل (الإجهاد المرتبط بالوباء والقلق والاكتئاب والعنف المنزلي) لدى الطلاب، وهو ما يتطلب منا كتربويين وأولياء أمور وضع الخطط المناسبة للتغلب على تلك المشكلات.

خاتمة:

تركت جائحة كورونا وما تطلبته من تعليق للدراسة وتعليم عن بعد وتباعد اجتماعي  العديد من الآثار الاجتماعية على الطلاب تمثلت في ضعف الكفاءة الاجتماعية بشتى أبعادها لطلاب المراحل الدراسية المختلفة بنسب متفاوتة تبعًا للمرحلة العمرية للطالب، وهو ما يتطلب وضع الخطط العلاجية والبرامج التأهيلية المناسبة لعلاج هذا القصور.

 

 

المراجع العربية:

  • أسامة الغريب (2003). اضطراب مهارات الكفاءة الاجتماعية لدى ذوي التعاطي المتعدد والكحوليين، دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة المنيا.
  • جابر عبد الحميد ،و علاء الدين كفافي (1993): معجم علم النفس والطب النفسي ، القاهرة، دار النهضة العربية، ج6.
  • دانييل جولمان، (2000). الذكاء العاطفي، ترجمة ليلى الجبالي، عالم المعرفة، عدد (262)، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
  • طريف شوقي (2002). المهارات الاجتماعية والاتصالية، دراسات وبحوث نفسية، القاهرة: دار غريب.
  • فريد النجار (2003) : المعجم الموسوعي لمصطلحات التربية . بيروت : مكتبة لبنان.
  • مجدى حبيب (2003): اختبار الكفاءة الاجتماعية .ط2 ، القاهرة: دار النهضة المصرية.
  • مصطفى حسن (2003): الاضطرابات النفسية في الطفولة والمراهقة، الأسباب- التشخيص- العلاج. دار القاهرة، القاهرة.

المراجع الأجنبية:

Abdulrahman EssaAllily , Abdelrahim Fathy Ismail ,Fathi Mohammed Abunasser Rafdan and  HassanAlhajhoj Alqahtani.(2020): Distance education as a response to pandemics: Coronavirus and Arab culture, Journal of  Technology in Society, Volume 63, November 2020, 101317

Ahmed Messaoudene and Mourad belmahi (2020): Social Distancing and Its Effect on Social Connectedness In the Algerian Society, The International Journal of Social Sciences and Humanities Invention 7(05): 5958- 5968, 2020

Bay University (2001): Competence at bay university .http:// www.bay University.Com/ voaoutus/ buo 1 competency.htm.

Fabes,R. A., Eisenberg, N., Jones, S., Smith, M., Guthrie, I., Poulin, R., Shepard, S. and Friedman, J. (1999): Regulation , emotionality and preschooler’s socially competent peer interactions . child development .vol.(70) , No. (2) ,

(1986). social skills, in Gallatly (ed.) the Skilful Mind, introduction to cognitive psychology .(- pp-130-142 ) Milton Keynes: Open University Press.

Guilford, R.&Upton, G.(1992): Special Educational Needs .The British council .London

Kazdin, A.(2000) Encyclopedia of psychology. Oxford Univ. press,p334.

Wendy, S.(1999): Developing Social competence in children .Teachers collage .Columbia university. http, // iume .tic. Columbia .educe/ choices/ briefs / choices 03.

الإحالات:

[1] مصطفى حسن (2003): الاضطرابات النفسية في الطفولة والمراهقة، الأسباب- التشخيص- العلاج. دار القاهرة، القاهرة، ص 212.

[2] Wendy, S.(1999): Developing Social competence in children .Teachers collage .Columbia university. http, // iume .tic. Columbia .educe/ choices/ briefs / choices 03.

 

[3]  Fabes,R. A., Eisenberg, N., Jones, S., Smith, M., Guthrie, I., Poulin, R., Shepard, S. and Friedman, J. (1999): Regulation , emotionality and preschooler’s socially competent peer interactions . child development .vol.(70) , No. (2) , p.p. 432-442.

[4] جابر عبد الحميد ،و علاء الدين كفافي (1993): معجم علم النفس والطب النفسي ، القاهرة، دار النهضة العربية، ج6 ،2712.

[5] فريد النجار (2003) : المعجم الموسوعي لمصطلحات التربية . بيروت : مكتبة لبنان، ص 930.

[6] طريف شوقي (2002). المهارات الاجتماعية والاتصالية، دراسات وبحوث نفسية، القاهرة: دار غريب، ص 17.

[7] دانييل جولمان، (2000). الذكاء العاطفي، ترجمة ليلى الجبالي، عالم المعرفة، عدد (262)، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص 165.

[8] Graham.(1986). social skills, in Gallatly (ed.) the Skilful Mind, introduction to cognitive psychology .(- pp-130-142 ) Milton Keynes: Open University Press.

[9] أسامة الغريب (2003). اضطراب مهارات الكفاءة الاجتماعية لدى ذوي التعاطي المتعدد والكحوليين، دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة المنيا، ص 35.

[10] مجدى حبيب (2003): اختبار الكفاءة الاجتماعية .ط2 ، القاهرة: دار النهضة المصرية ،ص 5.

[11] Bay University (2001): Competence at bay university .http:// www.bay University.Com/ voaoutus/ buo 1 competency.htm.

[12] Guilford, R.&Upton, G.(1992): Special Educational Needs .The British council .London pp124-126.

[13] Kazdin, A.(2000)  Encyclopedia of psychology. Oxford Univ. press,p334.

[14] مجدى حبيب (2003): مرجع سبق ذكره، ص 7.

[15] Ahmed Messaoudene and Mourad belmahi (2020): Social Distancing and Its Effect on Social Connectedness In the Algerian Society, The International Journal of Social Sciences and Humanities Invention 7(05): 5958- 5968, 2020

[16] Abdulrahman EssaAllily , Abdelrahim  Fathy Ismail ,Fathi Mohammed Abunasser Rafdan and  HassanAlhajhoj Alqahtani.(2020): Distance education as a response to pandemics: Coronavirus and Arab culture, Journal of  Technology in Society

Volume 63, November 2020, 101317

 

البحث في Google:





عن د. طارق عبد المجيد

حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية – تخصص علم النفس التربوي- تربية خاصة (جامعة كفر الشيخ- جمهورية مصر العربية)، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة بالمجلات العلمية المحكمة والمؤتمرات الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *